ما إن يدخل الزائر الحدود الإدارية لمحافظة "السويداء" ويتعمق فيها حتى تبدأ مناظر الأحجار السوداء تسرق انتباهه، ويصبح الأمر لافتاً فيما لو دخل إحدى القرى وتجوّل بين بيوتها القديمة، هناك سيجد كيف تزين حجارة البازلت المائلة للسواد تلك البيوت وأسوار حدائقها مانحة إياها مسحة جمال خاصة تعيدها إلى الخلف سنوات وسنوات، قبل أن يشوّه الإسمنت بيئتها ويحولها إلى كتل بلا روح ولا معنى.

عبر عصور طويلة، ارتبط البازلت بحياة المنطقة الجنوبية من البلاد، لا بل أنه تحول إلى أحد رموزها إلى جانب كونه مادة أساسية للبناء قاومت عجاف السنوات ومعاركها، ورغم هذه الأهمية فقد بقي بعيداً عن الاستثمار الاقتصادي والصناعي الحقيقي عدا عن استخدامه في الصبات البيتونية، وعمليات الإكساء الخارجي التي بقيت أقل من الجدوى المأمولة للحضور الاقتصادي المطلوب لهذه الثروة.

المشروع لإنشاء مصنع لإنتاج ثلاثة آلاف طن من الألياف البازلتية في محافظة "السويداء" وفي العديد من المقالع وهي على شكل صبات، وذلك يعدُّ احتياطياً كبيراً، حيث توصف الألياف البازلتية على أنها منتجات صديقة للبيئة وآمنة إضافة للعديد من المزايا كالاستدامة والمقاومة لعوامل الجو، وكافة العوامل الكيميائية والخواص الميكانيكية التي تتفوق فيها السبائك المحلية، والعديد من المزايا الأخرى التي سيتم التطرق لها على أن تتنوع المنتجات، لتكون المنتجات: حجر بازلت متعدد الاستخدامات، حجر بازلت أرضيات، أحجار بازلت مختلفة الأطوال، وحديد مسلح، بعدد عمال ثلاثمئة عامل

*جدوى متعددة

المهندس الاستشاري "وليد شعيب" يقول أنه لا يبالغ في الحديث عن أهمية البازلت، كيف لا و"بلاط شوارع مدينة "شهبا" الأثرية وحجارة المعابد البيزنطية والأبنية الحديثة وواجهاتها تشهد على ذلك".

جيهان العوام هيئة الاستثمار في السويداء

"شعيب" من أوائل الدارسين لهذه المادة، ومن الداعين لإدخالها بالخرسانة واستخدام الحصى والرمل البازلتي بديلاً يرفع من متانة الأبنية ومقاومتها، ويؤكد في حديثه لمدوّنة وطن " eSyria": «لقد درسنا مقاومة الحصى والرمل البازلتي منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً بسلسلة من الدراسات حول استخدام الحصويات البازلتية في أعمال البيتون، وذلك من خلال تجارب حقلية في مشروعات كبيرة استخدمت فيها هذه المادة، وبكميات كبيرة إضافة إلى التجارب المخبرية، وقد أعطت التجارب نتائج هامة من حيث إمكانية التشغيل والمقاومة على الضغط ومقاومة الحريق والتخفيف من التبادل الحراري مع الوسط الخارجي في المنشآت المشيدة من الحصويات البازلتية، بالمقارنة مع المنشآت المشيدة بالحصويات الرسوبية والحصول على عازلية عالية، ولا يزيد وزنه الحجمي عما هو للخرسانة الرسوبية، والمكافئ الرملي للرمل البازلتي خمسة وثمانون بالمئة، وهو يحقق مؤشرات أفضل لجهة النفوذية ومقاومة الحريق والأحماض ومقاومة السحق والاهتراء.

فرع الهيئة السورية للاستثمار في "السويداء" وضمن دراسات الخارطة الاستثمارية أعد دراساته للبازلت كخامة وعنصر غني لعدة استثمارات صناعية بهدف التوجيه لإقامة معامل صهر البازلت كما تحدثت "جهان العوام" رئيسة الهيئة السورية للاستثمار فرع "السويداء" لمدوّنة وطن eSyria وقالت: «كان الحجر البازلتي على مر العصور مادة أساسية في بناء البيوت الشعبية، والأوابد التاريخية والقصور والمعابد الرائعة التي نحتت من البازلت، وبقيت شاهدة على عظمة هذا الحجر وصلابته وأهميته في أعمال الخرسانات».

