يعتمد "نذير شيخ محمد" الملقب فنياً بـ"نذير كرداغي" في عزفه على آلة "الطنمبورة" الألحان التراثية من منطقة "عفرين"، ويقدمها في حفلاته بدقة وأمانة كاملة، بأسلوب عفوي وجذاب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 أيار 2018 الفنان "نذير كرداغي"، الذي بدأ حديثه قائلاً: «أنا من أبناء منطقة "عفرين" الواقعة في أقصى الشمال الغربي لمدينة "حلب"، التي تتميز بطبيعتها الجبلية الخلابة، حيث تداخل الجبل مع السهل والهضاب، والتي تفترشها غابات لا تنتهي من أشجار الزيتون، وطبيعة شعبها النشط التواق إلى العمل وحب الحياة. ضمن هذه البيئة الرائعة ولدت في بيئة اجتماعية متديّنة ومحافظة، وأذكر في هذا السياق أن شقيقي الأكبر هو أول من أدخل آلة "الطنبورة" إلى قريتنا، وقد لاقى معارضة شديدة، ليس من الأهل فحسب، بل من كل كبار السن في القرية، وذلك في بداية ثمانينات القرن الماضي.

تعدّ الموسيقا الشعبية أهم مصادر الإبداع لدى أي فنان، ومن هذا المنطلق يجب الاهتمام بها، وذلك بإحياء التراث الموسيقي الشعبي الأصيل، والحفاظ عليه وجمعه وتدوينه وتقديمه بطريقة أفضل وصورة نقية لا تسيء إليه

ولطبيعة الحفلات بوجه عام وحفلات الأعراس في منطقة "عفرين" تأثير كبير؛ حيث جذبتني إلى آلة "الطنبورة"، أذكر منذ نعومة أظفاري أن هذه الآلة لم تغب عن أي سهرة أو حفلة، وأدركت فيما بعد أن أغلب أبناء منطقتنا يعزفون عليها لدرجة يكاد لا يخلو بيت في "عفرين" إلا و"الطنبورة" تزين صدر إحدى الغرف. ومع مرور الزمن تكوّن لدي تصور أنه لولا الحياء لاستخدمها أهاليها في أتراحهم كما يستخدمونها في أفراحهم لشدة تعلقهم بها».

مع نجدت أنزور أثناء ملتقى البزق

وأضاف: «كل الأغاني الشعبية المسجلة من زمن بعيد ترافقها آلة "الطنبورة" حصراً، ومنها أغاني الفنانين العمالقة من جيل الرعيل الأول لمنطقة "عفرين"، أمثال: "أوديك وحسن نازي"، و"جميل هورو"، و"رشيد معم جوجانه"، و"بيتاز وعلي كوبه"، و"محمد علي تجو"، و"عمر جملو"، وغيرهم، هؤلاء لهم التأثير الأكبر في تعلقي بهذه الآلة، ولا سيما معظم أغانيهم تتحدث عن قصص التراث الشعبي الغنية المتوغلة في وجدان أبناء المنطقة، التي تناقلوها جيلاً بعد جيل، والتي تحكي أغلبها عن قصص الحب والعشق وغيرها من المواضيع، وهكذا توغلت هذه الآلة في وجداني».

عن كيفية تعلمه العزف، قال: «جاء ذلك نتيجة شغفي وحبي اللامحدود لـ"الطنبورة"، لهذا انتهزت أي فرصة لوجودها في أي مكان قبل أن أقتنيها، وكنت أحاول العزف عليها، وتقليد نغمة أو معزوفة ما؛ أي كان تعلمي بالعزف عليها نتيجة جهد شخصي بالدرجة الأولى، وما ساعدني على ذلك وجودها في أغلب بيوت الأصدقاء، ولا أنكر الفضل لبعضهم ممن صقلوا هذه الموهبة الفنية لديّ، ولا سيما بعد أن أسست فرقة موسيقية غنائية تحت اسم "شيار" عام 1991 بمدينة "حلب"، وتمكنّا من إصدار ألبوم غنائي وحيد، غلبت على مجمل أغانيه طابع الأغنية الملتزمة».

رازبا ناناس

وعن سبب تعلقه بالتراث الموسيقي الشعبي، قال: «تعدّ الموسيقا الشعبية أهم مصادر الإبداع لدى أي فنان، ومن هذا المنطلق يجب الاهتمام بها، وذلك بإحياء التراث الموسيقي الشعبي الأصيل، والحفاظ عليه وجمعه وتدوينه وتقديمه بطريقة أفضل وصورة نقية لا تسيء إليه».

