حبه للتراث والأدوات التقليدية يعود إلى طفولته المبكرة، وكلما كبر كبر حلمه بإنشاء معرض تراثي منزلي يضم مختلف تلك الأدوات، وقبل أن يتجاوز الثلاثين من العمر تحقق له ما أراد.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 4 تشرين الثاني 2014، منزل الشاب "شيار محمد جلقي" في قرية "معراتة" في "عفرين" وجالت معه في أرجاء متحفه الجميل والمتنوع، الخاص بالتراث والأدوات التقليدية الحلبية، وعنه يقول: «منذ أن كنت طفلاً تعلقت بالتراث والأدوات التقليدية الكردية لدرجة العشق، حينها لم أكن أعلم أنه سيأتي يوم ما يستغني فيه الناس عن تلك الأدوات وعن تلك الحياة اليومية البسيطة والرائعة لتحل محلها أدوات عصرية وحديثة وحياة أكثر حداثة وعصرية، كالحصادة الحديثة والجرّار وغيرها، كبرت مع تلك الأدوات التي لم تفارقني يوماً، يوماً بعد يوم بدأت أشعر بأن الحياة تتغير من حوالي وتتحول تلك الأدوات إلى جزء من التراث المادي لمنطقة "عفرين"».

من الأهمية بمكان أن أذكر أنني لم أقم المعرض لأغراض تجارية، فأنا لا أنوي بيع أية قطعة منها بل أنا أطمح وأعمل لإكمال بعض الأدوات والقطع الناقصة ليكون متحفي كاملاً شاملاً مستقبلاً

ويضيف: «إن معظم سكان المنطقة كانوا قبل حوالي 25 عاماً من الفلاحين والرعاة، وبسبب قلة وعي الناس عموماً بأهمية هذه الأدوات التاريخية والاجتماعية؛ كانوا يبيعونها بين الفينة والأخرى للباعة المتجولين وبأثمان بخسة دون أن يدركوا أنهم يبيعون جزءاً من تراثهم المهم وتاريخهم الناصع، وإن عشقي وتعلقي بهذه الأدوات لم ينقطع يوماً، وعندما تجاوزت الخامسة والعشرين من العمر تكوّن لدي وعي كاف حيال ضرورة الحفاظ على هذه الكنوز التراثية المهمة، فبدأت جمع كل ما يقع تحت يدي مبتدئاً بما تركاه جدي وجدتي وكذلك من الأصدقاء والجيران والمعارف، إضافة لذلك قمت بشراء العشرات من تلك القطع بنقودي الخاصة حتى أقمت هذا المعرض التراثي».

سجاد مصنوع من وبر الماعز

ويتابع: «يضم المعرض حالياً ما يقارب 1500 قطعة تراثية من الأدوات التقليدية الكردية والخاصة بالمجتمع العفريني؛ التي سادت المنطقة منذ أقدم الأزمنة وحتى السبعينيات تقريباً من القرن الماضي، والتي بدأت تشهد انقراضاً تدريجياً نتيجة التحول إلى أدوات عصرية وحديثة، وأهم ما يضمه المعرض حالياً؛ الطاحونة اليدوية وتسمى بالكردية "destar"، و"النورس" وتسمى "cercer"، والحجرة الأسطوانية التي كانت تستعمل لدحل سطوح البيوت الترابية خلال موسم هطول الأمطار الغزيرة والثلوج وتسمى "darloq"، وأداة الإنارة "fîske"، وسجادات مصنوعة من وبر الماعز وصوف الغنم "cil"، والحلق التي كانت العروس تضع رجلها فيها خلال ركوبها الفرس حين خروجها من بيت أهلها في يوم زفافها "zengî"، والمحراث الخشبي "hevcarê darî" وغيرها من الأدوات التي يعود عمرها إلى تواريخ مختلفة».

وحول الهدف من إنشاء المعرض يقول: «السبب العاطفي أنني أردت تحقيق هوايتي وعشقي للتراث ورغبتي في العيش، أما السبب الأكثر أهمية من وجهة نظري فهو يتضمن جانبين؛ الأول هو حماية هذا التراث الشعبي المهم من الضياع والانقراض والنسيان، والثاني هو تعريف أبناء الجيل الحالي بهذه القطع والأدوات التي كان أجدادهم وآبائهم يستخدمونها في حياتهم اليومية لمئات السنين، وكذلك التعريف بوظيفة كل قطعة منها وطريقة استعمالها، خاصة أن أبناء الجيل الحالي يجهلون تماماً كل هذه المعلومات، ولا يعرفون حتى أشكالها إن شاهدوها أمامهم، لذا وجدت من الضروري القيام بحملة تعريفية حولها، حيث أقمت في 14 حزيران 2014 معرضاً في مدينة "عفرين" حضره عدد كبير من أبناء المدينة وقراها وخاصة من الشباب، وقد نال المعرض إعجاب الحضور الذين شجعوني على الاستمرار في هذا النهج، وإقامة المزيد من المعارض وفي مختلف المناطق والمدن بهدف تعميم التوعية التراثية وشرح قيمة هذه الأدوات ووظائفها، وهنا أود توجيه جزيل الشكر للأستاذ "مروان بركات" الذي قام بتدوين الأسماء الكردية الأصلية لكل قطعة منها قبل عرضها ضمن معرض من تراث "عفرين"».

نورس قديم

ويختم: «من الأهمية بمكان أن أذكر أنني لم أقم المعرض لأغراض تجارية، فأنا لا أنوي بيع أية قطعة منها بل أنا أطمح وأعمل لإكمال بعض الأدوات والقطع الناقصة ليكون متحفي كاملاً شاملاً مستقبلاً».

أما الباحث الأثري "مروان بركات" المتخصص بتراث "عفرين" فتحدث عن رأيه بالمعرض وأهميته ويقول: «يعد هذا المعرض المنزلي الذي أقامه الشاب "شيار جقلي" بمنزلة متحف مهم، إذ يحتوي على مئات القطع التراثية الخاصة بالفلكلور الكردي في منطقة "عفرين"، كما أن هذا الشاب يعد بحق مفخرة وكنزاً نعتز به لأنه يساهم بحماية تراث المنطقة وتعريف أبناء الجيل الحالي بهذا التراث، ولكنه برأيي يحتاج إلى رعاية معنوية ودعم مادي يساعده على تطوير عمله، وإقامة مبنى خاص بهذه القطع ليكون متحفاً حقيقياً يزوره الناس من كل حدب وصوب، فهو معرض متميز من حيث الهدف والمعنى والحضور، أتمنى له كل التوفيق والنجاح في عمله المتميز الذي يعد عملاً نادراً من قبل شاب في هذه الأيام».

الشاب شيار محمد جقلي

يذكر أن، الشاب "شيار محمد جقلي" من مواليد عام 1984، قرية "معراتة" في منطقة "عفرين".