درست اللغة العربية، وعشقت الفن بكل أشكاله، وآمنت بأنه امتيازٌ يُجمّل الحياة، وأنّ عينَ الفنان ثاقبةٌ ويده هي الأقدر على ترميم الاهتراء ونثر بذور الجمال.

مدوّنةُ وطن "eSyira" التقت المعلمة متعددة المواهب "الفردوس نعمان" بتاريخ 21 نيسان، 2020 فبدأت حديثها: «منذ صغري وحتى اليوم، كان القلم أجمل الهدايا، والصفحات صديقة البوح، وكان لكتابة المذكّرات الدور الكبير في صقل موهبتي، كنت مميزة بكتابة مواضيع التعبير خلال مرحلة التعليم الأساسي، لأفاجأ لاحقاً بأن معلمتي "سعدى سلمان" تحتفظ بموضوع لي منذ ربع قرن، وكان لمعلمي اللغة العربية ومكتبة أبي دور مشجع في القراءة والكتابة.

منذ عرفتها كانت مناضلة صبورة مثقفة، تعطي خير مثال للأم والمعلمة، وتتميز أعمالها بالبعد عن التقليد

أنظر إلى الكلمة على أنها بوابة لعوالم واسعة في النفس والحياة، لأنها تمنح إمكانيات هائلة لتسجيل أثر العبور في هذه الحياة الراحلة، فالكاتب يسمع صوته ويرى نفسه حقيقة فقط عندما يكتب؛ ليصبح كمن ينظر في مرآة صافية.

الرسم بالقهوة

كنت أنشر الخواطر والمحاولات الشعرية في جريدة "الوحدة" المحلية تحت عنوان "ليلة"، ثم بدأت أكتب أفكاري بقوالب عدة؛ شعر نثري وقصص تطول وتقصر كالومضات، أضمّنها كثيراً من النقد والحوار الذي أعشقه مع الحياة والذات، أحكي فيها عن أوجاعي وأحلامي التي تتسع لتعبر عن حال كثيرين، فهي كالمجلة الشخصية الحرة، وأسعى لتحويلها إلى حوارات على لسان أبطال رواية أحاول أن تنضج قريباً».

أما عن الرسم فقالت: «كنت من طالبات الفرع العلمي في الثانوية، وكنت أحب الخطوط والأشكال الهندسية، وكانت عيني معلّقة دوماً بطرز البناء والتصميمات، وعندما لم أوفق في دراسة العمارة، فكرت بفرع فيه مجال للإبداع، فدرست اللغة العربية ومارست الفن كهواية، ما يهمني هو أن تتكامل وسائل التعبير وتتنوع، فالفنان يتألم إن لم يستطع تفريغ الفيض الذي يمتلكه في داخله، والأدب هو رسم بالحروف ونسج للعبارات، ولاحظت أنني أفكر من خلال الصور، هناك لوحات متخيلة في ذهني قد تولد على ورق بوساطة قلم أو ريشة، والفن الخالد هو الذي لا يكتفي بتقديم المتعة، بل هو الذي يقدم فكراً سامياً قادراً على خلخلة رتابة التفكير والواقع بغرض إعادة البناء، الكلمة واللوحة هما المتنفس الوحيد، وعالم خاص أنشد فيه الراحة وأنغلق على ذاتي لأواجهها وأنمّيها وأنفتح على الآخر».

مع لوحاتها

تتابع: «غالباً عندما تلمع الفكرة في رأسي، أو تتلبسني حالة نفسية ما، أجد في داخلي اضطراباً وتوقاً وحاجة للتعبير، فأهرع إلى أحد الشكلين، وأبحث عن الهدوء بعيداً عن أي تشويش، ترافقني غالباً الموسيقا التي ربما تستدعي نفسها لتكتمل دائرة الفنون، ولولا مشاغلي ومسؤولياتي كوني أمّاً مسؤولة بالكامل عن المنزل ومتابعة الأولاد، ومعلمة أيضاً، لمَا تمنيت أن أخرج من هذه الحالة، فليس هناك متعة تعادل متعة أن تحوّل الأفكار المجردة أو المشاعر الخفية إلى مادة فنية تستطيع أن تتواصل معها بحواسك».