شارك "كرداغي" في عدد من الملتقيات لآلة "البزق" في "دار الأسد"، وقدم فيها مجموعة من الألحان التراثية على آلة "الطنبورة"، وضمن هذا السياق قال: «شاركت في الملتقيات؛ الرابع والخامس والسادس والسابع لآلة "البزق"، والعائلة إلى جانب نخبة من كبار الفنانين ينتمون إلى مختلف مناطق الفسيفساء السوري الجميل. وجدت في الملتقى أهمية خاصة، لإقامته في دار "الأوبرا" وعرضه على الجمهور من خلال القنوات التلفزيونية الرسمية، وجدت فيه فرصة لأعرّف الحضور بتراث منطقتي، لهذا كنت أختار دائماً بعض المعزوفات من التراث الموسيقي الشعبي المتوغلة في الوجدان، حيث قدمت مقطوعات موسيقية معروفة بين كافة أبناء منطقة "عفرين"، فضلاً عن بعض التقاسيم على مقامات مختلفة. ولا يخفى على أحد أن آلة "البزق" لاقت حتى قبل إقامة الملتقى الاهتمام الكافي من خلال تقديمها في أغلب الفرق الموسيقية العريقة. أما بالنسبة لآلتي "الطنبورة" و"الباغلمة"، فيا للأسف لغاية تاريخه لم تلقيا أي اهتمام رسمي حتى من قبل وسائل الإعلام الرسمية والمعاهد الموسيقية، وأظن أنه آن الأوان أن تدخل مثل هذه الآلات الوترية الجميلة ضمن التخت الشرقي؛ لما تملكه من إمكانيات بأداء بعض من المقطوعات الموسيقية الجميلة».

شهادة تقدير

وعن أهمية آلة "الطنبورة" في موسيقا المنطقة عموماً، قال: «تعدّ آلة "الطنبورة" من الآلات الموسيقية الوترية القديمة قدم شعوب المنطقة الشرقية، واستعملتها قديماً أغلب هذه الشعوب، حيث وجدت لدى الفراعنة في "مصر"، كما شوهدت لها الكثير من الصور في حفريات آثار "السومريين" و"الأكراد"؛ أي إنها متوغلة في تاريخ المنطقة، وقد شهدت من خلال تقدم وتطور هذه الشعوب تطورها أيضاً، حتى أصبحت على شكلها الحالي المعروف؛ لهذا أجد أهمية كبيرة لهذه الآلة وتميزها عن باقي الآلات الوترية، حيث حافظت على الروح الأصيلة للتراث الموسيقي الشعبي لأغلب الشعوب حولنا، ولها الفضل الكبير في انتقال التراث الغنائي الشعبي من جيل إلى جيل، ولولا وجودها لما وصلنا الكثير من الأغاني القديمة، خاصة التي تحمل الطابع الملحمي الطويل، وأظن أنه لم تستطع أي آلة موسيقية مواكبة هذا اللون الملحمي من الغناء كما قامت به آلة "الطنبورة"».

"رازبا ناناس"، موسيقي، ومدير معهد "دامون" للفنون، قال عن "كرداغي": «عرفته عن قرب من خلال ملتقى البزق، يتميز عزفه بعفوية روحه النبيلة، تصل إليك مشاعره من خلال ذاكرة الوعي الذي ينتمي إليه، وعلى الرغم من وعيه الفكري وأناقته، إلا أنه ينتمي حتى العظام بروحه وحسه الجمالي إلى الجبال وغابات الزيتون الذي انجبل مع روحه، يميل في عزفه إلى الموروث الموسيقي لمدرسة المخضرم "علي تجو".

يقنعني بعزفه ومرونة أوتاره من دون تشنج، وعلى الرغم من وعيه المميز، لم يغادر روحه الريف ورائحة الزعتر والزيتون، وأنا شخصياً يعجبني جداً هذا النمط الموسيقى الغني، مع بساطة القوالب الموسيقية، ولا أتحيز في تذوقي لأي مدرسة فنية باستثناء الموروث، كخزان ومصدر، وبرأيي، هو الجد الأول لكل أنواع الموسيقا في العالم».

يذكر أن الفنان "نذير كرداغي" من مواليد "عفرين" 1971.