كتبت الشاعرة "غنوه مصطفى" الأدب النسوي بمفرداته الجزلة، وتقربت من المتلقي بشعرها المحكي والنثري وصورهما البسيطة، فقدمت تراكيب وجمل تحمل رغم قصرها المعنى العميق والعاطفة الجياشة الفياضة بالعطاء.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعرة "غنوة مصطفى" بتاريخ 30 تشرين الأول 2019 لتحدثنا عن بداية حياتها الأدبية، ودور الأسرة في رعايتها، فقالت: «بدأت أكتب الشعر في سن العاشرة تقريباً، وكان من ضمن كتاباتي الخواطر، فشاركت بها بمسابقات رواد الطلائع ومهرجانات شعرية نظمها "اتحاد شبيبة الثورة"، وما زلت أذكر ذاك الشعور بالفوز والتكريم الذي شكل حافزاً كبيراً لي للاستمرار والتطوير بدعم مباشر من عائلتي.

الشعر المحكي أقرب إلى المتلقي وأحب إلى قلوب الشريحة الأعظم من المجتمع المثقفة وغير المثقفة، وذلك من حيث اللغة والسمع والمواضيع المطروحة السهلة البعيدة عن التعقيد، وكانت لي تجربة جميلة فيه لم تلقَ التشجيع كون دور الثقافة لا تتبناه من باب تمكين اللغة العربية

حتى البيئة الجغرافية التي نشأت فيها بحي "العريض" ضمن مركز المدينة والعلاقات الاجتماعية والمكونات الثقافية كان لها التأثير الكبير، فكتبت عن بلدي ككل، و"فلسطين" كأرض عربية».

ديوانها المطبوع

تطورت مهاراتها الكتابية ومخزونها الفكري، وراحت تكتب القصيدة النثرية والقصص القصيرة، وعن ذلك قالت: «قرأت كثيراً من الكتب الثقافية والأدبية وما زلت، فتطورت معارفي وأدواتي مع الممارسة، ومستمرة في التطور، حيث كتبت قصيدة النثر التي تستهويني بطريقة جنونية، وربما هي محط لبس لدى الكثير من الشعراء الذين لا يجدونها ترقى إلى القصيدة الموزونة، لكني أراها بحراً واسعاً، أو ربما عالماً سحرياً، أبحر في حروفه وأختار الصور بحرية، وأرتب مفرداتي بانعتاق كامل من قيود الوزن، كأني أورق في فصل الشتاء، بتعابير بسيطة سلسة وموجهة بطريقة غير مبتذلة. أيضاً كتبت القصة القصيرة، وأخوض حالياً تجربة كتابة الرواية».

وعن مجموعاتها الشعرية قالت: «لدي ثلاث مجموعات شعرية، الأولى صدرت بعنوان "واشتياقي أنت"، وهي قصة شوق مضن عشته بعد استشهاد أخي، حيث توقفت عن الكتابة قرابة العشرة أعوام، ولكن هذا الشوق انفجر في النهاية حالات شعرية أدونها له كل صباح، استجديه فيها لمحادثتي والبقاء حولي، ورغم غنى المجموعة بالحالات الشعرية إلا أنها كانت قليلة الصور، والتشابيه غلب عليها السرد لحتمية الحالة التي كنت بها.

الشاعرة غنوة مصطفى

أما المجموعة الثانية فكانت بعنوان "غنوة حب"، وهي باكورة أعمالي، وكان من المفروض صدورها قبل المجموعة السابقة، لكني فضلت أن أحيي ذكرى استشهاد أخي أولاً، في حين أن المجموعة الثالثة "لست عابرة سبيل" هي الأحب والأقرب إلى قلبي، وهي نقلتي النوعية، ففيها تطورت أدواتي، وفضاء الحلم أصبح أوسع».