أما موادها في الرسم فقالت عنها: «أحب منذ الصغر الرسم بالزيتي، وخاصة على الزجاج، وذلك خلال المشاركة في معارض المدرسة، وقد تفوقت في بعض مسابقات منظمة "شبيبية الثورة" على مستوى المحافظة، ثم جربت الرسم بالفحم وقلم الرصاص والألوان الخشبية والمائية، حتى أنني جربت الرسم بمواد طبيعية، كالقهوة، الشاي، والمتة وخلاصة نبات الشوندر أو اللفت، ووجدت متعة في التعامل مع أثر كل منها على الورق، ولكن كان للرسم بقهوة الصباح خصوصية عندي، لأنها تختزن ذكرى عن إحدى الصباحات، وتظل رائحتها تعبق في المكان كذاكرة حية».

رولا أسعد

وعن أثر فقد زوجها الشهيد في حياتها تقول: «كان فقدي لزوجي المؤثر الأكبر في حياتي، والانقلاب الأصعب الذي فرض تحمل مسؤولية منزل وطفلين صغار وحدي، ومر هذا الفقدّ بمراحل، ففي البداية جعلني أعتزل الحياة وأغوص في حزني، فعشت فترة من الكآبة والمرض التي حاولت علاجها بنفسي بعيداً عن الأطباء، وكان للتأمل والفن دور كبير في هذا، وجدت أن الألم يهذب شخصية الإنسان، ويجعله يغوص في ذاته لمعرفة إمكانياتها وقدراتها، علمني الفقد أن أنظر إلى الموجود وأدرك قيمته قبل أن أفقده، وغيّر رؤيتي للحياة فأصبحت أكثر اتساعاً وتقبّلاً، ما زالت ندوبه في عمقي، لكنني أحاول دوماً أن ألوّن كل ما هو قاتم بابتسامة».

إضافة إلى الرسم والأدب تجيد "الفردوس" الأشغال اليدوية التي أضافت عنها: «بدأت العمل اليدوي في سن صغير جداً، تعلمت نسج الصوف في المرحلة الابتدائية خلسة عن أمي، وكنت أزين لمعظم نساء الحي ملابسهم بالصوف والخرز، وكان لما تقوم به أمي من مطرّزات وأعمال صوفية دوراً في ذوقي الفني، وكنت دوماً أطلع على مجلة "بوردا" وأراقب قريبتي الخيّاطة وأركب لها الأزرار، حتى أن معلمة التدبير احتفظت بدفتر لي ملأته بتصميمات فساتين دقيقة جداً وقامت بتنفيذ بعضها.

من هنا ألفت الانتباه إلى أهمية كل من مادة التدبير المنزلي في مدارسنا والاتحاد النسائي سابقاً في صقل الكثير من المواهب، وبقيت بعد الزواج أعدل ملابسي وأزينها وأصنع الإكسسوار الخاص بي والكثير من الأعمال اليدوية لمنزلي وللمقربين، وبعد فقد زوجي، وبسبب ظروف الحرب، وجدت نفسي مضطرة مثل غيري لاستغلال ما أتقنه في تحسين دخلي، فبدأت بتصنيع الإكسسوار اليدوي وفق المطلوب في السوق، أو وفق تصميمات جديدة تشبهني، وبدأت أعرضها في المعارض وبعض المحال التجارية».

وكان لـ"الفردوس" مجموعة من المشاركات المختلفة، قالت عنها: «كانت لي بعض المشاركات في المهرجانات الأدبية، والكثير من المشاركات في المعارض المحلية، منها مهرجان "جبران خليل جبران" في "طرطوس" 2018 وفعالية "عشتار تبدع" 1 و 2 و"إبداعات شبابية"، إضافة لمهرجان "بانياس تصنع" 1 و 2 و 3 وكثير من الفعاليات التطوعية والمدرسية وسواها، أطمح إلى تقديم شيء من إحساسي بالحياة وتفاعلي الفكري معها من خلال لوحات تحمل خصوصيتي، أو ماركة لأعمالي اليدوية أو كتاب يحمل توقيعي».

"رولى أسعد" فنانة تشكيلية، مسؤولة عن تنظيم مهرجان "عشتار" قالت: «"فردوس" حالة فنية متكاملة، جمعت أنواع الفنون التشكيلية والأدبية لتنضح بما في روحها من فن عارم، وجعلت من الفن ملاذاً من أوجاع الواقع».

أما الحرفية "ابتسام معلا" فقالت عنها: «منذ عرفتها كانت مناضلة صبورة مثقفة، تعطي خير مثال للأم والمعلمة، وتتميز أعمالها بالبعد عن التقليد».

يذكر أنّ "الفردوس نعمان" من مواليد مدينة "بانياس" عام 1980، مدرسة لغة عربية، وطالبة ماجستير.