"نجيب الجلبي" فنان تشكيلي سوري أبدع منذ صغره في فن النحت، واستطاع أن ينجح في بلاد الاغتراب فشكل اسماً هاما مع أبرز الأكاديميين الفرنسيين في هذا الفن.

مدونة وطن eSyria وقفت على مسيرة حياة الفنان الدكتور "جلبي" بتاريخ 10/7/2010 من خلال حوار مطول معه حيث قال: «قبل اتخاذ قراري بدراسة العلوم الفنية كانت ملامح الشعر والأدب تتلبّسني، فقدمت امتحان الثانوية التجارية ولكنني لم أجتزها، ففضلت الذهاب إلى تأدية خدمة العلم وفي أثنائها اجتزت الشهادة الثانوية الفرع الأدبي عام /1978/ من خلال تشجيع الزملاء لي، ثم تقدمت لمسابقة الفنون الجميلة في عام /1979/ ونجحت فيها وحين الانتهاء من خدمة العلم التحقت بكلية الفنون الجميلة بدمشق، وأثناء وجودي في السنة الثانية قمت أنا وزملائي بعمل معرض جماعي لمجموعة من اللوحات وكانت من نتاج أعمالنا فاطلع عليها الوفد الفرنسي حينما كان موجوداً في الجامعة حيث استوقفني أحدهم وطلب أن أذهب إلى فرنسا، وفي حينها فكرت في الأمر وبدأت بالتخطيط له من خلال قضاء أكثر أوقاتي في مشغلي الخاص، حيث قررت وضع هدف لي تحت عنوان: "لا يهمني النجاح بقدر ما يهمني اكتساب المعرفة والعلم"».

اطلعت على أعمال "الجلبي" النحتية في أحد المعارض في "باريس"، ورغم عدم معرفتي الشخصية به إلا أن النحت حين يكون بهذه المهارة، وهذه الحرفية فإنه حتما سيجعلنا نفتخر دائما بوجود فنانين يستطيعون إثبات الهوية السورية أينما ذهبوا، وأنا فخور أن يكون للجلبي وجود مهم في فرنسا

وأضاف: «أثناء ذلك أقمت عدة معارض مشتركة مع الطلاب بصالة "الرواق العربي" في دمشق، وقبل التحضير لمشروع التخرج تفاجأ عميد الكلية حينما طلبت منه /2 / طن من الطين لكي أقوم بالتحضير لمشروع التخرج فتجاوب معي وبدأت العمل على إنشاء نصب تذكاري للأستاذ الفنان "لؤي كيالي" وكان بحجم ثلاثة أمتار وبعد ذلك قدمت مشروع التخرج وضم/ 123/ عملاً موزعاً ما بين منحوتات حجرية وطينية. بعد التخرج عملت وبشكل إفرادي معرضاً في متحف "حلب" كان بعنوان "المرئيات واللامرئيات في الإنسانيات واللاإنسانيات"، ثم أنهيت دراستي الأكاديمية في عام 1983.

سافرت بعد ذلك إلى مدينة "ليل" شمالي فرنسا في 20/4/1984 وقد فضلتها بسبب شهرة فرنسا بالنحت على يد الفنان "أوغست رودان"، وكان أول عمل قمت به بعد وصولي إلى فرنسا وتعلم اللغة عملت معرضاً بعنوان "أول ضحية في حياتنا" جسدت فيه طفلاً فلسطينياً، ثم بعد ذلك انتقلت إلى مدينة "تركوا" شمالي فرنسا من أجل متابعة الدراسات العليا».

ثم تابع: «وصلت إلى غرفة البروفسور "فرنسيس بيوريت" مسؤول قسم النحت بالجامعة في مدينة "تركوا" وطلب مني حينها نموذجاً من أعمالي فقدمتها وكان حوله مجموعة من طلاب السنة الخامسة، ولكن شعرت بأنهم شككوا أني من نفذتها، فعمدت إلى إثبات ذلك من خلال تشكيل مجسم لامرأة مشهورة اسمها "كاتي" وفي خلال عشرين دقيقة أنهيت ذلك المجسم، ومباشرة قام البروفسور وطلب من قسم السكرتارية تسجيل اسمي مع طلاب السنة الخامسة وكانت سنة التخرج في قسم الدراسات العليا، وبعد سنة تخرجت وقد نلت درجة الدكتوراه، وفي حينها قررت البقاء في "فرنسا" لرغبتي بمواصلة العلوم والمعرفة، ثم قرّرت السفر إلى "باريس" للدخول في المدرسة الوطنية العليا، واجتزت امتحان القبول بدرجة /35/ من /40/ واخترت الدراسة في قسم النحت للبروفسور "بريلّو لوبين"، ثم قدمت مشروع التخرج في المدرسة الوطنية بعنوان "الإنسان والسلام" فحزت الجائزة الأولى ومنها أنهيت دراستي العليا، لكني أيضاً سجلت في كلية الفن والعمارة وتعلمت أسلوب العمارة الإسلامية والأرابسيك وغيرها ثم عُينتُ مدرّساً في الجامعة الفرنسية».

