إن كانت منسية كما يصفها الأهالي؛ فالحديث يخصّ موقعاً مهجوراً، لا حياة فيه، لكنّ "قلعة الخوابي" هو أيضاً اسم القرية المجاورة لما يشبه الحصن المنيع؛ كما أنّ موقعها الذي تحيط به الوديان من جميع الجهات، والأقبية الأرضية المنتشرة في كامل أرجاء محيطها تؤكد هذا التفرد.

فهذه القلعة الواقعة في منطقة "الشيخ بدر" ما زالت تحتفظ بأغلبية معالمها، من سور، أقبية أرضية، أبنية قديمة وغيرها، وعن تاريخها قال رئيس "دائرة آثار طرطوس" "مروان حسن": «تقع قلعة "الخوابي" إلى الشمال من مدينة "طرطوس" على مسافة حوالي عشرين كيلومتراً، واثنا عشر كيلومتراً عن بلدة "السودا"، في منطقة متوسطة بين جبال "البهرة، سلسلة الجبال الساحلية اليوم"، لكنها أقلّ ارتفاعاً منها، وتتميز بموقعها الحربي، كما تعتبر من القلاع الإسماعيلية، وهي تابعة ومرتبطة بقلعة "الكهف"، حيث كانت بحوزة "محمد بن علي بن حامد"، فسلّمها للصّليبيين عام 1011 م، ثم أصبحت من أملاك الإسماعيلية بعد عامين من وصولهم إلى قلعة "الكهف"، وقد اصطدم "الإسماعيلية النزارية" مع بنو "محرز" عليها، ويقال بأنها انتقلت بين الطرفين».

جدد بناءها "سنان راشد الدين" عام 1160 م، وتعرضت لهجمات الصليبيين وحصارهم على يد "يوهمند الثاني"، ثأراً من الإسماعيلية لابنه "ريموند"، الذي قتل في كنيسة "طرطوس" على يد فدائيي أتباع "شيخ الجبل" عام 1213 م، وقد توسط "الظاهر غازي" أمير "حلب" لرفع الحصار عنها

وأضاف: «جدد بناءها "سنان راشد الدين" عام 1160 م، وتعرضت لهجمات الصليبيين وحصارهم على يد "يوهمند الثاني"، ثأراً من الإسماعيلية لابنه "ريموند"، الذي قتل في كنيسة "طرطوس" على يد فدائيي أتباع "شيخ الجبل" عام 1213 م، وقد توسط "الظاهر غازي" أمير "حلب" لرفع الحصار عنها».

المهندس "مروان حسن"

فما أهم ميزات هذه القلعة؟ يبين رئيس الدائرة الأثرية: «"قلعة الخوابي" كبقية القلاع الإسماعيلية؛ يتم الصعود إليها عن طريق البوابة الوحيدة على جهة الشرق وعلى سلم حجري، وتضم القلعة منشآت كثيرة؛ بعضها متهدم والآخر ما يزال يستعمل للسكن، وتتألف من حارتين؛ الأولى حارة "سنان راشد الدين"، وهي أعلى مرتفع من مركز القلعة، وقد زالت معالمها الأثرية بسبب إقامة الأبنية الحديثة فوقها، وفيها مسجد جدد بناؤه في العهد العثماني، بإدخال صخرة بازلتية سوداء وضعت فوق عتبة البوابة، كتبت عليها عبارة "توقيفات حميدية" عام 1310 هـ، وقد احتفظت هذه الحارة ببعض من معالمها القديمة كالأقبية ومرابط الخيل، أما ما تبقى فقد أصبح أطلالاً من الحجارة، ويتوزع فيها عدد من الآبار».

وتابع ليصف الحارة الثانية: «يقال لها حارة "السقي"، ولم يبق منها شيئاً على الإطلاق، وهي عبارة عن أطلال من الحجارة المختلفة الأحجام لبيوت سكنية قديمة، إلا أنه عند الخروج من القلعة باتجاه البوابة الرئيسية نحت عليها ثلاثة أحرف يونانية، وربما تكون رمزاً لإله النصر، ومن المحتمل أنها دخيلة على الجدار الأساسي وأضيفت في العهد الصليبي.

المدرّس "أحمد حمادة"

أما خارج القلعة وعلى مقربة منها، فيوجد مسجد من بناء قديم متهدم الأطراف، وعلى مقربة منه وجد الحمام، وقد كان ظاهراً إلى وقت قريب، أما اليوم فقد أزيل كلياً، وأقيم مكانه منزل لأحد سكان قرية "قلعة الخوابي"».

