ذكريات الماضي والأيام الخوالي والسنين التي تجاوزت بعددها حاجز الـ/100/ عام تركت خلف كل تجعيدة من تجاعيد وجه المعمرة "زمزم عبيد الطه" قصة من قصص حياة عاشتها بكل قساوتها ومعاناتها لتحمل في ذاكرتها شريطاً طويلاً من تفاصيل تلك الحياة.

الأحداث التي عاشتها المعمرة "الطه" والتي لم تسأم خلالها تكاليف الحياة فترى الابتسامة على وجهها بشكل دائم وخاصة عند الحديث عن ذكريات الماضي وحكاياته، كانت محور حديثها مع موقع "eSyria" الذي زارها بتاريخ "1/1/2012" في منزلها في قرية "الدويلة" التي تقع في قمة جبل "الوسطاني" أو ما يعرف بجبل "الدويلة" على ارتفاع أكثر من 800 متر عن سطح البحر إلى الغرب من مدينة "أرمناز" فحدثت عن تلك السنين بحلوها ومرها والتي لا تزال تعيش في مخيلة "أم عبيد" حيث قالت:

الطعام كان بسيطاً ويعتمد على ما نزرعه من نباتات وخضار ومحاصيل القمح والعدس والحمص وعلى منتجات الحيوانات التي نربيها من حليب ولبن والسمن العربي الذي كنا نصنعه حيث غالباً ما كنا نعتمد على "البرغل" في صناعة معظم المأكولات يومياً

«لقد كانت حياتنا قاسية وصعبة وعانينا الكثير من الظروف الصعبة ولم نكن نحصل على لقمة العيش بالأمر السهل، فقد عملت على الاهتمام بأولادي الأربع وتأمين مستلزمات حياتهم بعد وفاة زوجي حيث كنت أقوم بتربية الأغنام والأبقار وبنقل الحليب واللبن على كتفي والسير على الأقدام لأكثر من ثلاث ساعات عبر طريق جبلي للوصول إلى "أرمناز" أو إلى "كفرتخاريم" وأيضاً نقل مياه الشرب من بئر القرية إلى البيت وكذلك العمل في الأرض وزراعة القمح والشعير والحصاد ونقل التبن وتخزينه لفصل الشتاء لتغذية الأبقار والأغنام التي كانت مصدراً رئيسياً في حياتنا أنا وأولادي».

مع بعض أحفادها

وعن الطعام الذي كانت تتناوله قالت: «الطعام كان بسيطاً ويعتمد على ما نزرعه من نباتات وخضار ومحاصيل القمح والعدس والحمص وعلى منتجات الحيوانات التي نربيها من حليب ولبن والسمن العربي الذي كنا نصنعه حيث غالباً ما كنا نعتمد على "البرغل" في صناعة معظم المأكولات يومياً».

كما كان لسهرات الماضي حيزاً في ذاكرتها والتي استرجعتها بالقول: «السهرات الريفية كانت يومية وفيها يجتمع أفراد العائلة والأقارب على أسطح المنازل في فصل الصيف وحول مدافئ الحطب في الشتاء وعلى ضوء "الفانوس" أو "الفتيل" وتدور فيها الأحاديث والحكايات الشعبية والقصص والأخبار التي كانت تصلنا عن جيراننا من القرى المجاورة والقريبة منا في حين كانت مأكولات السهرة وحلوياتها تقتصر على بعض "الزبيب" والتين اليابس الذي يصنع منه التين بعجين وما هو موجود من مؤونة البيت الذي كنا نرفعه من فصل الصيف».

أمام بقايا بيتها القديم

ويؤكد "أحمد" وهو الابن الأصغر لها: «حالياً تقضي أيامها بين أولادها وأحفادها الذين تجاوز عددهم 50 شخصاً وعلى الرغم من تجاوز عمرها مئة عام إلا أنها تتمتع بصحة جيدة وأنها قليلاً ما تزور عيادة طبيب كما أنها تتميز بقوة ذاكرتها وسلامة حواسها حيث إنها تسمع وترى وتستطيع التمييز بين الأشخاص ومعرفة أحفادها وأسمائهم جميعهم كما أنها تتمتع بهمة عالية تمكنها من الحركة في أرجاء البيت والقيام ببعض الأعمال المنزلية والاعتماد على ذاتها دون الحاجة لمساعدة أبنائها أو أحفادها وأن ما يميزها حب الاستقلالية وعدم الاتكالية حيث لا تزال تصر على إعداد طعامها بنفسها وكذلك غسل ثيابها وهي تتناول جميع أنواع الأطعمة مع تفضيلها للأكلات الشعبية القديمة التي اعتادت على تناولها».

ويرى "محمد العمر" مختار القرية: «الحياة القاسية التي عاشتها "أم عبيد" زرعت لديها الإرادة والعزيمة خاصة أنها أكملت مشوارها في الحياة وحيدة بعد وفاة زوجها بشكل مبكر لترعى شؤون أبنائها وكلها عزيمة وإصرار لم تحد منها قسوة ظروف الحياة وشظف العيش في مثل هذه البيئة الجبلية الفقيرة ولكنها استطاعت بكدها وتعبها وتصميمها أن ترى أولادها يكبرون أمامها في بيتها الريفي المتواضع القديم والذي لا يزال يشكل جزءاً من البيت الحالي وهو مؤلف من غرفة واحدة بسقف خشبي وبجوارها الإسطبل والتنور الذي كانت تصنع به الخبز لأسرتها بعد أن تقوم بجمع الحطب وصنع العجين قبل طلوع الشمس».

القيام بالأعمال المنزلية وخدمة نفسها بنفسها

وقال حفيدها "محمد": «غالباً ما نجتمع أنا وإخواتي وأبناء عمي حول جدتنا لنستمع إلى أحاديثها وحكاياتها وقصصها عن أيام زمان التي عاشتها وعن تاريخ القرية وسكانها والأحداث التي مرت عليها وكيف كانت تقضي أيامها والأعمال التي كانت تقوم بها والتي يعجز الكثير من أهل وقتنا الحاضر القيام بها».