كتب الشاعرُ "محمد قرفول" الشّعرَ المحكيّ والزجل، بعد أن أغنى ذائقته الفكرية من بيئته الثقافية في قرية "الملاجة"، فاتسمت مفرداته بالبساطة والعمق والتأثير، خريج كلية الهندسة الميكانيكية التي لم ترضِ شغفه كما الشعر الذي تفرّغ له.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الشاعر "محمد قرفول" بتاريخ 28 تشرين الثاني 2019 ليحدثنا عن بداياته مع الشعر، حيث قال: «ولدت في عائلة محبة للفكر والكتابة، وقد ورثت عن والدي مكتبةً ذاخرةً بأرقى العناوين من شعر "المتنبي"، "أبو نواس"، "حسان بن ثابت"، "ابن عبد ربه الأندلسي"، وكتبٍ كثيرة في الشعر والفكر والأدب، وكنت مواظباً على قراءتها لمرات عديدة، وكان والدي شاعراً وله آثار جميلة في ذلك، لكنها غير مطبوعة ومحفوظة لدي بخطّ يده، كما إنّني أنتمي لجيل قاسى شيئاً من قساوة الحياة أيام الصبا في بداية السبعينيات، حيث لم يكن هناك كهرباء في أغلب ريفنا، وكانت سهراتنا بالشعر الذي نحفظه بشكل منادمات، بحيث يبدأ كل منا ببيت شعر من قافية البيت الذي سبقه، وهذا كان يحرضنا على القراءة وحفظ الأشعار.

أرى قصائدي تتسم بالفكرة الرشيقة المعبرة، وهي غالباً على شكل قصة قصيرة أو لوحة مكتملة تروي حالة ما بموسيقا عذبة قريبة من نبض الناس بأسلوبها السهل الممتنع المفعم بالورد والعطر

كما عشنا مع "الرحابنة" و"فيروز"، و"وديع الصافي" و"نصري شمس الدين" وحفظنا أغانيهم ومسرحياتهم عن ظهر قلب، إلا أن الكتابة والحفظ بدأا في أواسط السبعينيات وكتبت المحكي والشعر العمودي وبعض الأغاني والزجليات.

ديوانه

وبالنسبة لكتابة الشعر المحكي والزجل معاً فهما قريبان من بعضهما البعض ببساطة الكلمة والتعابير، إلا أنّ الزجل له قوالب وأوزان (قرادة- معنى- قصيد- موشح.... الخ) والشاعر الزجال ملزم بالتقيد بهذه المقاييس، وغالباً ما يكون الزجل ارتجالاً بحيث لا يتسنى للشاعر تدقيق ما قاله، ما يؤثر في الصورة الشعرية، أما المحكي يتفلت من هذه الموازين وينقل المتلقي بسلاسة من قافية إلى أخرى، محافظاً على موسيقاه دون أن يلاحظ المتلقي ذلك في غالب الأحيان».

ويتابع: «لا أدري إن كنت من اختار الشعر المحكي أم هو من اختارني، فقد وجدته أقرب إلى روحي ومشاعر الناس وأحاسيسهم، فإن قلت لشخص ما (بحبك) أقرب إلى قلبه من كلمة (أحبك) المنطوية على بعض الرسمية والتكلف، فالمحكي يستعذبه الجميع -مثقفون وأناس عاديون- وتطيعك حروفه بيسر وسلاسة.

الشاعر محمد قرفول

وبالنسبة لي أكتب إحساسي دون تكلف، ومن يقرأ لي من أصدقائي الشعراء يتحدثون عن موسيقا خاصة بشعري وتعابير مبتكرة من نوع السهل الممتنع، التي تعبّر أصدق تعبير عن حالة أعيشها وتستفزني للكتابة».

وعن أثر البيئة الطبيعية والثقافية فيما قدمه من الشعر، قال الشاعر "محمد": «قريتي "الملاجة" قرية ساحرة ووادعة بطبيعتها وبتنوع أشجارها وكثافتها، فهي القرية التي أنجبت الشاعر "محمد عمران" والشاعر "أحمد علي حسن" وغيرهم، وقد كان للشاعر "محمد عمران" الأثر الكبير في أجيال عدة في القرية ومحيطها، وخلق حالة شعرية وإبداعية مع الأستاذ "جابر قرفول" الذي ترك إرثاً غنائياً وفنياً مميزاً، وقد توّج الشاعر "محمد عمران" هذه الحالة بتأسيس مهرجان "السنديان" الذي عمّ صيته أرجاء الوطن العربي، وهذا أثّر فيّ كثيراً».

البعض وصف أشعاره بالجريئة، وهنا كان له وصفه الخاص: «لم أكتب ما يخدش الحياء أو تغزلت بمفاتن بشكل مباشر، إنما ببعض التلميح، وهذا في الحب والغزل ضمن المقبول، إلا إذا كنا نعدّ الحب بحدّ ذاته جرأة في مجتمعاتنا المحافظة بعض الشيء.

وهناك فرق بين أن يقرأ المتلقي ديواناً أو أن يستمع مباشرة إلى الشاعر في أمسية، ففي المباشر تجد أن المتلقي تجذبه بعض التعابير ويتفاعل معها، والتفاعل بين الشاعر وجمهوره جميل ويخلق نوعاً من التلاقي الروحي لكليهما وبعضاً من حياة في الأمسية الشعرية، إلا أنني لا أتقصد استثارة المتلقي، فعندما أكتب غالباً لا أفكر بما سأكتب، إنما يأتي وليد لحظته تبعاً لظرف أو حالة، ولا أخفي رغبتي وسعادتي بتفاعل الجمهور، لأنني بالنتيجة أكتب لي ولهم».

ورغم أنه ليس لديه دواوين مطبوعة وإنما جاهزة للطباعة لأسباب عدة، فقد جمع وجهز مجموعاته للحظة معنية، وهنا قال: «أرى قصائدي تتسم بالفكرة الرشيقة المعبرة، وهي غالباً على شكل قصة قصيرة أو لوحة مكتملة تروي حالة ما بموسيقا عذبة قريبة من نبض الناس بأسلوبها السهل الممتنع المفعم بالورد والعطر».

ومن أشعاره:

«ما بحب أبكي ت الشعر يطلع

ولا بريد أنحت قافية وأشقع

بحب الشعر يسكب متل شلال يدلق عطر عالورد ما يشبع

وزنار مربوط بهداوة بال عا خصر صار خيال وملوع

أو زر رح يبرد تغطى بشال نعسان

تاكي عا زند سلسال ناسي العراوي تقول رح يوقع».

وفي لقاء مع الشاعر "سليمان شحود" تحدث عن انطباعه فيما قرأ للشاعر "محمد"، حيث قال: «شخصياً وكي أنصفه أصفه بالإنسان الحقيقي لمشاعره ونبل أخلاقه وصدقه، فصوره الشعرية لا يمكن أن تتكرر أو تتشابه مع غيره، من حيث الصدق والوجدانية والتفرد والإحساس العميق، وبالنسبة للتعبير لديه أتوقع إن قرأنا له شعراً فيندر أو يصعب أن يأتي بمثله شاعر آخر، ألفاظه سهلة لكنها عميقة جداً، وقد تأثرت أشعاره ببساطته التي يعيشها في محيطه، وهو مخلص لأدبه».

يشار إلى أنّ الشاعر "محمد علي قرفول" من مواليد "طرطوس" قرية "الملاجة" عام 1958 وهو خريج كلية الهندسة الميكانيكية، متزوج ولديه أربعة أبناء.