بريشته الفنية استطاع أن يترك بصمته في عالم الفن التشكيلي الواسع، وبتناغم ألوانه واتحادها مع لوحاته تمكّن من جعل فنه رسالة تنشد السلام، وتسمو نحو الإبداع المنشود.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 28 تموز 2017، تواصلت مع الفنان التشكيلي "منذر علي" ليستهل حديثه بالقول: «لا بد لكل منا أن يبدأ مشواره من مكان ما، وفي مجال الفن التشكيلي مدارس واسعة ومتشعبة، وكان من المفترض الخوض في غمار تلك المدارس لأكتشف أين أنا من هذا العالم الغني. حاولت أن أجرب كل مرحلة لأكتشف كينونتها ومحتواها، لكن سرعان ما كنت أنتقل من مرحلة إلى أخرى من دون أن أدرك أنني أنتقل فعلياً، وذلك حسب ما تمليه عليّ يدي وفرشاتي وألواني، وقد تعلّمت الكثير من تجاربي الفاشلة؛ فأنا لم أكن أكاديمياً، وكان عليّ دراستها لتكون جسراً للعبور إلى التجريدية والغنائية والشعرية اللونية وبعض المدارس المختلفة التي عملت عليها لاحقاً».

شعر "الهايكو" مكان يعج بالأفكار الجديدة كلياً؛ وهذا يجعله أرضاً خصبة لتطوير وتطويع لغتنا العربية والوصول بها إلى البعيد، بل هو نوع من الأدب الجديد عالمياً جذوره يابانية، ووصل إلينا مؤخراً منذ بضع سنوات، والجميل فيه أنه حدث حقيقي آني، وليس حدثاً تخترعه خيالاتنا، يعتمد الفطنة والممارسة السليمة للغة لاصطياد النص وتوثيقه توثيقاً محكماً. وقد صدر لي كتاب إلكتروني في سلسلة "شعراء الهايكو"، كما أنني حائز على عدة أوسمة في هذا النمط من الكتابة، وكنت محكماً للعديد من مسابقات "الهايكو"

ويكمل عن معارضه ورسالته الفنية بالقول: «أقمت عدة معارض في صالات حكومية متعددة، منها المعرض الأول في المركز الثقافي العربي في "طرطوس" عام 1995، والثاني والثالث في المركز الثقافي العربي في "دمشق" عامي 1996-1997، وفي المركز الثقافي الروسي في "دمشق" عام 1999، إضافة إلى العديد من المعارض الجماعية في معظم المحافظات السورية، وعددها 35 معرضاً جماعياً كلها قبل عام 2001، إلى أن حكمت الظروف التوقف القسري عن استكمال المشوار الفني لأعاود من جديد رحلتي في هذا المجال عام 2014، وعن الفن كرسالة يجدر القول إن كل الأعمال التي نقوم بها في أي صنف من أصناف الفنون والآداب والعلوم مهما توسعت مشاربها تحمل في طياتها رسائل مبطنة إلى الآخرين.

طبيعة صامتة

لكن، إلى من تصل تلك الرسائل؟ المشكلة تكمن في المتلقي ومستوى تفكيره وثقافته وميله للفهم والإدراك، أو عدم اهتمامه واكتراثه بتلك الفنون لعدم قدرته على التواصل معها، ثقافة الأمم تقاس بمستوى تطور فنونها، وعلينا برفع مستوى الذائقة الفنية لنصل إلى فهم وإدراك تلك الرسائل، وليس على الفنان الهبوط بمستوى أعماله لتتلقف العامة رسائله المبطنة، عليه أن يرسم ما يجول في خاطره، ولا ينتظر ردود الأفعال المباشرة وغير المباشرة؛ وهذا ينعكس إيجاباً على المدى الطويل».

وحول حضوره في ميادين شعر "الهايكو" إلى جانب الرسم، يتابع: «شعر "الهايكو" مكان يعج بالأفكار الجديدة كلياً؛ وهذا يجعله أرضاً خصبة لتطوير وتطويع لغتنا العربية والوصول بها إلى البعيد، بل هو نوع من الأدب الجديد عالمياً جذوره يابانية، ووصل إلينا مؤخراً منذ بضع سنوات، والجميل فيه أنه حدث حقيقي آني، وليس حدثاً تخترعه خيالاتنا، يعتمد الفطنة والممارسة السليمة للغة لاصطياد النص وتوثيقه توثيقاً محكماً.

وقد صدر لي كتاب إلكتروني في سلسلة "شعراء الهايكو"، كما أنني حائز على عدة أوسمة في هذا النمط من الكتابة، وكنت محكماً للعديد من مسابقات "الهايكو"».

الناقد والفنان التشكيلي "أديب مخزوم"، تحدث عن أعمال الفنان "منذر علي" بالقول: «مثّلت لوحاته الأحدث، التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، عودة إلى الصياغة الواقعية المغرقة في دقتها ونمنماتها التفصيلية، وبعد سلسلة معارض أقامها في "طرطوس" و"دمشق"، ووصل من خلالها إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس بالانفعالات اللونية، وجعلته يشق طريقه نحو ملامح التجريد اللوني والتعبيري والغنائي والقائم على ضربات وحركات لونية متتابعة ومتجاورة، وفي أعماله الأخيرة جسّد مشاهد الطبيعة والأشكال الصامتة والوجوه وغيرها، بعودته إلى أدق درجات الدقة في الرسم الواقعي، وبذلك يكون قد سار في اتجاه معاكس للمألوف والمتبع في معارض الفنانين، حيث يبدأ الفنان عادة بالرسم الكلاسيكي والواقعي والتسجيلي، ثم يتدرّج في خطوات اختصار العناصر والأشكال وتبسيطها بطريقة تعبيرية، قبل الانحدار والانعطاف نحو التجريد اللوني والبحث التقني الخالص والصرف».

وقد اخترنا من شعر الهايكو الخاص بالفنان "منذر علي" هذا المقتطف:

"فراشة بيضاء.. تحلّق فوق المرج.

كرة الكولف.. قمر مكتمل.. يتموج تحت الماء.. قنديل البحر.

رجل الثلج.. ينحته الصغار كبيراً.. مثل أحلامهم.

هذا المساء.. يقشعر على الماء.. جليد برتقالي.

دَرَجُ المَعبَد.. جانب الشجرة العارية.. ينحني قليلاً.

الجدار المستقيم.. أمام المعبد.. ينحني قليلاً.

خشبة جافة.. تصلح تمثالاً سريالياً.. داخل الموقد.

المايسترو.. يرسم بعصاه الصغيرة.. بحيرة البجع".

يذكر أن الفنان "منذر علي" من مواليد "طرطوس" عام 1963.