شغفت بالكتابة النسوية أو ما يسمى الأدب النسوي، كونها ترى فيه الأدب الرقيق الدمث المشبع بالعاطفة، القادر على ترك بصمة واضحة، فهو يتعاطى المواضيع بطريقة مختلفة، وكذلك كتبت الشعر الوجداني في مختلف الحالات، وتابعت: «أرى في الأدب النسوي جمالاً ورقة يعتمد على تراكيب بسيطة مشبعة بالعاطفة، يتسلل إلى القلب دون أن يخدش الحياء، ويطرح المواضيع بكل دماثة وشغف، وينتفض بقوة خفية تؤثر ولا تجرح، وعليه طرحت مواضيعي بوجهة نظر مختلفة معتمدة على قوة النسيم الذي يحدث التأثير دون التدمير، عبر الأحاسيس المرهفة والصور الغنية السلسة».

ديوانها قيد الطباعة

وتضيف: «الشاعرة المرأة امتلكت الموهبة أكثر من الرجل، وهذا ليس انحيازاً بل لأنها قبل كل شيء هي أم هذا الرجل، وهي أول نبع غرف منه المعرفة قبل أن يخوض الحياة ويتعلم منها، لكن في بعض المجتمعات تقف أمام إبداع وثقافة المرأة قيود مجتمعية، كما في المجتمعات الذكورية المنغلقة، حيث يمكن أن يصل الأمر إلى درجة الخجل بكلمة أدب نسوي، على أساس أنه تقليل من شأنها، وهذا غير صحيح لأن السماء مؤنثة والأرض مؤنثة والحياة مؤنثة والموت مذكر».

وأيضاً لها تجربة في الشعر المحكي قالت عنها: «الشعر المحكي أقرب إلى المتلقي وأحب إلى قلوب الشريحة الأعظم من المجتمع المثقفة وغير المثقفة، وذلك من حيث اللغة والسمع والمواضيع المطروحة السهلة البعيدة عن التعقيد، وكانت لي تجربة جميلة فيه لم تلقَ التشجيع كون دور الثقافة لا تتبناه من باب تمكين اللغة العربية».

وفي لقاء مع الشاعرة "ماجدة حسن" مقدمة أحد مجموعاتها الشعرية قالت: «"غنوة" مشروع شاعرة واعدة في نثرياتها المتناغمة مع الحس الجمالي السلس الذي لا يثقل كاهل الحرف، ولا يضع العصي في عجلاته السائرة نحو ذهن المتلقي، هي الحداثوية الآتية التي تفعل ما يطلب منها في تقديم أغنيات الفرح والألم والعتب والندم والشموخ، في إطار البساطة الفنية اللغوية، لتدخل الأفئدة دون عسر تفسير وصعوبة تأويل، وأتوقع لها في القادمات خطوات أدبية أكثر عمقاً وأشد متانة على الصعيد الفني، حيث تكون قد اكتسبت الخبرة في تحويل مشاعرها إلى حيث ترضى القصيدة».

يشار إلى أن الشاعرة "غنوه مصطفى" من مواليد حي "العريض" بمدينة "طرطوس" عام 1979.

ومن مجموعتها الشعرية "لست عابرة سبيل"، نقتطف هذه القصيدة:

إليه أحج عشقاً

وفي هواه يشيخ العمر ينساني

وأدمن التجوال في حرفه عمداً

فويح لحرفٍ قد زاد وجدي

وفي هواه أغواني

أطوف كعبته أشتاق ضمته

وأعرف إن ضمني موتاً لأرداني

وأسكرني من حلاه حتى زاد إثمي

وأنهاني

وفي عشق حرفك يا سيد الحرف أشقى

كقبس النور

من مزن حبك جن ّوهجي بلمح الثواني

فأرحم جنون حرفك

فإنه في سطر العشق ترتاح

قوافل العشاق وأنسى زماني

أدمنت حرفاً

في الحب أغازله فكيف حالي..؟؟

إن سيد الحرف جدّ يلقاني