كان "بولص سليمان الخوري" من طالبي العلم الأوائل في منطقته، حيث جعل من قلمه منبراً مسموعاً ليحقق في زمنه لفتة إعلامية أفاد بها أهله وناسه لزمن طويل، وتابع طريق العلم عبر المراسلة، مستفيداً من هجرته وإتقانه لأكثر من لغة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 24 تشرين الثاني 2018، مع ابنه "جان الخوري"، فتحدث عن بداية حياة والده قائلاً: «في ظل الانتداب الفرنسي؛ دخل مدارسها في المراحل الأولى وتعلّم اللغة الفرنسية، وحصل على شهادة الابتدائية التي كانت تسمى "السرتفيكا" آنذاك.

فيما بعد قام بالعمل كمراسل لصحيفة "البعث"، واهتم بأمور منطقته من كهرباء ومياه، والأمور الحياتية للمنطقة، حيث قام بمطالبة وزير الشؤون البلدية والقروية حينئذٍ بإصلاح شبكة المياه عن طريق الصحيفة تحت عنوان: (نداء إلى وزير الشؤون البلدية والقروية، أهالي السودا يطالبون بإصلاح شبكة المياه). لقد كان لأثر قلمه الصدى، حيث تم الأمر وتحقق مطلبه. كان ذلك في أوائل الثمانينات، وكل إصدار للصحيفة يصل بالبريد إلى عقر داره في قرية "السودا"، وعندما كان يبعث لجامعة "القاهرة" المقالات كدروس، كان بعضها ينشر في صحيفة "الأهرام" المصرية. وبفضل إتقانه لأكثر من لغة؛ كان مترجماً للرسائل التي تأتي لأقاربه وأصدقائه وأهله من "أميركا اللاتينية"

هاجر فيما بعد إلى "أميركا الجنوبية" ليستقر بـ"الإكوادور" متعلماً هناك اللغتين الإسبانية والإنكليزية وأجادهما، وتعرّف إلى مجتمع متطور نسبياً في بنيته التحتية والخدماتية، ليعود به المطاف إلى وطنه حين حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها سنة 1947 فما كان منه إلا أن سعى لدراسة الصحافة في جامعة "القاهرة"، لكن على الرغم من صعوبة الطرق المؤدية إلى الأمر والمعيشة القاسية في ظل تلك الحقبة الزمنية، تمكن من ذلك عن طريق المراسلة ليحقق مقولة: (اطلبوا العلم ولو في الصين). وجميعنا نعلم كم كانت المراسلة حينئذٍ بدائية في عصر لم تولد به التكنولوجيا بعد، حيث كان يتبادل الدروس والنصوص مع الجامعة عن طريق المراسلة؛ فيبعث الأقساط الشهرية لتعود إليه الدروس، وعندما ينتهي منها ويبعثها مجدداً تعود إليه مصححة ومدققة».

شهادة المراسلة المصرية

وتابع حديثه عن عمل والده في تلك المرحلة قائلاً: «فيما بعد قام بالعمل كمراسل لصحيفة "البعث"، واهتم بأمور منطقته من كهرباء ومياه، والأمور الحياتية للمنطقة، حيث قام بمطالبة وزير الشؤون البلدية والقروية حينئذٍ بإصلاح شبكة المياه عن طريق الصحيفة تحت عنوان: (نداء إلى وزير الشؤون البلدية والقروية، أهالي السودا يطالبون بإصلاح شبكة المياه). لقد كان لأثر قلمه الصدى، حيث تم الأمر وتحقق مطلبه. كان ذلك في أوائل الثمانينات، وكل إصدار للصحيفة يصل بالبريد إلى عقر داره في قرية "السودا"، وعندما كان يبعث لجامعة "القاهرة" المقالات كدروس، كان بعضها ينشر في صحيفة "الأهرام" المصرية. وبفضل إتقانه لأكثر من لغة؛ كان مترجماً للرسائل التي تأتي لأقاربه وأصدقائه وأهله من "أميركا اللاتينية"».

