تعدُّ منطقة السّاحل السّوري منطقةً غنيّةً بالمدافن الحجرية العائدة إلى عصور تاريخيّة مختلفة، ولأهل كلّ عصرٍ أسلوبهم في بناء مدافنهم، وطقوسهم الخاصّة في دفن موتاهم.

مدونةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 تموز 2019 رئيس قسم التنقيب في دائرة آثار "طرطوس" "بسام وطفة" ليحدثنا عن المدافن الحجرية في المحافظة حيث قال: «تعدُّ محافظة "طرطوس" من المحافظات الغنيّة بالمدافن العائليّة والفرديّة المنحوتة بالصّخر الطّبيعي والمبنيّة بكل عناية وإتقان، وهي عائدةٌ إلى عصور مختلفة، الفينيقيّة واليونانيّة والرّومانيّة والبيزنطيّة، وقد تمّت إضافة توابيتَ من أنواع مختلفة فهي إمّا رصاصيّة أو فخاريّة أو رخاميّة، ومنها ما أخذ شكلاً آدميّاً من نوع "السيركو فاج"، وكثيرةٌ جدّاً النّماذج التي تعود إلى فترات تاريخيّة متعدّدة، كما أنّ لكلِّ مدفن خصوصيّته، والتّشابه في التّصميم محدود جدّاً، وهناك اختلافات كثيرة في أسلوب وطريقة وشكل المدافن، أيضاً في توزّع وعدد القبور في الدّاخل، والاختلاف يكون بشكل المعازب أيضاً، لأنّ هناك مدافن طابقيّة، البعض منها يوجد فيه مكان لوضع الجثث أو التّوابيت، فإمّا أن تكونَ عبارة عن حجرات صغيرة كهفيّة الشكل تتوسّطها القبور، أو عبارة عن غرفة منحوتة تتخلّلها المعازب في الجدران أو الأرضيّة، وعدد القبور والمعازب مختلفٌ من مدفن إلى آخر، فالبعض منها له أدراجٌ، والبعض الآخر له بوّاباتٌ إمّا كبيرة أو صغيرة، وقد كانت هذه البوّابات تغلق بإحكام من خلال قفلٍ حجريٍّ سواء بحركة جانبيّة، أو من الأعلى إلى الأسفل، أو بطريقة غلق مباشر، وفي المدافن أيضاً أماكن مخصّصة لوضع الأشياء الخاصّة بالميّت».

أيضاً هناك نقطة مهمّة تتعلّق بأسلوب وطريقة الدّفن، وهي مختلفة من عصر لآخر، وقد تختلف أيضاً خلال الفترة الزمنيّة ذاتها، مثلاً قد يوضع شخص بتابوت بينما الآخر يدفن دون تابوت، فإحدى الحالات التي لاحظناها في مدفن "عازار" وجود تابوت رصاصي في إحدى المعازب، وقد تمّ وضع كميّة من الحجارة الصغيرة مع الكلس فوقه، كما لوحظ وضع بعض الحلي الخاصّة بالموتى، بينما هناك موتى آخرون لم يوضع معهم أيّ شيء

ويكمل قوله: «سقوف المدافن تختلف أيضاً من مدفن إلى آخر، بحسب الفترة التّاريخية التي يعود إليها، فقد تكون سنميّةً أو عقديّةً أو مستويةً، ويمكن أن تتم إعادة استخدام المدفن في فترات زمنية لاحقة أي في عصر آخر، وهذا ما حدث بالضّبط في مدفن "طرطوس" الفينيقي، والذي تمّت إعادة استخدامه في العصر الرّوماني، وقد أجريت له عدّة إضافات في بعض المدافن، حيث كانت الحجرة الوسطى تخصّص لربّ الأسرة، والبعض الآخر من المدافن كان لها بعد دينيّ، وتمّ استخدامها كمكان مقدّس، وهذا ما لاحظناه من خلال الفريسك الموجود في مدفن "طرطوس"، إذاً كثيرة هي التفاصيل المتعلّقة بكلّ مدفن، فغلق البوّابة من الأعلى إلى الأسفل خلال العصر الرّوماني، وجدناه في مدافن "الشّنية" و"عازار"، أيضاً وجدنا تشابهاً في غلق البوّابة المتحرّك جانباً يتماثلُ مع الغلق في كلٍّ من العصرين الرّوماني واليوناني، وذلك في كل من "قنية" و"خربة كسيح" مع اختلاف بسيط في شكل القفل، وهناك مدفن دير الرّاهب في منطقة "الشّيخ بدر" وهو نموذج فريد من نوعه وحجمه، فهو عبارة عن مدفن طابقيّ منحوت في الصّخر، يتمّ الدّخول إليه من خلال درج عريض وبوّابة تؤدّي إلى غرفة صغيرة، ثمّ بوابة أخرى ودرج إلى الطّابق السّفلي الذي يتمثل في بهوٍ واسع ومعازب في الجدران، والطاّبق الأرضي متقدّم عن الطّابق الثّاني، وبالدخول إليه يشعر الإنسان بالرّهبة نظراً لضخامته واتّساعه، وهو عائد إلى الفترة البيزنطيّة».

بسام وطفة

ويختم قوله: «أيضاً هناك نقطة مهمّة تتعلّق بأسلوب وطريقة الدّفن، وهي مختلفة من عصر لآخر، وقد تختلف أيضاً خلال الفترة الزمنيّة ذاتها، مثلاً قد يوضع شخص بتابوت بينما الآخر يدفن دون تابوت، فإحدى الحالات التي لاحظناها في مدفن "عازار" وجود تابوت رصاصي في إحدى المعازب، وقد تمّ وضع كميّة من الحجارة الصغيرة مع الكلس فوقه، كما لوحظ وضع بعض الحلي الخاصّة بالموتى، بينما هناك موتى آخرون لم يوضع معهم أيّ شيء».

أمّا مدرّس التّاريخ "فوزي أحمد" فقد قال: «يسميها أهالي القرى السّاحليّة النّواغيص أو النّواويس، تأخذ شكل المغاور، وهي منحوتة بالصّخر الكلسي، وعلى الرغم من انتشارها الكبير، لا يزال البعض من السّكان يعتقد أنها مساكن تعود للإنسان البدائي، ولكن على العكس من ذلك فهي مدافن تعود إلى مراحل تاريخيّة مختلفة، وبالإضافة إلى أهميّتها التّاريخيّة كأثر قائم يوثّق لمرحلة زمنيّة معيّنة، هي أيضاً ذات أهميّة سياحيّة كبيرة، ولتدخل في الاستثمار السّياحي بشكل فعلي، ولا بدّ من الاهتمام المكثّف بها من قبل كل من وزارتي السّياحة والثّقافة، لتعريف النّاس بأهمّيتها وسبب إنشائها الحقيقي، كذلك حمايتها من العبث أو السّرقة، حيث أنّ معظم النّواويس التي نراها اليوم أصبحت خاليةً من أيّ معلم يشير إلى أنها مدافن».

مدفن قديم محفور بالصخر