"هاسميك سلاحيان" أمّ حلبية لتوأم، اختارت الكفاح ضد الحرب التي خطفت منها ربّ أسرتها، تاركاً وراءه عائلة صغيرة مؤلفة من أمّ وابنتيها بلا معيل، لكنها كانت أقوى من الظروف، ولم تستسلم، بل وصلت إلى ما لم تصل إليه قبل الحرب.

مدونة وطن "eSyria" التقت "هاسميك سلاحيان" بتاريخ 21 حزيران 2017، وقالت: «الحرب كانت مصيبة كبرى على الجميع وليس علي أنا فقط، لكنني كأمّ شابة لطفلتين، استهدفتنا الحرب استهدافاً قاسياً بعد أن فُقِدَ ربّ المنزل قبل خمس سنوات.

كنت المؤمنة الوحيدة بإرادة الحياة داخل "هاسميك" في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظرون انهيارها، لكنني كنت واثقة بأنها ستعود إلى حياتها بابتسامتها وتفاؤلها المعروفين

في البداية استسلمت للواقع، وحبست نفسي في غرفتي لمدة ستة أشهر، ولم أتمكن من الاعتناء بابنتيَّ، لكنني أدركتُ أنَّ الحياة تسير نحو الأمام وأنا في جمود، فخرجت من القفص الذي حبست نفسي فيه، وقررت البحث عن وظيفة لأعتني بعائلتي وألبي مطالب المنزل.

هاسميك مع ابنتيها

كنت أتأمل أن أجد وظيفة مناسبة، لكن لم أجد من يوظّفني بسبب عدم حيازتي للشهادة الثانوية. ولكن أملي لم ينطفىء، وقررت الحصول على الشهادة الثانوية بعد أكثر من عشر سنوات من ترك المدرسة».

وتابعت "سلاحيان": «قرار إكمال الدراسة كان حاسماً، وبتشجيع كبير من أبي وأمي، لكن وضع "حلب" حينئذٍ كان يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. مرات عديدة تجاوزت الخطر بعناية إلهية أثناء ذهابي إلى معهد دورات الشهادة الثانوية.

فارتوهي سلاحيان

زملائي في المعهد كانوا أغلبهم أصغر مني بعشر سنوات، لكنهم كانوا سبب ولادة الأمل بداخلي، وحين تقدمت للامتحان في نهاية العام، نجحت بمعدل جيد أدهش الجميع؛ حيث إن خطوتي هذه لم تكن متوقعة من قبل محيطي. فهم كانوا يظنّون بأنني فاقدة للأمل، لكنني أثبتت أن الحياة لا تصنعنا، بل نحن نصنعها بإصرارنا».

ومع اشتداد وتيرة الحرب اشتدت أيضاً رغبة المواجهة لدى "هاسميك"؛ فلم تكتفِ بالشهادة الثانوية، بل أرادت المزيد، وقالت: «بعد حصولي على الشهادة الثانوية، ازداد شغفي بالدراسة أكثر، وعلى الرغم من خطورة الحرب والتنقل، قررت الاستمرار بالتحصيل العلمي، وسجلت في جامعة "حلب" كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، وأتابع دراستي بذات الشغف والإصرار إلى يومنا هذا.

وبعد السنة الأولى من المرحلة الجامعية، مصادفة غريبة يسّرت لي عملاً أحببته وكنت أريد ممارسته قبل الحرب، ومع بداية الحرب كنت أمارسه كهواية؛ وهو فنّ التطريز اليدوي، وبتشجيع من صديقة لي، بدأت أمارس هذه الموهبة كعمل لتأمين مصاريفي الجامعية ومصاريف ابنتيّ، ومع عودة الأمان إلى "حلب" ازدادت طلبات الزبائن، ومعها ازدادت مسؤوليتي لأنني أصبحت ربة منزل وطالبة وصاحبة عمل في الوقت نفسه».

وختمت "هاسميك" بالقول: «عودتي إلى الدراسة ومباشرتي العمل، كانا أهم دوافع استمرار حياتي بعد مروري بفترة فقدان الرجاء بالحياة. وأنا واحدة من مئات الأمهات الحلبيات اللواتي اخترن الحياة بدل الموت، والكفاح بدل الذل، وأصبحن أمهات وآباء في الوقت نفسه».

"فارتوهي سلاحيان" رافقتها طوال مرحلة نضالها، قالت عنها: «كنت المؤمنة الوحيدة بإرادة الحياة داخل "هاسميك" في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظرون انهيارها، لكنني كنت واثقة بأنها ستعود إلى حياتها بابتسامتها وتفاؤلها المعروفين».

وتابعت "فارتوهي": «لم أفاجأ حين قررت أن تتمسّك بالحياة عبر الدراسة والعمل، فشجعتها، وإلى الآن أشجّعها متمنية لها حياة مزهرة ولجميع أمهات "سورية"، اللواتي حاربن الموت بالحياة، والحرب بالسلام».

الجدير بالذكر، أنّ "هاسميك سلاحيان" من مواليد "حلب"، عام 1983.