فهل قامت "الدائرة الأثرية" بالترميم اللازم؟ الأعمال بحسب ملاحظتنا كانت بحسب الإمكانيات المادية المتوافرة، وتركزت على مدخل القلعة، كما يوضح: «قامت "دائرة الآثار" العام الماضي بأعمال صيانة وترميم لبعض أجزاء القلعة، مثل السور الخارجي، برج البوابة الرئيسي، والدرج الواصل إلى القلعة، بالإضافة إلى عزل أسطح بعض الغرف، وأعمال تحشية وتدعيم بدعامات معدنية للكتلة الصخرية، كما تمت أعمال تعشيب في القلعة خلال السنوات السابقة».

"صالح رقية"

الوصول إلى الموقع كان ميسراً، فوسائل النقل مؤمنة بشكل مستمر، وعند وصولنا كان المدرس "أحمد حمادة" أول من التقيناهم، يقول عن القلعة: «أصبحنا في عام 2010 وما تزال هناك قلاع منسية في سورية؟ تاريخ هذه القلعة ليس ثابتاً أو دقيقاً، لكن بحسب ما حدثنا آباؤنا وأجدادنا؛ كانت هذه القلعة مأوى للخارجين عن القانون في ذلك الحين، أي منذ فترة لا تقل عن 500 عام، أو من بداية التسلط التركي، والخارجين عن القانون في ذلك الحين كانوا من جهات مختلفة، والعائلات التي سكنت هنا أيضاً، فمثلاً هناك عائلة "الشغري" التي اتضح أنّ لهم أقرباء في منطقة "جسر الشغور"، أو آل "رقية" الذين لهم أقارب في قرية "خربة القبو"».

فما أصل التسمية بحسب معلوماتك؟ يقول: «يعتقد أنّ الاسم كان قلعة "المخابي"، وتحول مع الزمن إلى قلعة "الخوابي"، وهذه المعلومة حصلت عليها من خلال مشاركتي في "مهرجان الطلائع" في المحافظة، حيث يتم إعداد دراسة أثرية، جيولوجية واقتصادية للمحافظة، وفي ذلك الحين قام رئيس دائرة الآثار "محمد رئيف هيكل" بإعداد الدراسة الأثرية وقدمها للفرع، ويقال أيضاً بحسب تلك المعلومات أنّ تاريخ بنائها يعود إلى حوالي 1200 عام، كما يقال أنّ من بناها هو أحد زعماء الطائفة الإسماعيلية ويدعى "سنان راشد الدين"، فهذه الساحة معروفة منذ القدم وحتى اليوم باسم "راشدين"، وعلى الأرجح أنّ التسمية جاءت من الاسم المذكور».

بماذا تختلف عن غيرها من القلاع؟ يبين: «أكثر ما يميز القلعة وجود العديد من الأقبية المتجاورة الموجودة تحت الأرض في كامل محيطها، وبأبعاد ثلاثة إلى أربعة أمتار، مع أنّ العديد منها قد ردمت، ويمكن ملاحظة نوافذ صغيرة في السور، ربما للإضاءة أو التهوية، ومن الواضح أنّ الجبال المحيطة بها أعلى منها، لكنها المكان الوحيد المحاط بما يشبه الوادي أو الخندق، بما في ذلك الجزء الطبيعي أو المحفور».

عدد قليل من العائلات احتفظت بمنازلها في القلعة، لتكون مقرها الدائم، في حين بقي قسم من الأبنية مخصصاً للزيارة في فصل الصيف، أما "صالح رقية" فيفضل مدفأة الحطب شتاءً، ويقول عن جذوره: «أصل عائلتنا من قرية "خربة القبو" في منطقة "القدموس"، وقد وجدنا علبة معدنية صغيرة هنا، تحتوي على ورقة مكتوبة بالحبر الأسود تقول: "نحن أربعة جدود؛ صالح، محمود، علي ومصطفى"، فجاء "صالح" إلى هنا، وذهب "علي" إلى "العالية في جسر الشغور"، وبقي "محمود" في قرية "خربة القبو"، أما "مصطفى" فاستقرّ في محافظة "اللاذقية"».

أما الوضع العام للقلعة والممرات الموجودة فيها، فيصفها قائلاً: «أهم ما تحتاجه القلعة هو التنظيف من الأحراش، ثم الترميم، حيث توجد الكثير من الأجزاء المتهدمة والأشبه بالخرابة، والطريق الذي يأتي إلى البوابة مقبول لأننا نحافظ نحن عليه، أما الجهة الشمالية فلا أحد يستطيع الدخول فيها، فهذا الإهمال لم يحصل، وليس هناك قلعة إلا وتوجهت الأنظار إليها».