لم تكن بطاقة الدعوة التي وصلت إلى الطالب "صبحي مؤذن" عندما كان طالباً في المرحلة الإعدادية مجرد حادثة عابرة لأنها استطاعت أن تترك بصماتها وتكون منعطفاً هاماً في حياته، لكن "صبحي" يعلم جيداً أن الموهبة التي اكتشفها في ذاته لن يتركها تذهب سدى لأنه سيجعل منها شأنا كبيراً في المستقبل...

ولأن فضولنا علمنا أن نستكشف المزيد عن هذه الحكاية وغيرها انطلقنا إلى معهد "صباح فخري" للموسيقا والغناء لنتعرف على ما يدور خلف كواليس تعلم الموسيقا وألوانه بـ"حلب".

صار لي هنا شهر تقريباً لكن الأمور تبدو صعبة علي ربما لأنني في البداية، لكنني سأجتاز هذه المرحلة بالتأكيد وقد وعدت عائلتي بمزيد من التفوق في دراستي مع تعلمي للموسيقا التي لن تؤثر على مستواي التعليمي في المدرسة فأنا متفوقة فيها وسأتفوق في الاثنتين معاً

لكن بالمقابل ما الذي حدث في تلك الحفلة وتفاصيلها الدقيقة هو ما يحدثنا عنه "صبحي مؤذن" فيقول: «تلقت عائلتي بطاقة دعوة لحضور حفل موسيقي في إحدى المناسبات استمعنا فيه إلى عزف على آلة العود فأدهشني ما قدم العازف من مقطوعات رائعة وفريدة استحق عليها التصفيق الحار من جميع الحضور دون استثناء حينها تملكني دافع الغيرة لأن أتقن العزف على آلة أشعر بأنها قريبة مني فاخترت آلة "الكمنجة" التي أشعر بأن هناك ترابطاً قوياً يجمعني بها لا أعلم أين يكمن بالضبط، دخولي المتأخر لعالم الموسيقا صعب علي المهمة بالتأكيد أحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل حتى أتمكن من العزف بشكل جيد لكن هذا يحتاج إلى مزيد من الجهد والتركيز والإرادة القوية لإعطاء المادة حقها الطبيعي».

من متدربي المعهد

* فن ...غناء

الآنسة فيرا وسط طالبتيها عائشة وسنا

ما إن انتهى درس الموسيقا في المعهد حتى التف مجموعة الطلاب في استراحته ليشكلوا حفلة موسيقية طربية غنائية بأسلوبهم وكان محفزهم الوحيد وجودنا معهم لنستمع إليهم، وعلى الرغم من اختلاف ما قدموه إلا أنهم كانوا يشتركون بصفة واحدة تجمعهم هي الموهبة "عبد الهادي مندو" كان أحدهم والذي يخبرنا عن سبب التحاقه بالمعهد فيقول: «لدي رغبة كبيرة في الغناء لذلك كنت أشارك في بعض الحفلات الموسيقية كضيف شرف وأشارك بوصلات غنائية في الأعراس وبعض المناسبات وكل من حولي كان يشجعني على صقل موهبتي واستمر بها وألا أتركها، وبما أن الموسيقا علم قائم بذاته وله قواعده الخاصة وشرطه الأساسي وجود الخامة الصوتية والرغبة والتي أحاول صقلها بمساعدة الأساتذة والمختصين هنا، فن الغناء بالذات يحتاج أيضاً إلى امتلاك خلفية ثقافية ممتازة وإلى مرحلة طويلة من السماع والحفظ، أميل إلى لون الغناء التراثي بشكل كبير جداً لأنه لون ثابت يتقبله جميع الناس بجميع مستوياتهم وهذا ما دفعني لتعلمه أكاديمياً».

أما "رأفت أوسطه" وهو طالب في المرحلة الثانوية فقد تعلم العزف على آلة العود سماعياً لفترة طويلة فأراد الانضمام إلى المعهد ليتقن العزف عملياً، أما عن موهبته فيحدثنا: «أنا بالأصل هاوٍ لفن الغناء لكن هذا يتطلب مني إتقان العزف على آلة موسيقية واحدة على الأقل فاخترت آلة العود، وعلى هذا فأنا أتعلم فن الموشحات والإيقاعات إضافة لتعلمي قواعد اللغة العربية وخصوصاً التجويد القرآني وغير ذلك بأسلوب أكاديمي منظم والذي يختلف عن التعليم العشوائي».

معهد صباح فخري للموسيقا

* حصة بيانو ..

من قلب قاعة البيانو تحلم الطفلتان "عائشة وسنا" حلماً مشتركاً للمستقبل يتمثل بتعلمهما العزف على آلة البيانو، فـ"عاشة مؤذن" ذات التسع سنوات وصلت إلى المعهد برفقة أخيها "صبحي" فماذا تقول عن موهبتها: «صار لي هنا شهر تقريباً لكن الأمور تبدو صعبة علي ربما لأنني في البداية، لكنني سأجتاز هذه المرحلة بالتأكيد وقد وعدت عائلتي بمزيد من التفوق في دراستي مع تعلمي للموسيقا التي لن تؤثر على مستواي التعليمي في المدرسة فأنا متفوقة فيها وسأتفوق في الاثنتين معاً».

أما "سنا إبراهيم" زميلتها فهي طالبة أيضاً في الصف الخامس الابتدائي فقد وعدت من قبل عائلتها بشراء بيانو خاص لها في المنزل مع نهاية الشهر الحالي لتعزف عليه بمردها، لكن ما الشعور الذي يراود "سنا" حين تلامس أصابعها المفاتيح الموسيقا للبيانو؟ فتجيب: «أشعر بالسعادة والفرح بالتأكيد لأن البيانو أجمل وألطف من أي آلة موسيقية أخرى، فأنا أشاهده في أغاني الفيديو كليب والمسلسلات التلفزيونية وكثيراً ما أشاهد أطفالاً من سني يعزفون عليه لذلك أرغب كثيراً في تعلم العزف عليه، صار لي هنا تسعة أشهر والأمر أصبح أكثر سهولة مع وجود مدرسة الموسيقا معي باستمرار والتي لها الفضل الأكبر علينا».

