قدّم الموسيقي "محمود الحاج" ما يزيد على 300 عملٍ موسيقيّ مسجلٍ في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، حمل خلالها خصوصيةَ البيئة التي عاش فيها، فكان العازفُ والملحنُ والمدرسُ الذي علّم الأصول الموسيقية للموهوبين، مؤسساً بذلك للقب (فليمون وهبي سورية).

مدونةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 آب 2019 "نولا الحاج" الابنة البكر للموسيقي "محمود أحمد الحاج" لتحدثنا عن نشأته وما قدمه للموسيقا بخصوصيتها البيئية في "طرطوس"، فقالت: «كان والدي الموسيقي "محمود الحاج" متمرداً على بيئته المجتمعية الصغيرة المحافظة البعيدة عن الموسيقا والفن، منذ نعومة أظفاره بحسب ما عاصرته وما سمعته منه ولاحظته ضمن حياته الخاصة. فبعد أن درس التاريخ في جامعة "حلب" لعامين متتاليين لم يجد نفسه في هذا الاختصاص الأكاديمي، فعاد والتحق بمعهد الموسيقا في محافظة "حلب" لولعه وحبّه لهذا النوع من الفن، حيث أنّه لم يلقَ الرضا والقبول أو الرفض بما أقدم عليه من قبل عائلته، ما سهل عليه المتابعة بما شُغف به وأحبّه إلى حد العشق، تخرّج من المعهد ودرس الموسيقا كأوّل مدرس في المحافظة، وبدأت رحلته بالتأليف الموسيقي التخصصي، ودراسة النوتة والمسرح الموسيقي والكتابة فيه، وقدّم عدة مؤلفات منها "مع الموسيقا"، و"حرف وأغنية"، وتميّزت أعماله بحسب المتلقين الموسيقيين بالسهل الممتنع، حيث عُرفت بالجرأة الاجتماعية والغنائية والعاطفية من ناحية، وبالشعبية القريبة من جميع أفراد المجتمع من ناحية أخرى، ما جعلها إشكالية في انتشارها السريع، حمل في رحلته الموسيقية خصوصية التراث المحلي، وتمكن من إعادة قراءته وطرحه بشكل جديدٍ وواعٍ وملتزم، فقدّم هويةً خاصةً باللحن المحلي الساحلي من خلال عشرات الأغاني ذات الطابع المحلي الجميل، وبروح إبداعية خاصة استقطب جميع الفنانين الشباب الموهوبين، وراح يوظّف طاقاته وقدراته الصوتية والموسيقية من خلال المهرجانات والاحتفالات والمنافسة النظيفة، كما تحدث عنها كبار الموسيقيين، وكان قريباً من الجميع عبر صوته المحبّب وألحانه الخاصة التي أعلنها، وتجاوبِ الآخرين معها».

لقد غرس الموسيقي "محمود الحاج" في أبجدية الموسيقا، هو فنان متميز في عزفه وفي ألحانه المحصّنة بثقافة موسيقية شرقية أصيلة، وقادر وموهوب لم ينزلق في ألحانه بل استطاع أن يطوّر الغناء الشعبي الساحلي، فكان صاحب نهضة موسيقية خاصة بمحافظته، وساعده في ذلك معرفته الواسعة بالموسيقا وحسّه المرهف

وتتابع: «خلال عمله بالتدريس استغل منصبه التدريسي لمساعدة الناس الراغبين بتعلم الموسيقا، حتى غدا علماً من أعلام الموسيقا السورية، لأنّه أسس للموسيقا المحلية بشخصيتها التي عرفت بها واستمرت حتى الآن، كما كان متصالحاً مع ذاته ومتمرداً على واقعه وموهوباً بفطرته، ومع هذا لم يحبّ يوماً الظهور الإعلامي، إذ لم نجد له أيّ تصريح أو مادة صحفية تتحدث عنه، واللافت هنا أنّه لم يتوسط لي يوماً خلال مسابقات الريادة الطليعية، بل شجعني على تحقيقها بجدارتي التي ورثتها عنه، ومن أهم ما تميز به كرمه وعطاؤه غير المحدود كمرجع موسيقي، حيث قدم موسيقاه دون مقابل وكذلك أدواته الموسيقية التي صنع بعضها بنفسه وتميز بصناعتها، حيث نالت ثقة أغلب العازفين بمختلف اختصاصاتهم».

نولا الحاج

وعن حصاده الموسيقي قالت: «لديه أكثر من 300 عملٍ موسيقي مسجل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، منها ما أصبح بخصوصيته الساحلية عنواناً لمحافظة "طرطوس" كأغنية ("حلوة طرطوس"، و"عمال من أرض الثورة عمال"، و"طوالوا"، و"قعدت جنبي وحبا قلبي")، وهذا كان التكريم الوحيد الذي حصده من الجهات الرسمية حتى آخر ساعات حياته عام 1995 عن عمر يناهز 48 عاماً، ولكنه حصل خلالها على لقب "فليمون وهبي سورية" من قبل الموسيقيين، عازفين وملحنين ومطربين، أمثال "مصطفى نصري"، و"معن الدندشي"، و"نهاد فتوح"، و"معين الحامد"، و"جورج خوري"، وعدّه الباحث والموسيقي "زياد العجان" محطة فنية انطلق منها فنانو "طرطوس"».

وقد قال فيه الفنان "صفوان بهلوان": «لقد غرس الموسيقي "محمود الحاج" في أبجدية الموسيقا، هو فنان متميز في عزفه وفي ألحانه المحصّنة بثقافة موسيقية شرقية أصيلة، وقادر وموهوب لم ينزلق في ألحانه بل استطاع أن يطوّر الغناء الشعبي الساحلي، فكان صاحب نهضة موسيقية خاصة بمحافظته، وساعده في ذلك معرفته الواسعة بالموسيقا وحسّه المرهف».

من مؤلفات الموسيقي محمود الحاج

أما الفنان والمدرس للموسيقا "علاء الصالح" فقد قال: «كان الموسيقي "محمود الحاج" صاحب مدرسة فنية متميزة أسست لخصوصية الموسيقا المحلية، فعدا من الأغاني التي أبدعها لا يوجد تراث فني لمحافظة "طرطوس" وهنا لا أقصد الأغاني الشعبية التي انطلقت قبل أكثر من قرن، أمثال أغاني "الدلعونة" و "اللالا" و "الميجانا" وما سواها، بل أقصد الأغاني التي أرشفت الخصوصية الطرطوسية في مرحلة معينة وغنت للبحر والبيئة المحلية وكانت سبباً في تخريج أجيال من الفنانين على يديه، حيث أصبحت فيما بعد تراثاً نتغنى به ويستمر كعلامة فارقة عند الحديث عن هذه المحافظة».

يشار إلى أنّ الموسيقي "محمود أحمد الحاج" من مواليد "طرطوس" عام 1944، ولديه أربعة أبناء.

خلال تكريمه في المدينة القديمة