تمكّن "فريد علي" على الرغم من إعاقته السفلية ودخوله بحالة فقدان الحب للحياة بعد إصابته في الحرب، من انتزاع الأمل وتعلم حرفة صناعة الخيزران، وتقديم منتجات تراثية هي حاجة لكل منزل، وحقق فرصة عمل أثبت من خلالها وجوده وحقه بالحياة.

بعد إصابته الحربية ومعاناته لسنوات في مراحل العلاج التي كانت عبارة عن معالجات أقرب إلى الفيزيائية والنفسية، لأن إصابته خطرة وحساسة أقعدته طريح الفراش، رفض أن يكون حملاً ثقيلاً على أسرته، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 حزيران 2018: «خطورة إصابتي لم تكن بالنسبة لي هاجساً كما كان هم الجلوس في المنزل من دون عمل والاتكال على غيري لمتابعة مجريات الحياة، وهذا غرس في داخلي بذرة الأمل والقدرة على تحقيق شيء، ولم يكن هذا الأمل وليد لحظات ثابتة، بل كان دفقات من حالات مررت بها أزعجتني كثيراً؛ وهو ما دفعني إلى الاعتماد على هذه البذرة ورعايتها لتنمو أملاً بقدرتي على تحقيق هدفي على الرغم من إعاقتي الحربية.

لقد كانت لي مشاركتان سابقتان مع بعض الحرفيين بالتنسيق مع الجمعية وتحت إشرافها، وقدمت خلالهما أعمالاً خيزرانية لقيت رواجاً وترحيباً؛ وهو ما انعكس على التسويق

حينئذٍ تعرفت إلى جمعية "إحياء التراث" التي تقربت مني كثيراً ورعت تلك البذرة بداخلي حتى أصبحت غرسة تنمو بهدوء وقوة، فقدمت لي التدريب على تفاصيل الحرفة، وأمنت لي المواد الأولية لكوني في مرحلة الانطلاق نحو الأمل بتحقيق فرصة عمل.

خلال معرضه

وعلى مدار عامين متتاليين من التدريب، وعلى الرغم من صعوبة التعامل مع الخيزران، تمكنت من إتقان حرفة صناعة المشغولات الخيزرانية، وتشكيل الأدوات والمشغولات التراثية المأخوذة بفكرتها العامة من تفاصيل حياة الأجداد؛ أي من التراث المادي المتناقل بخطوطه العريضة إلى وقتنا الحالي، وهذا خلق لدي هاجس حفظ التراث أيضاً عبر المشغولات اليدوية».

ويضيف: «إصابتي كانت قبل ست سنوات في محافظة "حلب" ضمن صفوف قوى الأمن الداخلي، وكانت مرحلة الاستشفاء صعبة جداً عليّ وعلى زوجتي، لكنني لم أفقد القدرة على متابعة العمل والإنتاج وتأمين دخل مادي يعيلني في ظل الظروف الحالية الصعبة».

من مشغولاته

قدم "فريد" معرضاً فردياً حرفياً تراثياً هو الأول بالنسبة له، وهنا قال: «قدمت منذ عدة أيام معرض مشغولاتي اليدوية الخيزرانية التراثية الفردية في المركز الثقافي العربي بـ"طرطوس"، وضم نحو ثمانين قطعة خيزران، وهي عبارة عن إكسسوارات منزلية لزينة الصالونات واستعمالات المطبخ، وهذا كان مدروساً من ناحية الاستفادة منها واستهلاكها واقتنائها، تحقيقاً لهدفي في تأمين فرصة عمل لي تعيلني وأسرتي الصغيرة، وتخرجني من حالة الحاجة إلى حالة الاكتفاء المعيشي».

ويتابع: «لقد كانت لي مشاركتان سابقتان مع بعض الحرفيين بالتنسيق مع الجمعية وتحت إشرافها، وقدمت خلالهما أعمالاً خيزرانية لقيت رواجاً وترحيباً؛ وهو ما انعكس على التسويق».

فريد علي

وفي لقاء مع "علاء إدريس" من جمعية "إحياء التراث"، قال: «من اهتمامات الجمعية التراث وكل ما يتعلق به، وكانت حالة الجريح "فريد" سيئة جداً، فقررنا العمل معه وتأهيله من جديد؛ لأننا اكتشفنا لديه بصيص أمل لمحاولة تغيير واقعه والاعتماد على ذاته في حياته التي استقرت على وضعه الصحي الحالي، فكانت محاولة تبني أمله ورعايته فرصة بالنسبة لنا لترك بصمة جميلة في حياة إنسان.

"فريد" حالة فريدة بالقوة الداخلية التي امتلكها لخلق التغيير، وهذا سهّل مراحل تعلمه واكتسابه المهارات الحرفية بسرعة، فهو امتلك شيئاً بنينا عليه أرضية صلبة، والنتائج اليوم في تسويق منتجاته خير دليل على ذلك، وهنا يمكن القول إنه خلق فرصة عمل لذاته».

الحرفية "نظمية اسماعيل" أكدت أن الجريح "فريد" حالة يمكن أن تكون قدوة فيما بعد بالنسبة لمن يفقدون الأمل بالحياة، وتابعت: «تميز بسرعة استجابته للمعلومات والتفاصيل، وحبه للتجريب بوجه عام لكل فكرة يحصل عليها، كما أنه دقيق بالعمل؛ فقلما نجد لديه أخطاء، والأهم أنه تمكن من تسويق منتجاته بدعم من الجمعية، وهذا شجعه على المتابعة وتحقيق التميز في أعماله».

بقي أن نذكر، أن "فريد فائز علي" من مواليد قرية "بيت الكرم"، عام 1984.