تحتوي القصيدة عند "فخر زيدان" على العديد من المواضيع الواقعية، ولكن بأسلوب الرمزية الممزوجة بخيال شاعرٍ معتمدٍ على الصورة الشعرية الجميلة واللوحات التعبيرية لينسج قصيدةً ذات معاني تهمُّ القارئ، وبذات الوقت مسكوبةٍ بقالبٍ أنيق.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 أيار 2020 الشاعر "فخر زيدان" ليتحدث لنا عن بدايات القصيدة لديه، فقال: «لا أعلم متى بدأت الكتابة، ربما في وقت مبكر جداً، ولا أرى فائدة في البحث عن البدايات في هذا المقام، فبعد أن أخذتنا الحياة يمنةً ويسرةً نشرت في فترة الدراسة الجامعية، ثم أخرتني الظروف عقداً من الزمن حتى عدت للكتابة بشكل دؤوب في التسعينيات وما بعد، فنشرت مقالات ودراسات نقدية وثلاث مجموعات شعرية، أما التحريض على الكتابة فللأمانة هو كل شيء في بلدنا يدفعك للحديث والحكي والسرد عنه وحوله، لكن في الحقيقة لو أشرت بأصبع الحقيقة لقلت المحرض الأول والأساسي للكتابة عندي هي القراءة».

أنتقد في "فخر" كسله العملي، تقصيره في توثيق جهده المعرفي في كتب أو حتى مقالات، فيغيب عن النشر طويلاً حتى يكاد ينسى، وينسحب الأمر على كتاباته الشعرية التي تقرأ في نطاق ضيق ولا تجد المتابعة التي تستحق بسبب كسله الذي ذكرناه وشح المنابر الثقافية التي تبحث عن الأصوات الشعرية المميزة، وغلبة العلاقات الفردية والشللية على المنابر الموجودة مع كل تهافتها

ينسج "زيدان" قصائده من مواضيع مختلفة وشيقة، جلّها قريب من الناس والواقع، وهنا يردف: «بعيداً عن فزلكات الاستعراض والتكلف، فالقصيدة تصنع مواضيعها وتخلقها من حميمية اللحظة؛ وتوفر خصوبة الوجد، ربما تمسك قضية ما بشكل مباشر، لكن فضاء الشعر يخصبها بألف نطفة من طلع المعرفة والانفعال واستشراف الحياة والمستقبل ومساءلة الوجود، فتتخلق في تلك اللحظات مواضيع وقضايا أوسع وأرحب؛ وربما تقطع علاقتها بالمحرض الأول، إذاً أقول: القصيدة جنون مستقل يخلق كائناته وقضاياه وأساليبه ولغته».

زيدان مع ابنه في مسقط رأسه

وعن شكل القصيدة لديه يقول: «لا شكل للشعر ولا قوام مستقر، تتجدد الصيغ ويتغير المبنى والمعنى، وإلا كل ما عدا ذلك فهي علائم تموّت وفناء، فالشعر يخرج إليك كما يشاء هو، لا كما تشاء أنت، هو السيد وصاحب القرار المستقل، لكن هناك سرديات في الحياة تأتي بمبناها ومعناها وعدتها، وهنا نستطيع أن نسجل حضوراً قوياً لقصيدة النثر، تلك التي تزهد في كل شيء، باستثناء القبض على لحظة شعرية حرة أشبه بماء الملذات في أعلى تعابيرها».

وعما جذبه لكتابة النقد الأدبي يقول: «لماذا كتبت في النقد؟ لأنني أرى في النقد فلسفة الأشياء العميقة، أي ذلك الحقل الذي نبحث فيه عن خزائن الفكرة والمواضيع وتحولاتها ونموها الحقيقي والمزيف، وفي النقد تتدبّر غريزة اللغة وكسوتها من المعرفة والبهاء واشتهاءاتها الضالة والأليفة، في النقد تسكن النص كجنين حتى تملك شرعية الخروج منه، أي تملك أحقية الولادة، النقد هو النص الأجمل في مراودة اللغة ومآربها. وبكل أسف، هناك غياب للنقد في "سورية"، ولا أستطيع أن أصفه بغير ذلك».

من مؤلفاته

وعن رأيه بقصيدة الومضة والنص الوجيز، يقول: «الشعر يأتي كما يريد هو، لذلك فقصيدة الومضة، أو النص الموجز، أحد تجليات الشاعرية في زمننا السريع، وأحد أشكال الأرجاء الشعري الفاعل، ربما يبرر له بشكل مباشر عنصران أساسيان هما الكثافة والدهشة، أما في الحقيقة الأخرى، أي الوجه الآخر للأمر، فإن قصيدة الومضة تشي بالزمن الوجيز الذي بدأت تضنّ به الحياة، وفي معنى إضافي لجوهر الحالة، فإن الومضة تدل على أميرية الروح، أي تلك الروح الأميرة الملكة التي تتقن لغتها وتقل وتدل بها كأمير يكتفي ببعض العبارات الدالة ويمضي».

ويصف "زيدان" الحالة الشعرية لدينا بالمأساوية قائلاً: «حالة الشعر عندنا، هي مأساوية بكل معنى الكلمة، بعد أن راوده الغزاة والمعفشون عن نفسه، وبدأوا يعرضونه في سوق المستعمل، ولكن أقرأ لأصوات ومواهب واعدة، أتلمس أنها تتقن لغته وتملك أغراضها، وتتمكن من حرفة الكتابة ومداخلها، لكن تلك الأسماء لا تلبث أن تتوقف عن الإبداع، وكأن عيناً أصابتها، لعلها لعنة الواقع المرير وقهره القاتل، ولعلها خطيئة عدم الاشتغال على النفس والثقافة كما يجب ويشترط الإبداع، لذلك في العموم لا نرى تميزاً ولا فرادة تستحق أن نعزل لها مكاناً خاصاً، ليشار إليها بالبنان».

غلاف مؤلفه الأخير

"حسين خليفة" إعلامي وشاعر، قال: «يكتب "فخر زيدان" الشعر كما لو أنه يمارس فعل حياة، يجري في تجربته الشعرية محاورات خفية مع التاريخ والسياسة والتراث ويقررها في مرايا الراهن الساخن حروباً وأزمات، ويغوص في عمق الفكرة حتى تصبح القصائد التي تطرق هذا الباب سجالات شعرية مكثفة.

في الجانب الآخر الروحي يبدع في مراوغة الموضوع الأثير لدى الشعراء، الحب بلغة شفيفة عالية وبموسيقا هادئة تربك المألوف وتسهب في تفاصيل بهية من الأنثى، البيئة، الذاكرة والموروث الشعري الغني غارفاً من ثقافة واسعة وذاكرة ثرة».

وأضاف: «أنتقد في "فخر" كسله العملي، تقصيره في توثيق جهده المعرفي في كتب أو حتى مقالات، فيغيب عن النشر طويلاً حتى يكاد ينسى، وينسحب الأمر على كتاباته الشعرية التي تقرأ في نطاق ضيق ولا تجد المتابعة التي تستحق بسبب كسله الذي ذكرناه وشح المنابر الثقافية التي تبحث عن الأصوات الشعرية المميزة، وغلبة العلاقات الفردية والشللية على المنابر الموجودة مع كل تهافتها».

يذكر أن "فخر زيدان" من مواليد "دوير رسلان" بمحافظة "طرطوس" عام 1958، لديه حتى الآن ثلاث مجموعات شعرية هي "عشق في طقوسه القديمة"، "قارات الكائن الثالث"، "أيها الكلام" إضافة إلى العشرات من المقالات نشرت في صحف محلية وعربية.