المستثمر عمر مزهر

تتوفر أحجار البازلت بشكل واسع في المنطقة الجنوبية من سورية، وتتدرج أحجامها في مناطق شرق مدينة "السويداء" بأبعاد مختلفة، تستخدم هذه الصخور حالياً عن طريق تكسير الحجر البازلتي ذي الأحجام الكبيرة، أبعاده من متر إلى عشرة أمتار، ليصبح بحجم لا يزيد على المترين وطحنه، بهدف إنتاج الزلط والرمل لاستخدامها في كافة أعمال البناء والردم وصناعة الإسمنت وفرش الطرق وغيرها وهذا الاستخدام حديث نسبياً.

*خارج الاستثمار

بقي البازلت خارج دائرة الاستثمار الحقيقي بحسب "العوام" والتي تضيف: «تمّت الاستفادة خلال العقدين الأخيرين وقبلها بقليل من الأحجار البازلتية وظهرت عدة معامل لقصّ ونشر الحجر البازلتي، الذي أصبح يستخدم بشكل واسع في أعمال الكساء الخارجي للأبنية المختلفة، ولاقى إقبالاً كبيراً داخل وخارج القطر، ما ساعد في خلق مجال جديد للاستثمار وتشغيل اليد العاملة، وقد انخفضت أسعاره إلى خمسمئة ليرة سورية للمتر (وفق أسعار تلك المرحلة) نظراً لكثرة المعامل المتخصصة بنشر الحجر البازلتي، وازداد الطلب على هذه السلع بسبب بدء السوق الداخلي ببناء مشاريع كبيرة كما ولدت سوق حقيقية في دول الخليج العربي، أوروبا، وتركيا، وتم تأمين حجوزات خاصة كثيرة في الدول العربية والخليجية وتركيا لأعمال متميزة للحجر البازلتي».

قص البازلت

من محفزات الاستثمار المواصفات العالية للحجر البازلتي حيث لا يزيد وزنه الحجمي عما هو للخرسانة الرسوبية والمكافئ الرملي للرمل البازلتي، وهو يحقق مؤشرات أفضل لجهة النفوذية ومقاومة الحريق والأحماض ومقاومة السحق والاهتراء، ما أدى إلى استخدامه في السيراميك المزجج كما أن المقاومة على الشد تضاعفت في البلوك البازلتي.

وتشير "العوام" إلى أنّ الهيئة أنجزت دراسات لتوسيع دائرة الاستثمار لتأسيس نواة للاستثمار الثقيل في البازلت والاستفادة من هذه الثروة في الصناعة الثقيلة وليس فقط معامل القص والنشر، وتضيف: «إن توطين مثل هذه الصناعة في منطقتنا التي تحتوي على ثروة طبيعية رائعة وواعدة يمثل مشروعاً عملاقاً بكل المقاييس، وسيوفر البنية التحتية من شبكات الطرق وأعمال السكك الحديدية المزمع إنشاؤها، وأنابيب نقل المشتقات النفطية والكيميائية في منطقتنا العربية، وهذا ما سعت إليه الهيئة عبر تأمينها دراسات متكاملة لمشاريع تحرض على ذلك، وخاصةً أنّ عدة جهات قامت بدراسات حقلية ميدانية لمنتج المقالع في دول كثيرة أكدت قابلية بازلت منطقتنا للصهر والتصنيع، والمقالع قابلة لأن تكون مناسبة لإنتاج البازلت اللازم لاستخدامها في أعمال مصهورات بازلتية.

