كتب القصة الساخرة، وتنقل بين مختلف فنون الأدب بما ملكه من مخزون ثقافي معرفي أغنى لغته وطريقة خطابه، فكان القاص "لؤي اسماعيل" لغة الشارع بحبره المكتوب على الأوراق بأسلوب قريب من الناس.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 آذار 2018، القاص "لؤي اسماعيل" ليحدثنا عن بداياته مع الأدب، وكيف تخصص بالقصة القصيرة، ومنها الساخرة: «بدأت في المرحلة الابتدائية ببعض الخربشات، واستفدت حينئذٍ من بعض مجلات الأطفال عبر محاكاة قصصها، لكن من الناحية العملية، كانت انطلاقتي في المرحلة الجامعية، عندما أتيح لي التعرف إلى كتب ودواوين شعر جديدة، ثم بدأت ارتياد مكتبات المراكز الثقافية بهدف المطالعة، وحضور الندوات والنشاطات الأدبية والمشاركة بها؛ الأمر الذي منحني مخزوناً ثقافياً ومعرفياً كبيراً كان سبباً مهماً في انطلاقتي الأدبية الفعلية».

الواقع العربي بوجه عام يمثل البيئة المثلى للكوميديا السوداء، والسخرية هنا لا تأتي من فراغ، بل هي أسلوب للتغلب على الألم بابتسامة ظريفة

كتب القاص "لؤي" القصة الساخرة، وذلك انطلاقاً من مناخ هيأ له ذلك، وهنا قال: «الواقع العربي بوجه عام يمثل البيئة المثلى للكوميديا السوداء، والسخرية هنا لا تأتي من فراغ، بل هي أسلوب للتغلب على الألم بابتسامة ظريفة».

من أعماله القصصية

ومع توجهه نحو القصة الساخرة، إلا أنه كتب مختلف فنون الأدب وبأسلوب لاذع، ومرد ذلك وهدفه بحسب قوله: «هي صرخة في مواجهة ما نعانيه من ألم ومشكلات وهموم، والأدب يجب أن يلتصق بالناس ويعبر عنهم ويعرّي الواقع بغية إصلاحه، ومن هنا تأتي أهمية التنوع، فلكل جنس أدبي نكهته الخاصة التي يستطيع الأديب من خلالها التعبير عن مكنونات نفسه ومجتمعه».

لم تكن هلوسته مجرد هلوسة، وإنما كانت مسرحية مونودرامية تحاكي هواجس المواطن العربي، وهو المحامي الممتهن لعمله بكل شفافية، وهنا قال: «عندما أمشي في الشارع قد أرى شخصاً يتكلم مع نفسه، وحتى عندما أجلس وحيداً، قد أشرد وأفكر في أشياء كثيرة تحاكي قصصاً ومواقف، ومن هنا انطلقت فكرة مسرحية "هلوسة"، التي كتبتها بالاشتراك مع الكاتب والمخرج الأستاذ "فؤاد معنا" لجعلها نصاً مسرحياً قابلاً للتمثيل على المسرح، باعتبار أن المسرح (أبو الفنون)».

هلوسة من أعماله

تحمل القصة القصيرة الكثير من المعاني في كلمات قليلة، وهذا يحتاج إلى تكثيف من القاص، تحدث عنه بقوله: «قيل إن الإعجاز في الإيجاز، وكل شيء يسير نحو الاختصار، والأمر لا يقتصر على القصة فقط، بل يحاكي معظم نواحي الحياة؛ لذلك القصة القصيرة تجذب القارئ بمفرادتها القريبة إلى نفسه، فلا تجعله يشعر بالملل، بل تشده إليها، وهنا تكمن أهمية تكثيف الفكرة بقالب بسيط وسهل، بعيداً عن التعقيد واستهلاك اللغة في حواشي لا طائل منها».

وفي توضيح عن القاسم المشترك بينه وبين المهنة والشغف الأدبي، وطريقة الاشتغال على هذا القاسم لتنميته، قال: «في المحاماة، نحن كل يوم أمام قصة جديدة لكوننا الأقرب إلى مشكلات الناس ومكامن أنفسهم؛ لذلك نستفيد من هذه القصص والمشكلات في كتاباتنا، فكل مشكلة هي حكاية قائمة لها أشخاصها وبيئتها وحبكتها، وقد تقتصر مهمتنا في بعض الأحيان على تجميع خيوط القصة في قالب أدبي نقدمه للقارئ».

المحامي والقاص لؤي اسماعيل

إذاً، الكتابة بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه؛ لذلك طال في كتاباته مواضيع مثيرة اجتماعياً، كالكتابة على الجدران، وقال عنها: «الجدران هي أولى وسائل التواصل الاجتماعي، فعليها نقرأ الإعلانات، والنعوات، ومواعيد رمي القمامة ورسائل العشاق، ومواعيد الحفلات، وافتتاح المحال، وعبارات الحب، فالجدران هنا لم تعد تلك الحجارة الصامتة، بل باتت لها روح ناطقة بلسان الناس، وتعبر عن مشاعرهم وآلامهم؛ لذلك كان لا بد من التطرق إليها بطريقة أدبية».

ومن المواضيع التي تجذبه أيضاً المواضيع المعيشية الأليمة، فنسج عليها قصصاً وقصصاً، وأدركها واشتغل عليها بأسلوبه الخاص، حيث قال: «هذه مهمة الكاتب بالدرجة الأولى، اقتناص الفكرة من حياة الناس، وتجسيدها بكتاباته على طريقة الكاميرا، فكل منا يعيش ضمن بوتقة اجتماعية يتفاعل معها ويتأثر بها، وبقدر قربه من مشكلات الناس وتفاعله معها يستطيع الكاتب أن يجسد بأدبه حياة الناس بطريقة أقرب إلى الواقعية، ويعزز من حضوره، ويقترب أكثر منهم».

وفي لقاء مع المحامية "ألوان عبد الهادي" قالت بحكم تجربتها الأدبية معه: «تميزت كتاباته بقربها من الناس بدليل أنها تحركهم وتثير مشاعرهم، وهذا بدا واضحاً على جمهوره الذي يطالبه بتقديم المزيد حين الختام.

وتميزت عباراته بترابط قوي يدلي رغم قصر الجمل فيها بالمعنى الذي بدا مكثفاً مختزلاً بطريقة جميلة ابداعية، كما أنها تميزت بالدهشة التي تبقي الجمهوري مترقب للتالي، فلا يشعر بالملل مهما طال الزمن».

بقي أن نذكر، أن المحامي "لؤي اسماعيل" من مواليد قرية "جديتة" ريف مدينة "طرطوس"، عام 1973، صدر له مجموعة قصصية بعنوان "يوميات مواطن مهزوم"، وكذلك مجموعة "العصا السحرية".