في تحدٍّ كبير لعوامل المناخ والتضاريس اجتهد الأهالي منذ ما يزيد على أربعين عاماً -وما زالوا- لإنجاح زراعة أشجار الزيتون، فوصلوا اليوم إلى درجة الاكتفاء الذاتي، وفي بعض الأحيان بيع الفائض لتحسين الوضع المعيشي.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 20 تشرين الثاني 2017، قرية "كاف الجاع" في ريف "القدموس"، والتقت الدكتور المهندس في جامعة تشرين "سمير عيسى" من سكان القرية، حيث قال: «قبل أكثر من أربعين عاماً كان الأهالي يعتمدون على بعض الزراعات الحقلية، كالقمح والشعير والذرة والحمّص، وبعض أنواع الأشجار المثمرة التي كانت مسيطرة على المنطقة، كالتفاح والكرز وأشجار التوت التي كانت تستخدم لتربية دودة القز، أما لتأمين الاحتياجات المنزلية من مادة الزيتون والزيت، فكانوا خلال موسم جني المحاصيل يعملون في القرى القريبة من المدن الساحلية من "اللاذقية" حتى "طرطوس" مقابل حصولهم على نسبة من الإنتاج، ليعودوا إلى قريتهم مع مؤونتهم من الزيتون والزيت، مع العلم أنه كثيراً ما لفت بعض الناس وجود عدة أشجار زيتون معمرة تعود إلى مئات السنين في منطقة تسمى "العاصي" في وادي القرية؛ وهي منطقة كثيرة الأشجار وصعبة الاجتياز لشدة تشابك النباتات والشوكيات، إضافة إلى أشجار زيتون معمرة متفرقة موجودة ضمن منطقة تدعى "الجوبة"؛ وهذا دليل على قيام زراعة الزيتون بكثرة في الفترات التاريخية السابقة».

لقد توسع المزارعون في المناطق الجبلية خاصة ريف "القدموس" في زراعة الزيتون وصولاً إلى مناطق قد ترتفع إلى ألف متر عن سطح البحر، مستفيدين من السفوح المتجهة جنوباً والمعرضة لأشعة الشمس، متجاوزين حد الستمئة متر المعروف تاريخياً لزراعة الزيتون، وفي تحدٍّ واضح لعوامل الطبيعة القاسية، وقد اعتمدوا النمط البعلي في الزراعة، وحالياً من أهم الأنواع التي يقومون بزراعتها (الدعيبلي، والدان، والنيبالي)، مع اكتساب المزارعين الخبرات الضرورية للعناية بهذا النوع من الأشجار

ويتابع: «هذه الملاحظة دفعت والدي "صالح محمد عيسى" قبل أكثر من أربعين عاماً إلى القيام بجلب بعض "قرم" أشجار الزيتون القديمة أثناء عمله ليقوم بزراعتها في إحدى أراضينا القريبة من وادي القرية، المعروفة باسم "السلاليم"، وقد لقيت فكرته في البداية الكثير من الاستهجان من قبل الأهالي، لكن في الوقت نفسه تشجع معمّر آخر؛ وهو "سلمان أحمد"، وقام بالخطوة نفسها، لتظهر لاحقاً ثمار جهودهما، وبعد عدة سنوات بدأ الجميع زراعة الزيتون وبتشجيع من الجمعيات الفلاحية في المنطقة، التي بدورها بدأت تأمين الغراس بكميات كبيرة، لتصبح اليوم الشجرة رقم واحد من حيث عددها في القرية، وانتقلت العائلات السباقة في زراعتها من مجرد تحقيق اكتفائها الذاتي إلى دخول سوق الزيت بقوة لتصريف الفائض من إنتاجها؛ وهو ما عاد عليهم بالفائدة الاقتصادية، وساعد في تأمين متطلباتهم الحياتية».

الزيتون النيبالي

المهندس المدني "ماهر حسن" من أهالي القرية، والمهتم بزراعة الزيتون في أرضه، قال: «تتميز القرية بموقعها بين ارتفاعي سبعمئة وسبعة وأربعين متراً عن سطح البحر في الوادي، وألف ومئة وخمسة وسبعين متراً في أعلى جبل "القضبون"، لكن ما يميز القسم الأكبر من أراضينا هو تركزها على هضبة تراوح ارتفاعاتها بين الثمانمئة والتسعمئة متر عن سطح البحر، وتحيط بها جروف صخرية مرتفعة خاصة من جهة الشمال؛ وهو ما وفر حاجزاً طبيعياً يحمي القرية من الرياح الشمالية الباردة، وساعد أشجار الزيتون -على الرغم من تساقط الثلوج وحدوث الصقيع- على النمو والإنتاج الجيد المستمر، وما يلفت الانتباه أن العديد من الأهالي ركزوا في اختياراتهم على بعض الأنواع المقاومة للبرودة، التي يمكنها التكيف مع مناخ القرية البارد والمثلج شتاءً، ويقوم الكثيرون منهم بتقليم الأشجار بعد نهاية العواصف الثلجية التي يمكن أن تكون أدت إلى كسر بعض الأغصان، إضافة إلى قيامهم بزراعة الأشجار على أطراف المدرجات الجبلية؛ محققين بذلك عدة مكاسب، أهمها تثبيت التربة في منطقة تتعرض تربتها للانجراف نتيجة غزارة الأمطار في الشتاء، وفي ذات الوقت لا تؤثر أشجار الزيتون بالمساحات المخصصة لزراعة القمح أو الحمّص أو التبغ، مع الاهتمام بتسميد الأشجار الصغيرة وسقايتها في الصيف، وأستطيع القول إن نسبة خمس وتسعين بالمئة من العائلات تنتج اليوم ما يزيد على حاجتها من مادتي الزيتون والزيت».

أما المهندس الزراعي "رمزي الموعي"، فيقول: «لقد توسع المزارعون في المناطق الجبلية خاصة ريف "القدموس" في زراعة الزيتون وصولاً إلى مناطق قد ترتفع إلى ألف متر عن سطح البحر، مستفيدين من السفوح المتجهة جنوباً والمعرضة لأشعة الشمس، متجاوزين حد الستمئة متر المعروف تاريخياً لزراعة الزيتون، وفي تحدٍّ واضح لعوامل الطبيعة القاسية، وقد اعتمدوا النمط البعلي في الزراعة، وحالياً من أهم الأنواع التي يقومون بزراعتها (الدعيبلي، والدان، والنيبالي)، مع اكتساب المزارعين الخبرات الضرورية للعناية بهذا النوع من الأشجار».

من موسم القطاف
المهندس ماهر حسن