وقدمت الهيئة دراسات لعدة مشاريع أهمها مشروع لصهر البازلت، وهي الصناعة التي يعول عليها للمستقبل حيث تبدأ من تحضير المواد الأولية من المقالع (تحضير الحجر وتكسيره وطحنه) ثم يتم غسل وتجفيف الحجر لبازلتي ثم صهر قطع البازلت في أفران خاصة معدة لذلك، يتم بعد ذلك صبها في قوالب خاصة معدة مسبقاً ويتم تبريدها (درجة حرارة مناسبة) لتصبح المصبوبة جاهزة للتوضيب والبيع محلياً وخارج القطر، ويتم التوزيع عبر موزعين معتمدين داخل وخارج القطر، باعتبار أنه لا يوجد منافسون داخل البلاد العربية.

وفق الدراسة فإنّ إنتاج هذا النوع من المصبوبات يتمّ بكميات قليلة في العالم وبذلك يكون تسويقه واسعاً، ويعطي المشروع جدوى اقتصادية عالية إلى جانب تنويع المنتجات من الألياف البازلتية أو الصوف الصخري والعوازل، وبالفعل تقدم مستثمرون منهم من باشر ومنهم من توقف بفعل الظروف التي تتعرض لها سورية، مع العلم أن الهيئة حاولت تقديم تسهيلات لضمان دعم هذه المشاريع لتأخذ طريقها للنور».

مشروع صناعة الألياف واستخراج حديد الأبنية ومجموعة كبيرة من المنتجات تقدم إليه المستثمر "عمر مزهر" مع عدد من الشركاء وتمت الموافقة عليه، وأتم الإجراءات للانطلاق بالعمل نهاية عام 2016 وتم تحديد المكان في مقالع قرية "رضيمة اللوا" شمال "السويداء" وبدأ بالتأسيس لكن المعمل لم يظهر للعيان بعد.

يقول "عمر مزهر": «المشروع لإنشاء مصنع لإنتاج ثلاثة آلاف طن من الألياف البازلتية في محافظة "السويداء" وفي العديد من المقالع وهي على شكل صبات، وذلك يعدُّ احتياطياً كبيراً، حيث توصف الألياف البازلتية على أنها منتجات صديقة للبيئة وآمنة إضافة للعديد من المزايا كالاستدامة والمقاومة لعوامل الجو، وكافة العوامل الكيميائية والخواص الميكانيكية التي تتفوق فيها السبائك المحلية، والعديد من المزايا الأخرى التي سيتم التطرق لها على أن تتنوع المنتجات، لتكون المنتجات: حجر بازلت متعدد الاستخدامات، حجر بازلت أرضيات، أحجار بازلت مختلفة الأطوال، وحديد مسلح، بعدد عمال ثلاثمئة عامل».

*الحصار

وفق "مزهر" فإن الحصار الاقتصادي على سورية عرقل عملهم لجهة عدم القدرة على إدخال الآليات والتجهيزات اللازمة، ومع ذلك فإن العمل جارٍ على أمل أن تكون هناك فرصة قريبة للمتابعة وتحقيق اتفاقيات توريد الآليات.

من جهة ثانية فإن من اختبر العمل في مجال قص البازلت وتوريده للخارج يرى أن هناك معاناة كبيرة لدى الشركات التي تخصصت في استثمار البازلت وقد لا يكون ذلك محفزاً لمشاريع جديدة، يؤكد "رواد غبرة" صاحب شركة "المتحدة" لنشر الكتل الصخرية -عمرها قارب 30 عاماً- أنّ تطوير القطاع يحتاج لتسهيلات بداية من الضريبة، وثانياً حماية المنتج، وثالثاً إنهاء الحصار وما يشكله من خطر حقيقي على استمرار الصناعة كغيرها من الصناعات، ومع العلم أننا لم نتوقف عن تصدير الحجر البازلت للخليج العربي وأوروبا، واليوم نعاني من مشكلة الحوالات وننتقل إلى "لبنان" و"الأردن" لاستلامها لأنّ سعر الصرف المحدد يعرضنا لخسائر كبيرة، وبظروف الحصار فإنّنا ننقل بضاعتنا إلى "لبنان" لنكتب عليه "صنع في لبنان" لنتمكن من تصديره إلى الأسواق العالمية، لكننا مستمرون على أمل أن نتخلص من الحصار لإدخال تقنيات جديدة لتطوير المصنع، ومن منافسة المنتج التركي والفيتنامي".

تمّ اللقاء بتاريخ 20 كانون ثاني 2021.