من بابها لسردابها بدأت قصة شباب "حلب" حينما اجتمعوا على تفعيل ثقافة التطوع في قلعتهم، تلك الثقافة التي بدأت مع إشراقة يوم 19/4/2011 ليبرزوا عبر محطاتهم الشبابية صور التعاون الحضاري والاجتماعي في تخصيص يومهم لحملة النظافة التي قامت بها محافظة "حلب" بالتعاون مع جمعيتي التعليم ومكافحة الأمية والجمعية الوطنية للتنمية البيئية.

حيث كانت البداية بمحاضرة ثقافية تعرّف المجتمعين بدور القلعة التاريخي وأهميتها الزمانية والمكانية لتكون الانطلاقة الأولى عند باب مدخلها ليتفرعوا بعدها إلى ثلاثة عشر فريقاً يضم الواحد منهم عشرة متطوعين. ولتختتم هذه المبادرة بمجموعة من المسابقات الثقافية للتعريف بأهمية العمل التطوعي.

فإن وعي النظافة ينتقل إلى إلى داخل كل فرد فنجده ومن تلقاء نفسه يهتم بتلك الأمور ومنها تنشا عادة اجتماعية يبقى مثابراً عليها طوال حياته الاجتماعية

لكن المميز في هذه المبادرة فضلاً عن متطوعيها وجود العديد من ربات البيوت اللاتي رغبن بمشاركة المتطوعين ممن كانت لهن تجربة سابقة في حملات النظافة وحول سبب انضمامهن تحدثت السيدة "نهلة محمد" عن ذلك فتقول: «هذا الدور لا يقتصر على جيل الشباب أو ممن لديهم الوعي الاجتماعي في ذلك، وإنما ينتج عن وعي وإرادة ذاتية تدفع المرء نحو هذا العمل، وإن قربنا النظرة أكثر فإننا سوف نرى أن هناك انتقاصا لهذا الدور فصحيح أن مفهوم النظافة يبدأ من البيت ثم المدرسة لكن هناك فراغ اجتماعي بين طبقات المجتمع وخصوصاً الأصدقاء ما يوجب علينا الاهتمام بهذا الفراغ والعمل على إشغاله ايجابياً بقدر الإمكان».

السيدة "نهلة محمد"

هنا السؤال الرئيسي ما الذي دفع السيدة "محمد" لدخول تجربة التطوع؟ أجابت قائلة: «إن للمرأة دورا توعويا يبدأ من عند أولادها وحينما تنجح في ذلك الدور فإنه يجب أن ينتقل للمجال الواقعي أو الاجتماعي ومنه يمكن أن تساهم في خلق حالة ايجابية ليس على الصعيد المنزلي وإنما على الصعيد الاجتماعي حينما يرى العديد من الطلاب الآخرين كيف أن للمرأة دوراً اجتماعياً في خارج بيتها ما ينعكس ايجابياً على نفسيتهم وينشئ لديهم حساً للاهتمام بالنظافة في داخل البيت أو خارجه».

ولم تكن كلية الطب بعيدة عن هذا النشاط حينما تطوع الطالب "مهند الحسن" من السنة الثالثة ودخل هذا النشاط وعن سبب ذلك يقول: «صحيح أن هذا العمل يتمحور حول مفهوم النظافة لكن هناك أبعاد أخرى يجب التركيز عليها من بينها أن لمدينتنا تاريخ اثري عريق يجب الاهتمام به دون الاقتصار على أن يكون من بين برامجنا التطوعية».

الطالب "مهند الحسن"

وأضاف: «إن نظرنا إلى أي حضارة قائمة فإننا نرى أن ثقافة التطوع التي يدخل في مضمونها العديد من المفاهيم الاجتماعية إنما هي عبارة عن جزئيات مرتبطة ببعضها تشكل في مضمونها أساس المفاهيم الاجتماعية التي تقوم عليها تلك الحضارة، ومنها يمكن أن نتكهن بحضارة جيل استمد مفاهيمه من الأفكار الحالية».

وأما عن الهدف الاجتماعي الذي قامت به الجمعية فحدثنا به "ياسر حميدي" المشرف في جمعية محو الأمية قائلاً: «من أجل زرع فكرة النشاط التطوعي عند الطلاب والطالبات إلى جانب إشعارهم بأهمية قلعة "حلب" وإيجاد علاقة ترابطية بين الطلاب والقلعة ولإعطائها بعداً سياحياً حينما يترسخ في ذهن السائح بأن أهالي "حلب" يهتمون في الأماكن التاريخية ويضعونها في جل اهتمامهم عند أي نشاط اجتماعي وبذلك تتولد أو تزداد لدى السائحين مكانة القلعة لأن قيمة الشيء ترتفع عندما ترى أناساً يهتمون به».

"عبد الرحمن ددم"

وإن نظرنا على الصعيد الشخصي والكلام لـ "حميدي": «فإن وعي النظافة ينتقل إلى إلى داخل كل فرد فنجده ومن تلقاء نفسه يهتم بتلك الأمور ومنها تنشا عادة اجتماعية يبقى مثابراً عليها طوال حياته الاجتماعية».

لكن جميع المبادرات الاجتماعية لا يمكن أن تكوّن مفهوم ثقافي وبرأي "عبد الرحمن ددم" منسق الحملة في جمعية محو الأمية لأنه يجب أن يجتمع عليه ثلاثة عناصر بدأ من البيت والمدرسة وانتهاء بالتوعية الاجتماعية ويتابع قائلاً: «فمن خلال القلعة استطعنا إيجاد نقاط تلاقي بين مختلف الشرائح الاجتماعية والتركيز على أهميتها الأثرية لكنها تبقى ضمن المسؤولية الاجتماعية ولا تقتصر على العديد من الأفراد ضمن نشاطاتهم الاجتماعية».

وختم قائلاً: «فقد بلغ عدد المشاركين مئة وخمسين من بينهم مئة طالب وطالبة من مختلف مدارس المحافظة إلى جانب مشاركة المشرفين، بحيث قسمت حملة التنظيف إلى ثلاثة عشر محوراً ضم كل محور عشرة طلاب قاموا بالتنظيف، وما أتمناه أن تتعدى ثقافة التطوع لتشمل ميادين اجتماعية أخرى».