تعدُّ شجرة الشيخ "حمدان" المعمرة في قرية "المرانة"، ملاذ الأهالي في أيام الصيف الحارقة، ونقطة علام يستدل بها كل عابر للمنطقة، ويستريح تحت ظلها، وقد تمكنت من المحافظة على قيمتها الاجتماعية وتغلبت على الزمن، حاملة معها اسم الشيخ الذي درّس الأطفال حولها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت بتاريخ 18 نيسان 2020 قرية "المرانة" شمال شرق مدينة "بانياس" بحوالي عشرين كيلومتراً بقصد التعرف على هذه الشجرة الباسقة بحجمها، والعريقة بقيمتها الاجتماعية، حيث قال مختار القرية "ياسين حبيب": «تعد من أهم الأشجار العريقة في القرية والمنطقة قاطبة، حيث كانت مقصد جميع الأطفال والفتية لحفظ القرآن على يد شيخ القرية منذ نحو ما يزيد على خمسين عاماً، وتعدُّ ذات قيمة اجتماعية كبيرة لدينا، لذلك حافظنا عليها، ولم تطلها أي يد من سكان القرية بالتخريب.

أذكر أنه حين كنا صغاراً ونرغب باللعب نلجأ للاختباء في تجاويفها، وكان يحلو لنا الجلوس بين فروعها الخضمة، حيث توجد مساحة فارغة واسعة تتسع لخمسة أفراد

تتوسط القرية تقريباً ليس من حيث المساحة السكانية؛ وإنما من حيث المساحة الجغرافية، ويقصدها جميع الأهالي للتمتع بالهواء العليل الذي يبقى بارداً في الصيف، ومعتدلاً في الربيع والخريف، وللجميع ذكريات جميلة بجوارها، فغالبية الشبان يستضيفون أصدقاءهم تحت ظلها الوارف والكبير جداً».

شجرة الشيخ حمدان

وللمعمرة "أمينة عاقل" ذكريات جميلة معها قالت عنها: «كنا نجتمع كشابات تحت ظلها للتمتع بالطبيعة الخلابة في فصل الربيع، حيث تكتسي ثوبها الأخضر الجميل، ونلتقي لساعات دون خوف الأهل علينا كونهم يعلمون أننا هنا بمكان آمن، فهي تحرس الأرواح الطيبة، كما كانت تقام في أغلب المناسبات السعيدة حلقات الدبكة حولها لمساحة ظلها الكبيرة التي تتسع تقريباً لمئة رجل».

أما الموظف "أصف عاقل" فقال: «في البداية يجب التأكيد على أن شجرة الشيخ "حمدان" معروفة بين سكان المنطقة بالكامل، ومقصدٌ للعائلات في أيام العطل، ومكانٌ للتعارف وبناء علاقات اجتماعية أثرت إيجاباً في محبة الناس بعضهم بعضا في القرية والقرى المحيطة، ويقال أنها كانت شاهداً على العديد من مناسبات الأعراس والمصاهرة بين الأهالي، كما كانت ملجأ للمزارعين الذين يملكون حقولاً زراعية قريبة منها، يستظلون بها من حر الشمس خلال مواسم الحصاد وجني المواسم، وتناول وجباتهم الغذائية تحتها.

المختار ياسين

لهذه الشجرة قيمة مباركة كونها كانت مرتعاً لشيخ القرية "حمدان" في غابر الزمان، وهذا ما جعل لها قيمة اجتماعية كبيرة، حيث تعدُّ مضافة القرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

هي شجرة "بلوط" كبيرة جداً وضخمة ومساحة ظلها تزيد على تسعين متراً مربعاً، وجذعها حوالي سبعة أمتار وما يعرف بقفل الشجرة يزيد على ثمانية عشر متراً، وفي الحقيقة عمرها لا يمكن حصره بعدد السنوات، علماً أن أشجار البلوط معروفة بنموها البطيء وعمرها المديد، نتيجة طبيعة خشبها القوي المقاوم لمختلف عوامل الطقس والحشرات المتطفلة على الأشجار بشكل عام.

فروع الشجرة الضخمة

ويعتقد أنه بجوار موقعها الحالي كانت تقوم حضارة كاملة أو ما يمكن تسميته بالقرية القديمة، فبجوارها يمكن مشاهدة بقايا حجارة البناء المهدمة، حيث تشكل في طبيعة الحال بقايا منازل، وهنا يجب التنويه إلى أن الشجرة تعرضت في مراحل سابقة للتخريب أو محاولات قطع بعض فروعها ولكنها باءت بالفشل، وخير دليل على ذلك التضلعات الموجودة في فروعها، حيث يمكن مشاهدة هذا بالعين المجردة، فنرى أجزاء متضخمة جداً وأجزاء نموها طبيعية، كما يوجد في أسفل جذعها تجويف كبير يعتقد أنه كان مخبأ للأشياء.

وما يميز هذه الشجرة أيضاً أن طبيعتها تشبه الأشجار اليابسة، ولكنها ليست كذلك فنمو الطحالب على فروعها الضخمة دليل على نموها».

ويتابع: «أذكر أنه حين كنا صغاراً ونرغب باللعب نلجأ للاختباء في تجاويفها، وكان يحلو لنا الجلوس بين فروعها الخضمة، حيث توجد مساحة فارغة واسعة تتسع لخمسة أفراد».