استطاعت ربّة المنزل "هنادي إبراهيم" المحافظةَ على أسرتها بعد مرحلةِ ضعفٍ بسبب استشهاد ولدها "علي"، وسخّرت خبرتها في طهي الوجبات المنزلية -المرغوبة في بيئتها المحيطة- باستثمار ذلك على نطاق أوسع، ليصبح الطهيُ مصدرَ دخلٍ تعتمد عليه بعيداً عن الشفقة.

مدونةُ وطن "eSyria" زارت بتاريخ 24 تموز 2019 ربّة المنزل "هنادي توفيق إبراهيم" في منزلها لتحدثنا كيف حوّلت حياتها من لحظات ضعفٍ إلى حياة أخرى، فقالت: «في البداية كنت أصنعُ لأطفالي الفطائر والحلويات المختلفة، وبعض الأصناف من الطعام الذي يروق لهم، ويشاركهم بتناولها بعض الأصدقاء الذين أعجبوا كثيراً بما أصنعه وأثنوا عليه، وهذا كان حافزاً لي، وشجّعني على دعوتهم في كل مرة أقوم فيها بصناعة أصناف طعام يحبونه، وكان كلامهم وردة فعلهم نقطة الانطلاق نحو توسيع الدائرة الضيقة للعمل، حيث بدؤوا وأسرهم بطلب أصناف معينة من الطعام في أوقات هم غير قادرين على تلبية احتياجات منازلهم، وكانت فكرتهم أن أصنعها لقاء أجر مادي؛ رفضته في البداية، ولكن بعد الإصرار الكبير منهم قررت القبول.

لا أعتقد أن أحداً من المستفيدات من خدماتها يرى البعد الذي تخافه "هنادي"؛ وهو الشفقة، وإنما جودة ما تصنع بروحها الخاصة هو السبب الأساسي، وهذا دفعني لمساعدتها بالتسويق الإلكتروني على "الفيس بوك" على مجموعة "صبايا" المغلقة، لتنطلق بعدها بالتفنن بطرق الطهي والتقديم، وهو ما لقي الكثير من التفاعل، وتلبية الحاجات، أضف إلى ذلك الأجور الزهيدة التي تتقاضاها مقابل عملها، وسرعتها في تلبية الطلبيات

واتسعت دائرة معارف الراغبين بصناعة وجبات الطعام لهم، وخاصة الطعام الذي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين وطرق معينة للطهي، وهنا كان هدفي من قبول الطلبات تقديم شيء يخدم هؤلاء الناس، غير مكترثة بالأجور المادية إن كانت تتناسب وجهدي أم لا، ولكن بعد استشهاد ولدي البكر "علي" أغلقت جميع الأبواب، فانكفأت على ذاتي ولم يعد لديّ القدرة على تقديم أيّ شيء، حتى أنّ أسرتي عانت كثيراً في تلك الفترة من تقصيري وإهمالي لواجباتي، حيث كان الحزن يخيم على جميع جوارحي، وكنت أدرك تقصيري تجاه أفراد أسرتي، ولكن الأمر كان فوق طاقتي، وقدرتي على التحمل أو المبادرة لتصحيح الخطأ، وفي وقت معين استطعت التغلب على وجعي، وقررت الالتفات إلى أسرتي التي كدت أخسرها، فعدت بقوة إلى عملي في تقديم خدماتي المنزلية، والإنسانية تجاه الناس الذين أحاطوني بالمحبة ودعموني لأعود كما كنت، وأسست مشروعي الصغير في "فن الطبخ والحلويات" كما أسميته لاحقاً حين قررت تسويقه إلكترونياً عبر صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" بدعم من إحدى الصديقات، علماً أني كنت رافضة للفكرة».

هنادي إبراهيم خلال تحضيرها الطعام

وتتابع: «كنت أصنع كل ما يطلب مني من وجبات طعام، وحلويات معتمدة على نفسي وخبرتي في الطهي الذي أحبّته جميعُ ربات المنازل، وهنا أؤكد أنّ الدافع كان الخروجَ من الدائرة الضيقة لتفكير المرأة المعتاد، أو ما يمكن عدّه انفتاحاً على ما هو خارج المنزل والتفكير خارج الصندوق، والركيزة الأساسية لهذا مساعدة ابنتي الجامعية في إيصال الطلبيات إلى أصحابها، ودعم المحيط الاجتماعي لي بالرأي الذي طرحوه عن جودة ما تذوقوه من وجبات طعام، بعيداً عن حالات الشفقة والاستعطاف، فالكثير من رفاق ابني الشهيد "علي بيلون" عادوا وقصدوني بطلب صناعة الكثير من الوجبات لهم، ومنها الفطائر والفروج المحشي والبيتزا والحلويات بمختلف الأصناف، والتي أحبّها ولدي بشكل عام، ولم يكن الضيق المادي هو الأساس في انطلاقي نحو دائرة اجتماعية أوسع، وإنما كي أشغل نفسي بالعمل وأنسى حزني وأحفز النساء المفتقرات لأوضاع مادية جيدة، لخلق فرص عملهن بأيديهن، والاعتماد على روحهن الإنسانية، مهما طالت ساعات العمل أو قصرت».

ربّة المنزل "فداء مسعود" إحدى النساء المستفيدات من خدمات "أم علي"، قالت: «لا أعتقد أن أحداً من المستفيدات من خدماتها يرى البعد الذي تخافه "هنادي"؛ وهو الشفقة، وإنما جودة ما تصنع بروحها الخاصة هو السبب الأساسي، وهذا دفعني لمساعدتها بالتسويق الإلكتروني على "الفيس بوك" على مجموعة "صبايا" المغلقة، لتنطلق بعدها بالتفنن بطرق الطهي والتقديم، وهو ما لقي الكثير من التفاعل، وتلبية الحاجات، أضف إلى ذلك الأجور الزهيدة التي تتقاضاها مقابل عملها، وسرعتها في تلبية الطلبيات».

أم الشهيد علي بيلون

يشار إلى أنّ "هنادي توفيق إبراهيم" من مواليد "طرطوس" عام 1969.

فداء مسعود