صقل "طارق بصمه جي" موهبته الفنية ليتقن أصول العزف على آلة البيانو ودمجها بروح الغناء الشرقي بصوته الشجي وتقاسيم القانون، ولم يكتف بذلك فقد حفر اسمه في الإعلام المحلي، ونثر موهبته بالتصوير الفوتوغرافي ملتقطاً بعين الفنان المحترف كل ما يصادفه من جمال سوري، ووثقه بمهارة والاقتدار.

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت بتاريخ 13 حزيران 2020 الفنان "طارق بصمه جي" في مقر إذاعة "حلب"، واستمعت منه لشرح مفصّل عن سيرة حياته الفنية والمهنية والعلمية، فقال عن بدايته: «أحسست وكأني ولدت مع الفن فكانت الموسيقا لا تفارق منزلنا لأنّ أمي وأبي يعدانها جزءاً لا يتجزأ من التفاصيل اليومية المعيشية، لربما يرجع ذلك لأن والدي درس الموسيقا منذ الصغر، ووالدتي كانت متذوقة مميزة للفن والأدب كونها أديبة وشاعرة، لها 5 دواوين شعرية، لذا كان منزلنا يجمع لمسات الهندسة المعمارية ونفحات الشعر والموسيقا الهادئة.

لعلّ أكثر ما يميز الفنان "طارق" أنه صحفي شاب قام بتسليط الضوء على الكثير من نجوم الفن في "حلب"، والتطرق لحياتهم الشخصية وتوثيق مراحلها، بلغةٍ رصينةٍ، ولعل ذلك أتى من كونه يجمع بين المخزونين الثقافي والموسيقي معاً

ومع عمر الخمس السنوات لاحظ أهلي والجوار ترديدي المتواصل لأغانٍ ليست بالسهلة، وأثناء ذهابي للروضة استثمرت الموجّهات التربويات صوتي فكنّ يجلسنني بمكان عالٍ ضمن الحافلة ويطلِبن مني أن أردد بعضاً مما حفظت من تلك الأغاني، كل ذلك لفت نظر والديي اللذين انتبها لموهبتي وشغفي الدائم بالغناء والموسيقا، فقاما بتسجيلي في معهد "بالي" للموسيقا لكي أتعلم قراءة النوتة الموسيقية وأصول العزف على آلة البيانو، كما تعلمت لمدة عام كامل عند المعلمة "ريتا دير كوركريان"، وبفضلها انقلبت نتائجي رأساً على عقب لكونها كانت تعتمد أسلوب الدعم النفسي للطلاب، وتقسيم الدرس الواحد إلى عدة فصول».

مع الفنان الكبير صباح فخري

ويتابع: «بعد نجاحي بامتحان الثانوية العامة، دخلت الجامعة لدراسة الآثار في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ومع هذه الخطوة بت أتعمّق أكثر في تاريخ الحضارات وعرفت أنّ النوطة الموسيقية الأولى في العالم اكتُشفت ضمن الساحل السوري في موقع "أوغاريت" الأثري، لذا قررت التعمق أكثر في الموسيقا الشرقية، فبادرت بالتسجيل في معهد "حلب" للموسيقا، ودرست فيه الموشحات والقدود الحلبية على يد عازف العود القدير "ماهر نعناعة"، وشاركت مع المعهد في عدد من الحفلات والمهرجانات التي كان يقيمها كل عام.

ونظراً لدراستي الموسيقية السابقة سرعان ما تخرجت من المعهد بتفوق لأعيّن فيه عام 2007 مدرساً لآلة البيانو، وذلك بطلب من مديره ومؤسسه الراحل "ماجد العمري"، وأصبحت مدرساً وبات لدي العديد من الطلاب، وشعرت أن بداخلي شيئاً لم يكتمل فقررت تعلم كيفية العزف على آلة القانون لما تحمله تلك الآلة من عبق لرائحة الشرق، وساهم بزيادة رغبتي زميلي الفنان "حسن عساف" مدرس آلة القانون، وكذلك والدي الذي عزم جاداً على شراء تلك الآلة، رغم ثمنها المرتفع نسبياً.

وكان شعوراً لا يوصف حين حضنت القانون للمرة الأولى فلم تكن تلك الآلة خشباً وجلداً وأوتاراً فحسب بل جزءاً من روحي، مستذكراً نصائح وتوجيهات تعلمتها من عازف القانون القدير "محمد نحاس"».

وعن دخوله مجال العمل الإعلامي، قال: «في رحلة البحث عن عمل مختلف وقع اختياري على هيئة الإذاعة والتلفزيون، وكان جزءاً من الفضل يعود للإعلامي القدير "عبد الخالق قلعه جي"، مدير إذاعة "حلب" الذي قام بالاطلاع على أعمالي بالتصوير والمونتاج، إضافة لأني عازف موسيقي، وخصوصاً أن العمل الإذاعي يتطلب ولو دراية أوليّةً بالموسيقا لمعرفة الأماكن الصحيحة التي يجب تقطيع الأغاني عليها، وأماكن الوقوف السمعي التي يجب أن يستثمرها منفذ الفترة الإذاعية، وبدأت العمل كمونتير في مركز "حلب" التلفزيوني، وقدمت حينها العديد من الفواصل التلفزيونية التي تم بثها على الهواء مباشرة مع عدد من المخرجين، ووجدت أن العمل الإذاعي أكثر تشويقاً بالنسبة لي من الناحية الموسيقية، فقررت الانتقال إلى ملاك إذاعة "حلب"، وفي هذه الفترة تخرجت من الجامعة، ليتم تثبيتي كموظف دائم في هيئة الإذاعة والتلفزيون بصفة رئيس شعبة لدى إذاعة "حلب"، لكونها تحتوي في أرشيفها العديد من أشرطة الطرب الحلبي الأصيل المتمثل بتسجيلات نادرة للفنانين الصاعدين في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، أمثال "صباح فخري"، "مها الجابري"، "محمد خيري" وغيرهم».