وأضاف: «أي مهاجر تلوح في ذاكرته صور وطنه وقد عملت على ذلك حين سافرت إلى "حلب" من خلال لوحات قدمتها عن الآثار فيها، وقدمت أيضاً عملا جسدت فيه هموم القضية الفلسطينية وكان بعنوان "أول ضحية في حياتنا"، ثم قدمت معرضا بعنوان "العطش". وقد لاحظت تقدماً في التطور الفني بمدينة "حلب" من خلال مشاركة الفنانين في المعارض الدولية، ما شجعني لدعوة عدد من الفنانين السوريين إلى فرنسا ومنهم "وحيد قصاص" و"حازم عقيل" وقد بيعت أعمالهم وتم هذا بالتعاون مع وزارة الثقافة».

واستطرد "جلبي" قائلاً: «خلال دراستي في "فرنسا" واطلاعي على معظم المدارس الفنية ودراستها بالشكل النظري والعملي وإقامتي لعدد من المعارض استطعت الخروج بأسلوب جديد وهو "الاختزال"، وهي السمة التي اتخذتها في أسلوبي الخاص. لقد تأثرت بأعمال الفنان المصري "محمود المصري" الذي أبدع في أعماله بسبب معاصرته للفنان "أوغست رودان"، وتأثرت أيضاً بأفكار الفنان السوري "عبد الله السيد"، ومن الفنانين الغربيين تأثرت "بمايكل أنجلو" و"رودان".

أرى أن هناك ضعفاً في نقّاد العمل فمعظمهم لم يتوصلوا لاكتشاف مكونات العمل النحتي بغض النظر عن الكتلة والفراغ والمسحة الجمالية، فهناك أيضاً مجال للتعبير والأحاسيس، وبرأيي لا يوجد نقد فني تفصيلي صحيح في "حلب"، لأن الناقد الفني يجب أن يتمتع بالفلسفة والأدب والكتابة والشعر بالإضافة لعلم الجمال، وأفضل ناقد في ذلك هو الرسام نفسه لأنه يعلم ما الذي يقدمه».

وختم حديثه قائلاً: «الأعمال المستقبلية عند العودة الأخيرة لسورية ستتمثل بنقل المعارف الفنية والأكاديمية إلى طلاب الجامعات من خلال تدريسهم وتحفيز التعاون بيننا وبين الفنانين الغربيين، والاهتمام بتنمية الجسر الثقافي مع الغرب، بالإضافة لذلك إقامة معارض مشتركة بين الجانبين، وأرجو من الجهات المعنية أن تقوم بزيادة حصص الرسم في المدارس عند الأطفال من أجل تنمية ملكات عقلهم في الجمال لأن هذا سوف يجعل الطفل ينظر إلى الأمور بشكل أجمل من خلال ترتيب أغراضه في منزله لكي يتلذذ بالجمال الذي وصل إليه شعوره».

الفنان التشكيلي السوري "عصام درويش" قال عن أعمال الفنان"الجلبي":« اطلعت على أعمال "الجلبي" النحتية في أحد المعارض في "باريس"، ورغم عدم معرفتي الشخصية به إلا أن النحت حين يكون بهذه المهارة، وهذه الحرفية فإنه حتما سيجعلنا نفتخر دائما بوجود فنانين يستطيعون إثبات الهوية السورية أينما ذهبوا، وأنا فخور أن يكون للجلبي وجود مهم في فرنسا».

يذكر أن د."نجيب جلبي" له خمسة مؤلفات دراسات نذكر منها: تاريخ الفن والعمارة، جامعة شارل ديغول، الهندسة المعمارية، فيل نف داسك.

شارك بـ/62/ معرضا تشكيليا في "فرنسا" و"أمريكا" و"ألمانيا":

كرمته الحكومة الفرنسية بطباعة كتاب عن حياته بعدة لغات. وهو مؤسس جمعية "جلجامش" الثقافية الاجتماعية في "فرنسا".