ما تعلّمه السوريون خلال سنوات حربٍ طويلةٍ، من ضرورة التحرك الإيجابي في الأزمات ومواجهة أصعب الظروف مهما كانت الإمكانيات محدودة، يطبقونه اليوم من جديد في الأزمة الصحية التي يمرّ بها العالم بأسره، من خلال مبادراتٍ مجتمعيةٍ فاعلةٍ تخفّف قسوةَ مواجهة الناس جائحةَ "كورونا".

مبادراتٌ فرديةٌ وجماعيةٌ انطلقت في أغلب المحافظات السورية، منها ما كان على مستوى محدود لا يتعدى منازل الجيران أو بيوت القرية الواحدة، ومنها ما وصل إلى شريحةٍ كبيرةٍ من الناس عبر وسائل التواصل الحديثة، ولكلّ من تلك المبادرات هدفها وغايتها ضمن جانب من جوانب تقليل الأعباء التي تواجه المواطنين بعد التغييرات الأخيرة التي طرأت على حياتهم لمواجهة الفايروس المستجد، وخاصة أثناء الحجر الصحي المنزلي، الإجباري أو الطوعي.

كانت الانطلاقة من قيام العديد من رواد "السوشل ميديا" بإنشاء صفحات على منصات التواصل الاجتماعي تهدف إلى نشر آخر الأخبار المتعلقة بهذه الأزمة وتقديم التوعية الصحية اللازمة، ومنهم لم يكتفِ بالعمل الإلكتروني بل نزل إلى أرض الواقع وتوجّه إلى أماكن تجمع الناس على الصرافات أو منافذ البيع ليقدم لهم منشورات توعيهم ونصائح تساعدهم على تجنب العدوى، بالإضافة إلى تزويدهم بالمعقمات التي يحتاجونها أثناء وجودهم في مثل هذه الأماكن.

وانتشرت فكرة توزيع المعقمات والصابون والمنظفات في الكثير من مناطق المحافظات السورية، وخاصة للأسر المحتاجة، من قبل أفراد أو فرق تطوعية وحتى منظمات أهلية وشعبية على مستوى واسع، بالإضافة إلى تصنيع وتوزيع الكمامات، وكل ذلك بالمجان.

الأسر ذات الدخل المحدود لم تكن فقط بحاجة لأدوات التعقيم والمنظفات، فاتجهت بعض المبادرات إلى تأمين الخبز كمادة أولية لتلك الأسر بشكل يومي، وخاصة في ظل صعوبة الخروج من المنازل ومحاولة تقليل الاختلاط بالناس، إضافة إلى مبادرات عملت على تأمين مواد غذائية أولية تعين الأسر الفقيرة التي أُغلق باب رزقها بسبب الأوضاع الحالية، وأصحاب الدخل المحدود الذين لم يعد باستطاعتهم مواجهة ارتفاع الأسعار الجنوني.

الجانب التعليمي لم يغب عن مثل المبادرات، حيث قامت العديد من الكوادر التدريسية وبجهود فردية بالتواصل مع طلابها، سواء على مستوى المدارس أو الجامعات، في محاولة لتعويض الفاقد التعليمي للفترة التي تم فيها إيقاف الدوام في جميع مدارس وجامعات ومعاهد القطر، هذا عدا عن مبادرات تعليم المهارات واكتساب الخبرات لمختلف مجالات الحياة عبر منصات تعليمية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت متاحة لمن يرغب في استغلال فترة الحجر المنزلي بالتعلم عن بعد.

أما جنود اليوم في هذه المعركة مع الحياة، الأطباء المستعدون لبذل أرواحهم في سبيل إنقاذنا من هذه المحنة، فلم يوفروا وقتاً أو جهداً للمشاركة في تخفيف أعباء الحياة على المواطنين، فقام الكثير منهم -ضمن مبادرات منظمة- بفتح الباب لأيّ مريض للحصول على الاستشارات الطبية الهاتفية أو عبر الإنترنت بشكل مجاني.

  • الصورة من مبادرة "وصل صوتك" في "طرطوس".