تعدّ حصيلة عمليات بيع وتصنيع ثمار العنب التي تنتجها أشجار الكرمة في منطقة "عفرين" مصدر دخل مهم لمئات الأسر الريفية، وتساهم في تحقيق عيش كريم ومستقر لهم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 حزيران 2016، المزارع "إبراهيم شيخو"، فتحدث حول أهمية زراعة الكرمة في حياة الناس قائلاً: «تعد زراعة الكرمة في المنطقة قديمة جداً، ولعبت عبر التاريخ دوراً اقتصادياً كبيراً في حياة السكان. واشتهرت "عفرين" -وما زالت- بإنتاج أجود أنواع العنب على مستوى محافظة "حلب" وعموم "سورية"، لكن حالياً تراجعت نسبة زراعتها من حيث العدد والاهتمام والإنتاج إلى المرتبة الثانية بعد زراعة الزيتون.

إن عمليات تصنيع ثمار العنب بتحويلها إلى منتجات غذائية محلية تحولت مع الزمن إلى مهنة رئيسة لمزارعي الكرمة؛ لكونها توفر لهم مداخيل وفيرة ولا تحتاج تلك العمليات سوى إلى مواد أولية منزلية ورخيصة ويد عاملة مجانية (صاحب الأرض)

تتميز شجرة الكرمة بأنها ذات إنتاج وفير، ويستفيد المزارعون اقتصادياً من أوراقها وثمارها في مرحلتي نضج ثمار "الحصرم" و"العنب"، وكذلك في مجال تصنيع ثمارها منزلياً وتحويلها إلى أغذية وحلويات لذيذة وصحية قبل نقلها إلى الأسواق المحلية؛ لذا هي -أي شجرة الكرمة- توفر للسكان دخلاً سنوياً مهماً».

"ألماس عمر" تعد "الباستق"

وأضاف "شيخو": «إن عمليات تصنيع ثمار العنب بتحويلها إلى منتجات غذائية محلية تحولت مع الزمن إلى مهنة رئيسة لمزارعي الكرمة؛ لكونها توفر لهم مداخيل وفيرة ولا تحتاج تلك العمليات سوى إلى مواد أولية منزلية ورخيصة ويد عاملة مجانية (صاحب الأرض)».

وحول أهمية ما تنتجه أشجار الكرمة قال: «خلال الشهرين الرابع والخامس من كل عام تقوم النسوة بقطف أوراق أشجار الكرمة وعناقيد "الحصرم" لتسويقها في البازارات الأسبوعية المحلية في المنطقة، أو تسويقها إلى أسواق الهال في "عفرين" ومدينة "حلب" وعبرها إلى باقي المحافظات السورية.

إعداد دبس العنب

تنتج المنطقة مئات الأطنان من مادتي "ورق العنب" و"الحصرم" سنوياً ليتم تصريفها بالكامل وبأسعار جيدة بسبب شهرتها في الأسواق السورية لكونها بعلية ولا تتم سقايتها، وهنا أود أن أذكر أنّ لأوراق العنب و"الحصرم" حضوراً اجتماعياً تقليدياً في حياة الناس، حيث تقوم جميع الأسر بشراء حاجاتها من هاتين المادتين سنوياً لحفظهما كمئوونة منزلية، لذلك تشهد الأسواق خلال مدة نمو الأوراق ونضج حبات الحصرم ازدحاماً كبيراً؛ وهذا يؤثر في ارتفاع الأسعار ويحقق للمزارعين مردوداً موسمياً لا بأس به».

وحول عمليات تصنيع ثمار العنب وأهميتها الاقتصادية قالت "ألماس عمر" من سكان "عفرين": «تعتمد مئات الأسر في المنطقة ما تنتجه أشجار الكرمة من ثمار "العنب" لبيعها طازجة أو معالجتها منزلياً قبل تسويقها بأسعار جيدة.

إعداد السجق "الملبن"

إن تصنيع حلويات تقليدية ومواد غذائية من ثمار "العنب" كانت تتم قبل نحو 30 عاماً من قبل النسوة الريفيات بهدف الحفظ المنزلي فقط، ومع ازدياد الطلب عليها في الأسواق السورية والعالمية أصبحت هذه العملية مهنة تجارية تحقق فوائد اقتصادية كبيرة للمزارعين.

