اعتاد أهالي الريف منذ القدم استثمار الطبيعة بما يعود عليهم بالفائدة، وقد توارثت الأجيال بعض المهن اليدوية وما يزالون يعملون بها حتى الآن، "محمود منصور" واحد من أقدم العاملين بالحرف اليدوية في منطقة "القدموس"، يمارس هذه الأعمال منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

مدونةُ وطن "eSyria" التقت مع "محمود منصور" بتاريخ 4 آب 2019 ليطلعنا عن أبرز الأعمال اليدوية التي يقوم بصناعتها فتحدث قائلاً: «ورثت العمل بهذه الحرفة من أجدادي وأتقنتها على يد والدي، وعملت بها منذ أكثر من 30 عاماً، ولعلّ أبرز الأعمال التي أقوم بها هي صناعة السلال على مختلف أشكالها وأحجامها واستخداماتها من أعواد الريحان، ونطلق على هذه السلال تسميات ريفيَة على اختلاف أشكالها واستعمالاتها، مثل "القفير" وهو عبارة عن سلة كبيرة الحجم يستخدمها أهالي الريف عند قيامهم بسلق محصول (الحنطة)، حيث توضع (الحنطة) بداخله لتصفيتها من الماء السَاخن بعد السلق وقبل تعريضها للشَمس، وتستخدم أيضا عند سلق الزيتون، وهناك "السانونة" وهي عبارة عن سلة من أعواد الريحان أيضاً يوضع بها (مقلي الفخار) عند الانتهاء من الطهي وتقدم الوجبة ضمنه، وتستخدم أيضاً لوضع الخضار والفواكه فيها، و"الكيلة" التي تستخدم لوضع بعض المحاصيل فيها عند الجني مثل التين والزيتون، وهناك أيضاً طبق يستخدم لتجفيف القريشة فيه داخله، إضافة لصناعات متعددة نحتاج لها في القرية، حتى يومنا هذا، ولعلّ أبرزها المعالق الخشبيّة بكلّ أحجامها، ومشارب خشبيّة للتدخين، وأطباق القش، و"الجمام" المصنوع من القش أيضاً».

منذ طفولتنا اعتدنا على العم "محمود" وهو يقوم بتصنيع (القفير والكيلة و السانونة ومشارب التدخين)، وغيرها الكثير من الأعمال اليدوية التي رافقتها دائماً صفة المتانة والجودة في التصنيع، فهو يعمل بإخلاص ويساعد جميع سكان القرية في صيانة بعض الأدوات الخشبيّة التي يستخدمونها في الزراعة، وهو إنسان عصامي يعمل بكل جهد لإعطاء أفضل النتائج لأعماله، وما يزال يحافظ على تراث الأجداد من خلال هذه الأعمال

وعن كيفية القيام بهذه الأعمال تابع حديثه بالقول: «كلُّ السلال التي أقوم بصناعتها، أستخدم فيها أعواد الرَيحان، فهي موجودة في طبيعتنا بشكل كبير، وتتميّز بصلابتها ومتانتها وسهولة التّعامل معها، وبمقارنتها بالقصب مثلاً، تعدّ أسهل في العمل، وأقوى في الأداء، وتتحمل أوزاناً كبيرة داخلها، وأختار من الأعواد أحجاماً مختلفةً ثخينةً ونحيفةً، فعند بداية تصنيع السّلة أحتاج إلى أعواد قليلة الثخانة وأقوم بإحضارها من الطبيعة وأعريها من الأوراق، ثمّ أقوم بتعريضها للشمس لمدّة قصيرة بحدود السّاعتين، لأبدأ العمل بعدها».

من أعمال بقش الحنطة البلدية

وأضاف: «بالنسبة لمشارب التّدخين، فإنها تلاقي رواجاً كبيراً في المناطق الريفيّة نظراً لكون أغلب الأهالي يدخنون (الدّخان العربي)، وبالتالي هناك اهتمام كبير بصناعتها، وأغلب الأعواد التي أستخدمها لصناعة هذه المشارب هي، (القطلب و المشمش والبطم والتّقد)، وجميعها موجودة في بيئتنا، ولكلّ نوع منها ميزاته الخاصّة عند الاستخدام، وبالنسبة للمعالق الخشبيّة أقوم بصناعتها من خشب (المشمش والبطم)، بمختلف الأحجام، وأيضاً أقوم بصناعة قبضات خشبيّة لمناشير الخشب اليدويّة التي يستخدمها المزارعون في تقليم أشجارهم وتقطيع بعض أخشاب التّدفئة، إضافة لصناعة مقابض للمعاول مختلفة الأطوال، وكلّ ما يمكن أن يحتاج له المزارع في القرية، مثل "المصبعان" وهو عبارة عن قفازات خشبيّة يرتديها الفلّاح عند الحصاد اليدوي، أما أطباق القش فأنا أتساعد مع زوجتي في صناعتها، ونستخدم لذلك قش القمح البلدي وقش (الحريدينة)، لأنّه فارغ اللّب حيث ينقع لفترة في الماء قبل بدء العمل به، وأبرز الأعمال التي نقوم بها طبق الطعام و"الجمام" على اختلاف أحجامه ويستخدم لأعمال منزلية في المطبخ الريفي».

وعن أهميّة هذه الأعمال اليدوية في ريفنا السوري قال "محمود": «رغم التطوّر الذي يشهده أيّ بلد في العالم، يبقى للتراث مكانة كبيرة عند المواطنين، أما بالنسبة لأهالي الريف بالتحديد وريف منطقة "القدموس" خاصة، فمثل هذه الأدوات مازالت تستخدم وبكثرة، نتيجة البيئة القاسية، التي فرضت على المزارعين الاعتماد على هذه الأدوات في حياتهم اليوميّة، بالإضافة إلى ارتباطهم الروحي بثقافة الأجداد، حيث يرون في استخدامهم لهذه الأدوات، محافظة حقيقية على التراث السوري في منطقة الساحل عموماً».

من أعماله بأعواد الريحان

وأضاف "حامد عيسى" وهو أحد سكان القرية: «منذ طفولتنا اعتدنا على العم "محمود" وهو يقوم بتصنيع (القفير والكيلة و السانونة ومشارب التدخين)، وغيرها الكثير من الأعمال اليدوية التي رافقتها دائماً صفة المتانة والجودة في التصنيع، فهو يعمل بإخلاص ويساعد جميع سكان القرية في صيانة بعض الأدوات الخشبيّة التي يستخدمونها في الزراعة، وهو إنسان عصامي يعمل بكل جهد لإعطاء أفضل النتائج لأعماله، وما يزال يحافظ على تراث الأجداد من خلال هذه الأعمال».

وتابعت "ريم حسن" إحدى سكان قرية "جارة الوادي": «العم "محمود" ما يزال محافظاً على تراثنا الجميل من خلال الأعمال اليدوية التي تجسد تاريخ منطقتنا، وما زالت مستخدمةً إلى يومنا هذا، فمن أساسيات جني المحاصيل المزروعة في قريتنا والقرى المجاورة، استخدام الأدوات التي يقوم بتصنيعها لمساعدة الأهالي في أعمالهم الزراعيّة، ويكاد لا يخلو منزل في القرية، وحتى القرى المجاورة، من إحدى القطع التي يقوم بصناعتها لما تحمله من معانٍ كبيرة تربط الواقع الحالي بتراث الأجداد».

ريم محمد حسن

يذكر أنّ "محمود سلمان منصور" من مواليد "طرطوس - جارة الوادي" عام 1958.