عزيزي القارئ، في هذا القصر الذي ترى صورته جانباً والذي يُسمى "قصر الملك الظاهر غازي" أو "دار العز" تزوجت الملكة الحلبية الشهيرة "ضيفة خاتون" من ابن عمها الملك "الظاهر غازي"، تلك المرأة التي استطاعت قيادة "حلب" في يوم من الأيام بحكمة واقتدار وتركت بصمة واضحة في حياة المدينة في المجالات الاجتماعية والعمرانية وغيرها.

في البداية وحول هذا القصر الذي شهد عرس ملكة "حلب" يقول المؤرخ "عامر رشيد مبيض" لموقع eSyria: «عندما تزوج الملك "الظاهر غازي" في 11 جمادى الأولى سنة 609 هجرية / 9 تشرين الأول من العام 1212 ميلادية من ابنة عمه "ضيفة خاتون" التي حكمت "حلب" بعد وفاته، وخلال حفلة الزفاف احترق القصر وجميع ما فيه من سجاد ومزهريات مذهّبة ومجوهرات وأثاث وأوان وأشياء أخرى.

تورد الكثير من المصادر اسمها /"صفية"/ والصحيح في اسمها هو "ضيفة" والسبب في التسمية كما يقول "أبو الفداء" في تاريخه 3/171 /لما وُلدت كان عند أبيها "العادل" ضيف فسماها "ضيفة"/

بعد هذا الحريق الذي أتى على القصر /"دار العز"/ أمر الملك الظاهر بتجديد عمارته وسماها "دار الشخوص" أي /الصور/ بسبب وفرة الرسومات النباتية المستعملة في تزيين جدرانه أو لكثرة الزخرفة فيه».

جامع الفردوس

هذا هو القصر الذي شهد زفاف الملكة، ولكن ماذا عن شخصية العروس نفسها؟ وكيف استطاعت أن تحكم "حلب" ومتى؟

هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها الكثير من المؤرخين، فلنبدأ ما يقوله الأستاذ الباحث "عبد الله حجار" لموقعنا: «وُلدت "ضيفة خاتون" في العام 1186 ميلادية في "قلعة حلب" حيث كان يسكن فيها والدها "الملك العادل" ولأنه/ أي والدها/ كان يستقبل يوم ولادتها ضيفاً فقد أسماها تيمّناً /"ضيفة"/ خاتون التي جمعت المجد في شخصيتها فكانت ابنة ملك /والدها كان "الملك العادل"/ وزوجة ملك /زوجها كان الملك "الظاهر غازي"/ وأم ملك / ابنها كان الماك "العزيز محمد"/».

الأستاذ عبد الله حجار

ويضيف: «في العام 1212 ميلادية تزوجت "ضيفة خاتون" من ابن عمها الملك "الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي" وولدت له في السنة التالية ولده "العزيز محمد" الذي أصبح ملكاً لمدينة "حلب" بعد وفاة والده في شهر تشرين الأول من العام 1216 ميلادية، وفي شهر تشرين الثاني من العام 1236 ميلادية توفي الملك "العزيز محمد" مخلّفاً ولده الملك "الناصر يوسف" والذي كان عمره حينها سبع سنوات ولذلك أصبحت جدته "ضيفة خاتون" وصية عليه لمدة ست سنوات /حكمت خلالها "حلب"/، وفي شهر تشرين الثاني من العام 1242 ميلادية توفيت "ضيفة خاتون" بعد أن حكمت "حلب" لمدة ست سنوات ودُفنت مع زوجها في "المدرسة السلطانية" الواقعة أمام "قلعة حلب"».

وحول أهم ما تركته "ضيفة خاتون" في المجال العمراني في مدينة "حلب" يقول الأستاذ "حجار": «تُعتبر "مدرسة الفردوس" وهي من أكبر مدراس "حلب" /أبعادها 55x44 متر/ وقد قامت ببنائها الملكة "ضيفة خاتون" في ضاحية "حلب" الجنوبية أيام وصايتها على حفيدها "يوسف" وذلك في العام 1235 ميلادية، وتتميّز بمحرابها الرائع بألوان حجارته الرشيقة والمتميّزة وتيجان أعمدتها التي تزيّن بعضه أوراق النباتات الناعمة وبركتها المثمّنة ذات الفصوص الداخلية والخاصّة بالمباني الأيوبية ومئذنتها القصيرة وارتفاع أعمدة أروقتها المساوية إلى المسافة بين كل عمودين أي 4.35 أمتار».

ويقول "محمد خير رمضان يوسف" في كتابه /المرأة الكردية في التاريخ الإسلامي/ -"دار القادري" للطباعة والنشر والتوزيع 1992- "بيروت" ما يلي حول شخصية الملكة "ضيفة خاتون": «تورد الكثير من المصادر اسمها /"صفية"/ والصحيح في اسمها هو "ضيفة" والسبب في التسمية كما يقول "أبو الفداء" في تاريخه 3/171 /لما وُلدت كان عند أبيها "العادل" ضيف فسماها "ضيفة"/».

ويضيف: «كان عرسها مشهوراً، ففي سنة 609 هجرية اصطلح الملك "الظاهر" مع عمه "العادل" وتزوّج بابنته وكان العقد بوكالتين على خمسين ألف دينار وبُعثت إلى "حلب" في الحال /حيث كانت تقيم في "مصر"/ وخرج حينها الملك "الظاهر غازي" إلى "دمشق" للقائها وكان جهازها على ثلاثمائة جمل وخمسين بغلاً ومعها مائتا جارية، ولما أُدخلت على الملك "الظاهر" قدّم لها خمسة عقود جواهر قيمتها ثلاثمائة وخمسون ألف درهم وأشياء نفيسة، وكان الملك "الظاهر" قد تزوج قبلها من أختها "غازية" وعندما توفيت تزوج من أختها "ضيفة"».

وحول حكمها لمدينة "حلب" كملكة يقول: «لقد كانت "ضيفة خاتون" ملكة جليلة عاقلة تصرّفت تصرف السلاطين في حكم "حلب" وذلك بعد وفاة ابنها "العزيز" حيث نهضت بالملك أتم نهوض بعدل وشفقة وبذل وصدقة لمدة ست سنوات حيث أزالت المظالم والمكوس في جميع بلاد "حلب"، وكانت تؤثر الفقراء وتحمل إليهم الصدقات الكثيرة، وقد أنشأت في "حلب" مدرسة وجامع "الفردوس" وجعلتها تربة ورباطاً في العام 633 هجرية ووقفت عليها أوقافاً عظيمة ورتبت فيها خلقاً من القراء والفقهاء والصوفية كما ينسب إليها "خانقاه ضيفة خاتون" حيث بنته في العام 635 هجرية الواقع اليوم في "محلة الفرافرة" أمام "جامع الزينبية" و"مدرسة الهاشمية". وفي ليلة الجمعة 11 جمادى الأولى سنة 640 هجرية /العام 1242 ميلادية/ توفيت "ضيفة خاتون" ودُفنت بقلعة "حلب" حيث أُغلقت لموتها أبواب المدينة لمدة ثلاثة أيام».