تقع كنيسة "المشبك" إلى الغرب من مدينة "حلب" بنحو /25/كم على الطريق المؤدية من "حلب" الجديدة إلى مدينة "دارة عزة" وقلعة "سمعان" العمودي، وإلى الشرق من مدينة "دارة عزة" بنحو /5/ كم وذلك على هضبة جنوب الطريق العام ومنتصبة عليها بكل عظمة وجلال وقد شقت طريق جديدة بطول /700/ متر للوصول إليها من الطريق العام.

يقول الباحث الأثري ومؤلف الكتاب القيّم (كنيسة "سمعان" العمودي وآثار جبلي "سمعان" و"حلقة") الأستاذ "عبدالله حجّار" لمراسل موقع eSyria متحدثاً عن الكنيسة: «ذكر الرحالة "دي فوغوية"* أنّ هناك صورة ممتازة للكنيسة من تصوير "بوخة"** من "حلب"، ويذكر "بتلر"*** أنها من أكمل الكنائس المحفوظة من نوع البازليك التي شاهدها في حياته ولا ينقصها سوى مثلث الواجهة الغربية العلوي والسقف الخشبي ويعيدها إلى القرن الخامس وحوالي العام /470/ م».

في وسط البهو الرئيسي قامت البيما وهي مصطبة حجرية مرتفعة قليلاً عن سوية أرض الكنيسة وهي محدّبة على شكل حدوة حصان كانت تُقرأ فيها الرسائل والإنجيل مع الإكليروس قبل التوجّه إلى الهيكل الموجود تحت الحنية لمتابعة الذبيحة الإلهية

وحول أوصاف الكنيسة يتابع قائلاً: «أبعاد كنيسة "المشبك" هي: /32×34/ ذراعاً بنسبة /4 إلى 3/ وهي مثل جميع كنائس البازليك تتألف من بهو رئيسي وإلى كل من طرفيه بهو جانبي يفصل بينهما خمسة أعمدة انتهت بتيجان متنوعة بين الكورنتي والأيوني والدوري، وقامت فوق الأعمدة الأقواس الرائعة بأحجارها المتداخلة باتزان وبأبعاد مختلفة وربما سُميت بالمشبك لدقة تشابك أحجارها في الأقواس فوق الأعمدة، وما يميّز التاج الدوري في الكنيسة أنّه زُوّد بعنق ليبدو مساوياً للتاج الكورنتي بارتفاعه كما تختلف التيجان الكورنتية فيما بينها من حيث طبيعة الأوراق المشكّلة للتاج وبوجود أو عدم وجود زاوية فيه، وارتفعت الجدران فوق الأقواس تحمل النوافذ والبروزات الحاملة للسقف الخشبي».

الأستاذ عبدالله حجار

ويتابع: «نوافذ الإنارة في جداري البهو الرئيسي تسعة ولا علاقة لها مع الأقواس من تحتها، والبهوان الجانبيان فكان يغطيهما سقف خشبي مائل أقل انخفاضاً من سقف البهو الرئيسي، وفي صدر الكنيسة الشرقي قامت الحنية كاملة نصف مغموسة من الخلف في أسفلها نافذتان واسعتان لتأمين الإنارة ويحمل حجر القفل العلوي للحنية قرصاً نافراً رمزياً وإلى جانبي الحنية غرفتان الشمالية لخدمة القداس والجنوبية لحفظ ذخائر الشهداء ولا نعلم إن كانت مخصصة لذخائر شهيد أو قديس معين».

«في وسط البهو الرئيسي قامت البيما وهي مصطبة حجرية مرتفعة قليلاً عن سوية أرض الكنيسة وهي محدّبة على شكل حدوة حصان كانت تُقرأ فيها الرسائل والإنجيل مع الإكليروس قبل التوجّه إلى الهيكل الموجود تحت الحنية لمتابعة الذبيحة الإلهية».

كتابه القيم حول آثار جبلي سمعان وحلقة

«وبالنسبة لأبواب الكنيسة -والكلام ما زال للأستاذ "عبدالله حجار"- فهناك بابان في الواجهة الجنوبية أحاط بكل منهما نافذة، وفي الواجهة الشمالية باب ذو نجفة مزخرفة له نافذتان من كل جانب، أما الباب الرئيسي فقد كان في الواجهة الغربية وتميّزت نجفته بوجود ثلاثة أقراص تحمل إشارة الصليب بداخلها، ورُسم على طرفها الأيسر شجرة وعلى الأيمن رمز لأحد النساك العموديين، وعلى الواجهة الغربية يوجد صفان من النوافذ في كل صف ثلاث ترمز إلى الأقانيم الثلاثة وقد انتهى الصف العلوي منها بنصف دائرة وهذه من مميّزات كنائس النصف الأول من القرن الخامس الميلادي».

ويختم حديثه بالقول: «إنّ كنيسة "المشبك" تحتاج إلى نصب قالب خشبي لإعادة بعض الأحجار المنزلقة نتيجة الزلازل من أماكنها مع ترميم بعض التيجان المتآكلة، إضافةً إلى ترميم الحنية والجدار الشمالي وكشف أرضية الكنيسة من جهاتها الثلاث وزريقة الجدران من الداخل وذلك يتطلب الدقة الفنية والأموال الكافية».

الكنيسة من الداخل

«نحن بحاجة ماسة إلى بعثة أثرية تقوم بأعمال الترميم في الكنيسة لإعادتها للحياة وتتخذ من موقعها مركزاً ومقراً تنطلق منه سنوياً (البعثة الأثرية) لترميم بعض أهم الفيلات والأبراج والكنائس المنتشرة في المنطقة والتي تحتاج إلى كل عناية واهتمام وبالتالي تدخل ضمن برامج الوفود السياحية لتكون عنصر جذب فعّال في الصناعة السياحية أسوة بكل من "اليونان" و"تركية"».

  • "جان ملكيور دي فوغية": أول من زار ما سُمي بالمدن الميتة وهي المواقع الأثرية التي تعود إلى الفترة ما بين القرنين الثاني والسابع الميلاديين في "سورية"، ومؤلف كتاب ("سورية" المركزية) في العام /1875 -1877/م تكلم فيها عن آثار "حوران" وشمال "سورية" التي زارها في /1861 -1862/م.
  • ** "بوخة": مواطن من "حلب" هو "ألبير بوخة" وقد رافق "دي فوغوية" في بعض جولاته وأصدر في العام /1877/م كتاباً بعنوان (جبل القديس "سمعان" العمودي قرب "حلب" وآثار القرن السادس) ضم ثلاثاً وعشرين لوحة من تصويره.

    *** "بتلر": هو المهندس "هوارد كروسبي بتلر" أستاذ تاريخ العمارة من جامعة "برونستون" الأمريكية الذي قام كقائد للبعثة الأمريكية بثلاث رحلات إلى "سورية" الشمالية والجنوبية في الأعوام /1899-1900/ و/1904-1905/ و/1909/م .