المحامي "أنطون كرم" حدَّثنا عن صديقه الصحفي "بولص الخوري" قائلاً: «عندما هاجر إلى "الإكوادور" كان مغرماً بالصحف الإسبانية هناك، ولدى عودته واستقراره هنا كانت الصحف الفرنسية تأتيه من "الإكوادور" باللغة الإسبانية أسبوعياً، وكان شغوفاً جداً بمطالعتها، وكانت حافزاً له لدراسة الصحافة، فقام بالتواصل مع جامعة "القاهرة" لتعلّم الصحافة، فكانت تأتيه الفروض بالمراسلة، وعلموه حينئذٍ كيفية كتابة المقالة، إضافة إلى كيفية نشر الخبر، وكما نعلم هناك فن معين لنشر الخبر في الصحافة ليكون لذيذاً ومستساغاً ويحثّ القارئ على مطالعته حتى النهاية. فيما بعد حصل على الشهادة في الصحافة، وقام بالتواصل مع صحيفة "الأيام" في "دمشق"، فكانت الصحف تصل إليه يومياً مرصوصة ومغلفة باسمه في البريد، إلى أن تشجع وأصبح يرسل لهم أخباراً لتنشر، إضافة إلى بعض القصص القصيرة والحكايات والروايات. ومن الجدير بالذكر، أن الصحافة في ذلك الوقت كانت تبرعاً من دون أجر، فلم تعد عليه بأي جزء نقدي أو وارد، وظل على هذا النحو بصورة مستمرة، فكانت الصورة جليّة بحبه للصحافة».

أحد مواضيعه في الصحافة المحلية

وتابع "كرم" حديثه عن ميزات أخرى في شخصية "الخوري" قائلاً: «كان يتمتع بشخصية مميزة واستقلالية بالتفكير، إضافة إلى مقدرة لغوية هائلة، فكان يتقن اللغات العربية والفرنسية والإسبانية بطلاقة، إضافة إلى أنه كان طالباً متميزاً في مدرسته، وخاصة في اللغة الفرنسية، ففي مدرسته كان يمتلك صندوقاً صغيراً يحتوي بعض الكتب الفرنسية. بالفعل كان ذا شخصية مميزة ومحبوباً بين الجميع ولديه صداقات كثيرة، ويشارك الجميع في أفراحهم وأتراحهم. كانت حياته بسيطة جداً من دون أي تكلّف، وأستطيع التذكر في مرحلة شبابه حبه الجم للصحافة، ولشدة تعلقه بها قام باقتناء كاميرا، وسعى إلى شرائها من الخارج، فكانت مقالاته شاملة مرفقة بالصور على الرغم من صعوبة (تحميضها)، والوقت الذي تأخذه لاستخراجها. كان شغوفاً جداً بالقراءة، وكما نعلم في تلك الحقبة الزمنية كانت الكتب قليلة وأثمانها غالية بالنسبة لدخل الفرد، لكن لم يمنعه هذا الشيء من المطالعة، فكان يستعير الكتب ويسعى لقراءة أي كتاب يشاهده، إضافة إلى امتلاكه رفّاً خشبياً يحوي كتباً بطباعة قديمة جداً وأخرى مخطوطة مكتوبة بخط اليد منذ سنة 1870 كان قادراً على قراءتها على الرغم من صعوبتها، فقلائل الذين كانوا قادرين على قراءة هذا النوع من الخط، وهذا الشيء يدل على سعة اطلاعه. إضافة إلى ذلك، كان يمتلك هواية جميلة في جمع الطوابع، فكل رسالة كانت تأتيه من الخارج كان يحتفظ بالطوابع الموجودة عليها، إضافة إلى جمع بعض الطوابع الأخرى. بالفعل لقد كان من الشخصيات المميزة في زمنه».

يذكر، أن "بولص سليمان الخوري" من مواليد بلدة "السودا" عام 1916، وتوفّى عام 2002.

الشهادة النهائية للصحافة عام 1958