يعود السبب الأساسي في ازدياد الطلب على هذه المنتجات الغذائية الطبيعية إلى استعمالها بدلاً من الأغذية العصرية والوجبات السريعة التي تضر بالصحة أكثر ما تنفعها، كذلك يتم شراؤها من قبل الناس بناء على الوصفات الطبية لاستعمالها كدواء مفيد في العديد من الأمراض».

وحول أهم هذه المنتجات الغذائية التقليدية قالت: «يتم تصنيع عدد من المواد الغذائية من مادة "العنب"، وأهمها: "دبس العنب" أو كما يسمى محلياً "الدبس الحلو" و"السنجق" و"الباستق" و"كيسمة" و"الزبيب" وغيرها، وهي منتجات طبيعية لا تدخل في تركيبها أي مادة صناعية كالسكر وملح الليمون وغير ذلك».

وختمت: «إن ما توفره هذه المنتجات من دخول للمزارعين يفوق كثيراً ما توفره ثمار "العنب" الطازجة؛ لذلك نحن في الريف نقوم بتنظيم العملية التجارية والتصنيعية لثمار "العنب"، حيث نقوم بتسويق العناقيد الطازجة في الأسواق المحلية، بينما نعمل على تجميع الحبات التي تتساقط خلال عملية الجني أو التي أصبحت لينة بغية معالجتها وتحويلها إلى مواد غذائية متنوعة؛ لتحقيق الاستفادة القصوى منها تجارياً واقتصادياً وتأمين موارد مالية كبيرة لأسرنا تساعدنا على خلق حياة كريمة».

الباحث في شؤون منطقة "عفرين" الدكتور "محمد عبدو علي" قال حول زراعة الكرمة في المنطقة: «تشتهر منطقة "عفرين" بزراعة الكرمة والزيتون منذ العصور الإغريقية، حيث استمرت زراعتها في محيط القرى والمساحات الجبلية ومسطحات الأودية لأغراض الاستهلاك المنزلي، ولم تدخل في مجال الاستثمار الاقتصادي إلا بعد زوال الاحتلال العثماني، حيث انتعشتا.

في العقد الرابع من القرن العشرين زُرع في المنطقة نحو 280 ألف شجيرة كرمة، ومنذ تلك الفترة بدأت تظهر بساتين الكرمة في "سهل جومة" الذي كان مغطى بالأعشاب، وبحسب الأرقام الإحصائية التقديرية لمصلحة زراعة "عفرين" ورابطة اتحاد الفلاحين فيها؛ بلغ عدد شجيرات الكرمة في المنطقة نحو 220 ألف شجيرة؛ لذا قام بعض التجار بإنشاء عدد من المعامل لإنتاج مشروب "العرق" من عصير العنب، وأقدمها "معمل عرق عفرين"؛ الذي أسّس عام 1927، وما زال يعمل حتى يومنا هذا.

تنمو شجيرات "العنب" في المنطقة بعلاً بالاعتماد على مياه الأمطار؛ لذا فهي لا تحتاج إلى مصاريف كبيرة للحصول على الثمار، وأهم أنواعها: "دوكل غان"، و"شية"، و"حمصي"، و"القيسي"، وغير ذلك».

وختاماً، قال: «تُستعمل أوراق الكرمة للطبخ كوجبة "اليبرق"، أما "العنب" فتُصنع منه مواد غذائية عديدة كانت وما زالت تمثل العمود الفقري لغذاء الأسرة السورية، ويمتهن الكثيرون من المزارعين حالياً مهنة تصنيع ثمار "العنب" ومعالجتها منزلياً بهدف بيعها وتسويقها للحصول على موارد مالية جيدة، ويمكننا القول إن هذه المواد الغذائية المصنعة محلياً تساهم كثيرا في زيادة دخل المزارعين وأسرهم، وهي صناعة محلية رائجة اليوم تعمل بها مئات الأسر».