لم تحقق له المناهجُ المدرسية طموحَه، فترك الدراسة بعد حصوله على الإعدادية، واتجه للبحث في علم الكيمياء والفيزياء، ما أهّله لاختراع (الإنبيق)، ليكون أوّلَ مخترعٍ للمرايا في "حماة".

مدوّنةُ وطن " eSyria" وبتاريخ 17 آذار2020 التقت المهندس المدني "غسان النجار" ابن المخترع الراحل "نجيب النجار" ليحدثنا عن والده قائلاً: «ولد أبي في عائلة ميسورة الحال، حيث كان جدي نجاراً له ورشة قائمة مقابل ثانوية "السيدة عائشة" في "حماة"، ترك والدي المدرسة بعد الإعدادية، وعمل بالنجارة العربية مع عمي "محمد" إلى جانب عمله بالبحث العلمي في الكيمياء والفيزياء، فاقتنى الكتب واستعار النفيس الذي يروي عطشه للمعرفة، وبعد أن نضجت خبرته، استقل عن أخيه عام 1942 في مهنة النجارة، ليستأجر محلاً في زقاق "الشيخ معروف"، وجعله مختبراً لتجاربه، وصنع الصابون لأربع سنوات حتى عام 1946 لتغطية النفقات المكلفة في تجاربه لصناعة المرايا، كان يغطي فيها حاجة مدينة "حماة" من الصابون».

لم يشأ أبي أن يعلمنا هذه المهنة خوفاً علينا من أخطارها، ودفعنا للتحصيل العلمي، فدرس اثنان منا الطب البشري، وأنا درست الهندسة المدنية، وأختي الوحيدة تزوجت بعد حصولها على الثانوية العامة، لذلك كنا نرافقه لزيارة المعمل، ونجلس بعيداً نراقب ما يصنع

وعن صناعة المرايا يتابع الابن قائلاً: «في البداية اخترع أبي (الإنبيق) وهو جهاز لاستخراج الماء المقطر لزوم صناعة المرايا، وهو أول جهاز يصنع في "حماة" بعد مئات التجارب التي أجراها، والتي كلفته أموالاً طائلة توصّل بعدها للخلطة المناسبة بنسبها التي يتم بها صناعة مادة طلاء المرايا، والتي توضع على الزجاج، والمكونة من أوكسيد الألمنيوم وثاني أوكسيد السيليكون والزئبق والطلاء الفضي والذهبي، وبعد نجاح تجاربه استطاع صناعة أول مرآة عام 1947، وباشر بعدها بالتصنيع بالجملة وتسويقها في "حماة"، ثم وسّع عمله واستأجر محلاً آخر مقابل "البوسطة العتيقة" لعرض منتجاته من المرايا، وإطارات الصور واللوحات والزجاج، وحصل على براءة اختراع عام 1955 من غرفة الصناعة السورية، لكن للأسف سُرقت الكتب والأوراق والوثائق في أحداث 1982، وخُرّب جهاز (الإنبيق) والمكنات الثابتة في المعمل كمكنات الجلخ لحواف البلور وتنعيمها بعروض مختلفة، وكذلك مكنات الحفر والزخرفة بالألوان والأشكال الهندسية المختلفة على البلور، ولكن بعد هدوء الوضع أصلحها من جديد، وعاد للعمل حتى عام 1988».

البلور الذي رممه نجيب النجار

ويضيف المهندس "غسان" عن نشاطات والده الراحل قائلاً: «شارك أبي بمعرض "دمشق الدولي" لعدة سنوات على التوالي منذ عام 1954 وحتى عام 1962، وكانت صناعاته تباع في المعرض، وشارك في "لبنان" بمعرض في شارع "مراد" في "بيروت" عام 1959، ومعرض "إيتوال" أيضاً في "بيروت" عام 1962، حيث كان ينقل المعروضات بالقطار خوفاً عليها من التكسير، وقام بترميم مرايا متحف "حماة"، و"قصر العظم" عام 1958 والتي ما زالت على حالها حتى الآن».

ويتابع: «لم يشأ أبي أن يعلمنا هذه المهنة خوفاً علينا من أخطارها، ودفعنا للتحصيل العلمي، فدرس اثنان منا الطب البشري، وأنا درست الهندسة المدنية، وأختي الوحيدة تزوجت بعد حصولها على الثانوية العامة، لذلك كنا نرافقه لزيارة المعمل، ونجلس بعيداً نراقب ما يصنع».

المهندس غسان النجار

المحامي "معتز برازي" الذي دوّن في جريدة "الفداء" (أعلام في سطور) عن الراحل "نجيب النجار" قال: «توفي والده وهو صغير، وعمل بالنجارة العربية مع أخيه، مارس المهنة منذ نعومة أظفاره فكان عصامياً ومميزاً وجدياً بأفكاره وأفقه الواسع وسابقاً لعصره، وكان مثال التفاني وحب الناس والعائلة والأقارب ويصل رحمه، ومحبوباً من الجميع لرجاحة عقله وطيبته ولطفه ومرحه.

أتقن اللغة الفرنسية بطلاقة، وعمل بصناعة الصابون وصمم (الإنبيق) لصناعة المرايا التي أبدع فيها، وترك بصماته في "قصر العظم" الذي رمم بلوره، وما زال شاهداً على دقة عمله، وفي عام 1970 توفي أحد أولاده بمرض عضال وهو بعمر الخامسة عشرة فحزن عليه كثيراً، عمل بشغف منقطع النظير، وعاد لمعمله بعد تخريبه ونهبه عام 1982، وبقي فيه حتى عام 1988 حيث بلغ السادسة والستين عاماً وتوقف بسبب فتح باب الاستيراد ودخول البضاعة الصينية ومادة البلور، واقتصر عمله على تلبية طلبات النجارين في تأمين مرايا لغرف النوم، وبيع البلور الأجنبي».

المحامي معتز البرازي

يذكر أنّ المخترع "نجيب النجار" من مواليد "حماة" 1922 وتوفي عام 1996، إثر حاث سير أليم.