إلى الآن ما تزال هناك عدة قرى سورية تعتمد على قنوات المياه أو الري الرومانية في تأمين المياه للشرب أو لسقاية المزروعات، والمثال على ذلك مجموعة قرى في محافظة طرطوس.

بنى الرومان القدماء قنوات المياه بهدف استجرارها إلى مدنهم وبلداتهم من مصادر بعيدة، واستخدامها في الري واستصلاح الأراضي، وللسيطرة على الفيضانات، وفي الملاحة أيضاً، وقد كشفت أعمال التنقيب على العديد منها في الساحل السوري، ففي محافظة "طرطوس" تمّ الكشف عنها في كل من "عمريت" و"بانياس".

من أبرز سمات الحضارة الرومانية أنها أخذت كل المنجزات الحضارية للشعوب التي سيطرت عليها، واستفادت منها في مجالات البناء والعمران، ومع إنشاء رقعة الدولة وازدياد المدن الرومانية كانت الحاجة لتأمين المياه النظيفة لأغراض الشرب والاستحمام والسقاية من جهة، ومن جهة أخرى كانت هناك حاجة ملحة للتخلص من المياه المالحة التي تسبب في كثير من الأحيان حدوث الأوبئة التي فتكت بالمدن في تلك الفترات، ويعدُّ الساحل السوري جزءاً منها، كونهم أقاموا مدنهم على خطوط السواحل، وفيها قاموا ببناء القنوات لجر المياه من الينابيع الموجودة عند التقاء الجبال بالسهل الساحلي وإيصالها إلى كل من "طرطوس" و"عمريت" وبانياس" وغيرها من المدن على امتداد الساحل السوري، أيضاً بناء قنوات أخرى بهدف جر المياه المالحة من تلك المدن والمنشآت الصناعية التابعة لها إلى أماكن مخصصة للتخلص منها وبالتالي المحافظة على سلامة السكان ونظافة مدنهم

بالإضافة إلى قنوات الري، بنى الرومان العديد من الأنفاق والقنوات التي تمّ حفرها في باطن الأرض مع بطانة من الطين، وكانت تخدّم المواقع الصناعية كالمناجم والمطاحن المائية والحمامات، وبناء جميعها يتطلب مسحاً جيداً لضمان تدفق منتظم وسلس، وتخطيطاً دقيقاً لتحديد مصادر المياه التي سيتم استجرارها، وحساب طول القناة وعرضها، وهذا يحتاج إلى مهارات ودقةٍ كبيرةٍ لضمان استجرار المياه بطرق لا تتسبب بتلف جدران القناة.

نبع "عين الذهب" الأثري

عن الحاجة التي دفعت الرومان لإنشاء قنوات الري، يقول المدرس والمهتم بالبحوث الجغرافية والتاريخية "سامي حسن" في حديثه لمدوّنة وطن: «من أبرز سمات الحضارة الرومانية أنها أخذت كل المنجزات الحضارية للشعوب التي سيطرت عليها، واستفادت منها في مجالات البناء والعمران، ومع إنشاء رقعة الدولة وازدياد المدن الرومانية كانت الحاجة لتأمين المياه النظيفة لأغراض الشرب والاستحمام والسقاية من جهة، ومن جهة أخرى كانت هناك حاجة ملحة للتخلص من المياه المالحة التي تسبب في كثير من الأحيان حدوث الأوبئة التي فتكت بالمدن في تلك الفترات، ويعدُّ الساحل السوري جزءاً منها، كونهم أقاموا مدنهم على خطوط السواحل، وفيها قاموا ببناء القنوات لجر المياه من الينابيع الموجودة عند التقاء الجبال بالسهل الساحلي وإيصالها إلى كل من "طرطوس" و"عمريت" وبانياس" وغيرها من المدن على امتداد الساحل السوري، أيضاً بناء قنوات أخرى بهدف جر المياه المالحة من تلك المدن والمنشآت الصناعية التابعة لها إلى أماكن مخصصة للتخلص منها وبالتالي المحافظة على سلامة السكان ونظافة مدنهم».

