حصول "حافظ ديب" على الثانوية في ثلاثينات القرن المنصرم، وممارسته المخترة وتجارة مكنات الخياطة كأول ممتهن لهما في "بانياس"، لم يكن التميز في شخصيته التي أحبها الناس، بل كان جزءاً منها، كمدخل اجتماعي لفصل خلافات بينهم.

السكن في المدينة لم يكن هدفاً بقدر ما كانت طبيعة العمل هي الهدف، وذلك لتأسيس أرضية قد تكون سنداً في العمل المجتمعي غير المحسوب؛ لأن طبيعة العلاقات مع الناس أوسع، فكانت الركيزة الأساسية للجد "حافظ حبيب ديب"، ليكون الأول في مختلف الأعمال التي قام بها؛ بحسب ما قال ابنه الأكبر "حبيب حافظ ديب"، لأن جده "حبيب ديب" ترك قريته "البساتين"، وسكن في مدينة "بانياس" وأسس أسرته لهذه الأهداف، وتابع لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 أيار 2018: «كنا من أوائل العائلات المسيحية التي سكنت مدينة "بانياس"، فقد حمل جدي فكراً مختلفاً أورثه لوالدي الذي تمكن من تسخيره واقعياً بمختلف جوانب حياته.

في أربعينات القرن الماضي حين كان مختاراً، كان يقدم جميع خدماته مجاناً من دون أي مقابل، وكان هذا يروق الناس ويجذبهم إليه، وكان ضيف أي خلاف بينهم لحله بكل بساطة

وبدأ ذلك بعملية تحصيله العلمي ليكون من أوائل الحاصلين على الثانوية في ثلاثينات القرن المنصرم على مستوى مدينة "بانياس"، ثم ثقّف ذاته بالكثير من المطالعة والقراءة حتى أتقن قراءة وكتابة أربع لغات أجنبية خلال مسيرة عمله واغترابه في "الأرجنتين" وعدة دول أخرى منها "إيطاليا"، قبل أن يعود ويستقر في مدينته مسقط رأسه.

حبيب حافظ ديب

كان رجلاً متحضراً جداً في تعاملاته الاجتماعية والأسرية، وكنت مقرباً منه، وكان يحدثني عن جميع مغامراته وكيف أسس حياته هنا وفي المغترب، وخلالها أدركت وعرفت كيف أسس علاقات اجتماعية ناجحة مع الناس على مختلف مشاربهم، بعد أن حيّرني كثيراً سرّ محبة الناس له، وقصدهم لخدماته التي تميز بها، فكان الجواب نوعيتها وفرادتها في صلب حياتهم».

بحسب الأحاديث التي يتناقلها الناس في المجتمع البانياسي، تميز "حافظ ديب" بيده البيضاء في مجتمعه المحيط، وهذا كان سبباً أساسياً للبحث عن خفايا شخصيته واللقاء بأسرته، لننطلق في الحديث عن أول أعماله، وهنا قال "حبيب": «بعد عودته من المغترب، اقتنى محلاً وسط المدينة بجانب مصرف التسليف الشعبي حالياً، وعمل بالأدوات الكهربائية، وأهمها مكنات الخياطة ماركة "سنجر"، وكان حينئذٍ أول من يعمل بها وينشرها في المدينة والريف، فكان مقصد مختلف القرى والمناطق حتى لصيانتها التي تعلمها بحرفيته، ومن ذلك الوقت عرف محله على مستوى جميع المحافظات، فأصبح نقطة علام يستدل به جميع المسافرين والعابرين للمدينة، وكان أشبه بمكتب بريد يؤمن الطرود البريدية والرسائل والحوالات المالية لأصحابها، وأذكر أن ساعي البريد كان يحضر الرسائل والطرود البريدية ويضعها بأمانته ليسلّمها لأصحابها».

المرحوم حافظ ديب مع أبنائه

ويتابع: «نتيجة تعلّمه القراءة والكتابة؛ كان يقرأ الرسائل لأصحابها ويكتب أجوبتها وردودها، ويرسل الطرود عبر سيارات النقل التي تنطلق من الكراج أمام محله التجاري لأصحابها، ويستقبل الصادرة أيضاً ليعطيها لساعي البريد».

كل هذه الأمور كانت جزءاً من تكوين شخصيته الاجتماعية وعلاقتها مع الناس وقربها منهم، إضافة إلى عمله كأول مختار في مدينة "بانياس" للطائفة المسيحية، بحسب ما قال المعمّر "أحمد رفيق بكري" الذي عاصره ردحاً من الزمن، وقال: «كان شخصية قوية بمواقفها، ولطيفة بتعاملها، ونزيهة بعملها، وكان رجلاً أنيقاً جداً يخيط ملابسه لديّ بحكم عملي كخياط، وقد تمكن بأسلوبه الخاص اللطيف من كسب ودّ جميع الناس، إضافة إلى يده البيضاء في الأعمال المجتمعية التي تستهدف الفقراء؛ وهو ما زاد من شعبيته؛ حيث ينطق بكلمته الحق دوماً».

أحمد بكري

ويتابع: «في أربعينات القرن الماضي حين كان مختاراً، كان يقدم جميع خدماته مجاناً من دون أي مقابل، وكان هذا يروق الناس ويجذبهم إليه، وكان ضيف أي خلاف بينهم لحله بكل بساطة».

الستيني في العمر "محمد علي" قال: «بحكم عملي في مرحلة الشباب بـ"دمشق"؛ كنت أخبر سائق السيارة أنني أنتظره بجانب محل "حافظ ديب" في الذهاب والإياب، لأنه كان معروفاً على مستوى كبير بتجارته بمكنات الخياطة ومهنته كمختار، حتى إنني كنت أرسل الرسائل والطرود البريدية إليه ليمررها إلى والدي الذي كان يعمل سائق سيارة في الكراج أمام محله.

وحين كنت أضطر لشراء أي شيء لوالدي في منتصف الشهر، أشتريه من عنده من دون توفر المال على الثقة والأمانة، وأذكر أنه تبنّى طفلة يتيمة الوالدين، وعاشت بين أفراد أسرته».

يشار إلى أن "حافظ حبيب ديب" من مواليد عام 1917، وتوفي عام 1980.