وعن موهبته بالتصوير الضوئي، يتابع الفنان "بصمه جي" قائلاً: «كانت الكاميرا ترافقني منذ نعومة أظفاري، مصورة عشرات الألبومات من الصور على مدى ما يقارب العشرين عاماً، ومع مراحل دراستي الجامعية الأولى اقتنيت أول كاميرا حديثة فمن خلالها استطعت توثيق العديد من المشاهد عن جمال مدينة "حلب"، وعظمة القلاع السورية والمواقع الأثرية في مختلف المدن السورية».

ويضيف: «فزت بالمركز الثاني على مستوى الوطن العربي، بمسابقة التصوير الضوئي التي أقامتها مجلة "العربي" الكويتية بالعدد رقم 575، فحصلت على جائزة نقدية تقارب 100 دينار كويتي، واستطعت من بعدها وبمساعدة الأهل شراء كاميرا بمواصفات أفضل، ومعها تمكنت من توثيق العديد من الصور التي تظهر جمال مدينة "حلب" من منظور آخر وزوايا جديدة ومختلفة، لأتمكن بعدها من إقامة العديد من معارض التصوير الضوئي، كان أبرزها معرض برعاية وزارة الثقافة عام 2013، ومعرض برعاية وزارة السياحة».

وعن علاقته بالفن، أضاف: «طرقت باب الفن بشكل عام كهواية محببة إلى نفسي بعيداً عن أي مردود مادي، مع فرقتي الموسيقية الشابة على مسرح نقابة الفنانين، كما أن منزلي يعدُّ صالوناً أدبياً، يجمع القامات الكبيرة اجتماعياً، إضافة إلى النخب الفنية والموسيقية على شيء واحد فقط هو المحبة والاحترام المتبادل.

أحفظ وأردد أغاني العندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ"، وكوكب الشرق "أم كلثوم"، وهناك أيضاً عدة حفلات مع الفنانين "عمر سرميني"، "صفوان عابد"، "سمير جركس"، "محمود فارس"، "فؤاد ماهر"، "بشار الحسن" وغيرهم».

أما عن المجال الإعلامي، فيقول: «خلال مسيرة عملي الصحفي مارست العمل في عدد من الصحف والوكالات المحلية والعالمية، فمنذ العام 2004 عملت مع صحيفة "الجماهير"، ومؤخراً صحيفة "الشهباء"، حيث قدمت عبر صفحاتهما العديد من التحقيقات الصحفية، والمقالات الاجتماعية، إضافة إلى كتابتي العديد من الأخبار الفنية والمقالات في كل مِن وكالة الأخبار السورية، ووكالة "سبوتنيك" الروسية، إضافة إلى مركز "أوراسيا" للدراسات السياسية في "موسكو"؛ خصوصاً بعد أن أعيد نشرها في عدد من الصحف والمواقع العربية.

ومن خلال صداقاتي الواسعة مع الفنانين والشعراء أنجزت فصلاً هاماً في مسيرة عملي الصحفية، وهو توثيق قصة حياة أبرز وأهم الشعراء والفنانين والموسيقيين والمنشدين الحلبيين كـ"صفوح شغالة"، إضافة إلى توثيق مراحل حياة الراحلين منهم، كالموسيقار الراحل "نديم الدرويش"، المنشد الراحل "حسن حفار"، والفنان الراحل "مصطفى سرميني».

الإعلامي اللبناني ناصر قنديل قال عنه: «عرفت الشاب "طارق بصمه جي" طموحاً نشطاً متطلعاً لمزيد من التعلم، يجمع مواهب متعددة أولها حبه لبلده، وتعلمه الموسيقا، وإتقانه لعمله الصحفي، وعندما أخاطبه أرى الأمل، وأثق وأتطلع أنه من الذين يحفرون اسمهم بعناية دون غرور، ووقوع بأمراض الغرور وأضواء الشهرة».

الفنان "نهاد نجار" عنه قال: «لعلّ أكثر ما يميز الفنان "طارق" أنه صحفي شاب قام بتسليط الضوء على الكثير من نجوم الفن في "حلب"، والتطرق لحياتهم الشخصية وتوثيق مراحلها، بلغةٍ رصينةٍ، ولعل ذلك أتى من كونه يجمع بين المخزونين الثقافي والموسيقي معاً».

الفنان "أحمد خيري" تحدث عن الموسيقي "طارق" بالقول: «يتميز بأنه فنان مثقّف ومهذب يستطيع العزف على آلتين موسيقيتين هما البيانو والقانون، شاركنا العام الماضي المشوار في حفل تكريم الكبير "صباح فخري" في "دمشق"، وكتب أجمل تغطية صحفية للحفل؛ بتفاصيل موسيقية جميلة وغاية في الاحترافية».

بقي أن نذكر أنّ الفنان "طارق بصمه جي" من مواليد "حلب" عام 1986 خريج كلية الآداب قسم الآثار.