في محافظة "طرطوس" ما تزال العديد من القرى تستفيد من قنوات المياه الرومانية إما لغرض الشرب أو سقاية الأراضي الزراعية أو لتجميع مياه الأمطار خاصةً في المناطق التي تعاني من شحها صيفاً، ومن هذه القرى "نعنو" في ريف "القدموس" والتي تحتوي على عدة ينابيع ما تزال مستخدمةً من قبل الأهالي حتى يومنا هذا، وهي عين "الجرن" الأثري، وعين "الحورة" وهما عبارة عن قناة وبركة أثرية من الفترة الرومانية، أيضاً في قرية "الكريم" في ريف "حمام واصل" يوجد جسر الحاج حسن" على نبع يحمل الاسم نفسه، وقد استخدم لتسهيل وصول مياه النبع بين منطقتي "القدموس" و"الشيخ بدر" وهو يعود تاريخياً إلى الفترة ذاتها، بالإضافة إلى غيرها من القنوات والينابيع والبرك الأثرية كنبع "الذهب" القديم في مزرعة "بيت النبع" على كتف "جبل "زغرين"، وقد كشفت التنقيبات الأثرية في العامين 1991 و1992 في كل من "عمريت" و"بانياس"، عن وجود شبكات من الأقنية المائية التي تعود للفترة الرومانية، تدل على درجة كبيرة من الأهمية، وعلى مستوى حضاري ممتاز، وكانت هذه الأقنية تتوزع بين المنشآت السكنية، منها ما يستخدم للمياه العذبة، وقنوات أخرى للمياه المالحة، والبعض منها يكسوها الطين ومغطاة بالحجارة، والبعض الآخر جوانبها ذات إفريز من جهة ومن الجهة الأخرى لها حروف يستند عليها غطاء فخاري، وأرضيات بعضها كانت مبلطة ببلاطات حجرية مشغولة أو فخارية.

جسر "الحاج حسن"

يقول أ."بسام وطفة" معاون رئيس دائرة آثار "طرطوس" عن موقعي "عمريت" و"بانياس": بالنسبة للأقنية الرومانية في المرفأ البحري في "عمريت" الواقع جنوب نهر "ماراتوس" غرب نهر "الحياة"، فقد تم الكشف عن المرفأ في العام 1992، ويشكل صلة وصل بين "عمريت" و"أرواد" وبقية الموانئ البحرية العالمية، وقد كُشف فيه عن قناة مائية عائدة للفترة الرومانية، تصل إليه من نبع "الحياة" بطول 268 متراً، وهي محفورة في الأرض ومبنية من الحجر الرملي المنحوت من القطع الكبير، يبلغ عرضها حوالي سبعين سنتيمتراً وبعمق مترين، مقبية ببلاطات حجرية رملية منحوتة طولها خمسة أمتار، وعرضها حوالي سبعين سنتيمتراً، أما سماكتها فتبلغ حوالي الثلاثين سنتيمتراً، مازال قسم منها موجوداً أما الآخر فتمت إزالته، والأرضية كانت مبلطة ببلاطات حجرية مشغولة، وقد كانت هذه القناة في تلك الفترة تغذي المرفأ بالمياه اللازمة.

وفي حديثه عن الموقع الآخر الواقع في الكورنيش الشمالي لمدينة "بانياس" فقد قال: تم الكشف عن أرضية حمام فسيفسائية من الفترة الرومانية، وعدد من الأقنية الفخارية المترابطة التي كانت تزود الحمام بالمياه الحلوة، أيضاً تم الكشف عن (ريكارات) حجرية منحوتة من الحجر الرملي، وتشكل عقدة الوصل والتوزيع لهذه الأقنية والرابط لها، كما تم الكشف أيضاً عن أنابيب حجرية رملية منحوتة ولها شكل أسطواني ومن الواضح أنها كانت مخصصةً للمياه المالحة.

قنوات الري الرومانية "عمريت"

يذكر أنّ اللقاءات أجريت بتاريخ 12 كانون الأول 2020.