* شجون موسيقية حلبية

على اختلاف النماذج التي التقينا بها كانت الموهبة هي الأس والأساس التي يرتكز عليه الطلاب في المعهد، فماذا عن واقع تعلم وتعليم الموسيقا في "حلب"؟ وما الطرق والأساليب المتبعة في تعليم الموسيقا للأطفال وشدهم نحوها؟ فعن هذه الأسئلة وغيرها تجيبنا عنها مدرسة الموسيقا في المعهد الآنسة "فيرا زهيراتي كحالة" فتقول: «تستقبل معاهد الموسيقا باختلاف أنواعها جميع المواهب الراغبة في تعلم فن الموسيقا بكافة أشكاله "غناء، عزف" بغض النظر عن العمر ونحن نتبع في كل مرحلة عمرية أسلوباً خاصاً في ذلك لذلك لا يمكننا الضغط لتعليم الطلاب الكبار والمتقدمين بالعمر أن يتموا وأن ينجزوا مقطوعة موسيقية أو أن يحفظوها وذلك لسبب رئيسي هو انشغالهم وعدم تفرغهم الكامل للموسيقا في الوقت الحالي فأغلبهم يرتبط بعمل خارجي أساسي بالنسبة له أو أنه في مرحلة جامعية ما فتحل الموسيقا في المرتبة الثانية أو أكثر في سلم اهتماماته وهو بالنتيجة غير متفرغ لها كاملاً، أما بالنسبة للأطفال الصغار فهم قادرون على استيعاب أي فكرة أو معلومة يتم إعطاؤهم إياها ويتميزون بقدرتهم على تحمل ضغط الموسيقا جنباً إلى جنب مع تحملهم عبء المدرسة فهم يملكون ذهناً صافياً لأنه بالمرحلة الأولى من تكون الشخصية والنفسية، إضافة إلى ذلك فمعاهد الموسيقا تقدم صولفيج "نوطة" موسيقية مميزة لكل المنتسبين ولكل الأعمار.

لكن هناك ملاحظة مهمة تبرز من خلال عدم التمييز بين المستويات وكأن الجميع بسوية واحدة، هذا جيد لكن الإفراط به يسبب مشكلة كبيرة فأنا مع التفريق الطفيف الذي لا يسبب الإحباط والنفور، فمدرس المادة أو المشرف لا يعرف من سيبقى في المعهد ويلتزم معه ويكمل المشوار حتى النهاية، ومن سينجح هو ما يهمنا في الدرجة الأولى، وما يهمنا أيضاً هو ألا تتحول الموسيقا إلى مجرد تنافس بل نريد أن تكون جزءاً من حياتنا، فالموسيقا هي لوحة فنية خاصة بكل شخص وهو حر باختيار الألوان لرسمها لأنها ستكون لوحته الخاصة دون تدخل الآخرين».

  • كيف تنظرين إلى واقع تعليم الموسيقا في حلب؟
  • ** من خلال تجربتي المتواضعة في واقع الموسيقا في سورية، فأنا عملت ودرست في دمشق لمدة خمس سنوات وهناك فرق عما يحصل في حلب وهذا على صعيد الموسيقا الكلاسيكية تحديداً فللأسف هناك نقص في الوعي العام للموسيقا بـ"حلب" فالأهلي يريدون فقط أن يتعلم أولادهم مقطوعة موسيقية واحدة أو اثنتين لا غير، أو أن قضاء فترة ستة أشهر هي كافية لأن يصبح الشخص موسيقياً، حينها يكون قادراً على فك شيفرة نوطة موسيقية أو أن يعزف ابنه أغنية أو اثنتين للسيدة "فيروز" عندها يكون الأمر انتهى ولا داعي بعدها للمتابعة والاستمرار في التعلم، بينما في "دمشق" الوضع أفضل حالاً ربما هذا يتعلق بوجود معهد عالٍ للموسيقا ووجود دار "أوبرا" إضافة إلى زيارات للفرق الأجنبية المختلفة، فالناس في "دمشق" يشاهدون ويراقبون عن كثب ما يطرأ من تطورات على عالم الموسيقا، كما أنه أحدثت مؤخراً عدة مدارس مختصة بهذا المجال والتي أصبحت تخرج طلاباً على مستوى عال، الجهود في "حلب" هي جهود شخصية بحتة وتحاج إلى تركيز وعناية فائقين، وهناك فئة كبيرة من تربط الموسيقا بالمنفعة المادية وهناك تساؤلات كثيرة تدور حول نهاية المطاف وماذا سيكون بالمستقبل وما المرود الذي ستقدمه الموسيقا له لكنه للأسف تفكير خاطئ يجب تصحيحه، أنا شخصياً لدي أصدقاء يدرسون "كلية الطب" ويمارسون الموسيقا وهم متفوقون بالاثنتين معاً».

    الجدير ذكره أن معهد "صباح فخري" للموسيقا والغناء افتتح بتاريخ 9/10/2008 في منطقة الجميلية في "حلب"ويضم قسماً للغناء بكافة أنواعه، ويعلم الإيقاعات الموسيقية والمقامات كما يعلم العزف على آلة العود والناي بهدف المحافظة على التراث الشرقي العربي من غزو الآلات الغربية كـ"الأورغ والأكورديون" وغيرها».