أحيا الفنّان اللبناني "زياد الرحباني" سلسلة من الحفلات على مسرح قلعة "دمشق" بين (15حتى19/8/2008م) وصفت بالاستثنائية والناجحة، وحظيت باهتمام إعلامي واسع خاصّة أنها الحفلات الأولى

التي أحياها "الرحباني" الابن في "دمشق" منذ بداية مسيرته الفنية في العام /1972م/، حملت هذه الحفلات العديد من المفاجآت بالنسبة لـ"زياد" والجمهور السوري المتعطش للقائه، ولعل الفنّان وعازف العود السوري "باسل داوود" كان إحدى هذه المفاجآت، ولعدة أسباب منها أن الجمهور السوري تعرف على "باسل" ليس بوصفه عازف "عود" في فرقة السيدّة "فيروز" و"زياد" منذ العام /2000م/، وإنما كمغنٍ شارك "زياد" الغناء في حفلاته الخمس بعيداً عن الضوء، متوارياً خلف فتيات الكوارل.. فأتى صوته مفاجئاً وربما مربكا، حيث لم يتوقع الجمهور وجود صوتٍ ذكوري ثانٍ في الحفلة، مرافقاً لصوت "زياد"، خاصةّ عندما انطلق بغناء دور "سيد درويش": «أهو ده اللي صار..» حيث التفت الجمهور إلى "زياد" فوجدوه يعزف فقط، مما دفعهم للتساؤل هل هذا «Play back»؟ وكان عليهم أن ينتظروا إلى آخر الحفل ليعرفوا أنّ هذا الصوت هو صوت "باسل داود".. موقع "eSyria" تابع القصّة مع "باسل" من بدايتها منذ ثمانية عشر عاماً تقريباً وربما أكثر من ذلك، حينما بدأ طالب الثانوية العزف على آلة "العود" على يد أستاذ خاص "فايز زهر الدين"، ثم درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة- قسم الفلسفة- بجامعة "دمشق" ليتخرج منها وينال الدبلوم قبل أن يتمكن من الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقا بعد ثلاث محاولات لدخوله نجح في آخرها، وحينما قبل فيه كطالب درس ثلاث سنوات، ولكنه لأسباب ما!! لم يتخرج منه إلى الآن.. بعد هذه القصة التي لا تخلو من الغرابة.. كيف التقى "باسل داود" "بزياد الرحباني"؟: «بدأت القصة في العام /1995م/ تقريباً حينما بدأت بالتأليف الموسيقي وقدّمت عدداً من الألحان لمغنين سوريين منهم "نورا رحّال"، حيث حققت أغنية "يقطعني عليك" التي كتبتها ولحنتها "لنورا" نجاحاً جيداً كما قدمت لها أغنية "روح عني بقى"، وألفت موسيقا تصويرية للعديد من المسلسلات، المفارقة كانت حينما قدّمت للقائمين على مسلسل "مرايا"، قطعة موسيقية كشارة للمسلسل، هذه القطعة التي اشتغلت كثيراً على تأليفها وتوزيعها لم تعجبهم مطلقاً بحجة عدم الصلاحيّة الفنيّة، ولم أتوصل معهم إلى اتفاق بخصوص أي تعديلات عليها، فقررت إرسال هذه القطعة "لزياد الرحباني" من خلال أحد الأصدقاء عن طريق رسّام الكاريكاتور السوري في جريدة "السفير" اللبنانية "سعد حاجو"، قدّم "سعد" القطعة "لزياد" وعلمت فيما بعد أنها أعجبته كثيراً، ونقل لي عن لسانه أن هذه القطعة الموسيقية التي أسميتها "سقوط سيزيف" فيها تجريب وتوزيع موسيقي مهم، الإعجاب بهذه القطعة أعطاني دافعاً كبيراً، ونصحني "سعد حاجو" أنه إذا أردت التعرف إلى "زياد" فالأفضل أن يكون ذلك من خلال مشروع موسيقي، وكان ذلك بالفعل حيث قمت بتأليف أغنية بعنوان "الشحادين" سجلتها في أستوديو "زياد" في العام /1997م/ ولم تبث سوى في إذاعة "صوت الشعب" اللبنانية، لتكون هذه الأغنية البداية في رحلة علاقتي مع "زياد رحباني" والتي مازالت مستمرة إلى الآن وغيّرت مسار حياتي، فبعد أن كنت أتجهز للسفر إلى "باريس" لدراسة الدكتوراه في الفلسفة، تغيرّت مشاريعي كلياً لتبدأ معالم مشروعي الموسيقي الخاص بالتشكل..»

تعرف "زياد" على صوتي من خلال الألبوم الذي سجلّته بين "دمشق" و"بيروت" وكان هو والمرحوم"زهير سمهون" مهندسا الصوت والمكساج فيه، في عام /2004م/ طلب مني أن أؤدي بعض مقاطع الأغاني معه، ومنذ ذلك اليوم أصبح دوري كمغني يتنامى في حفلاته تدريجياً، وصولاً إلى حفلة "اليونسكو-بيروت" في العام/2007م/ وأخيراً في حفلات "دمشق"..

يتابع "باسل داوود": «في العام /2001م/ أنتجت أول ألبوم خاص بي بعنوان "شو قال.."، هذا الألبوم يتضمن سبعة أغانٍ والقطعة الموسيقية التي بدأت منها القصة "سقوط سيزيف" التي أعدت توزيعها وتسجيلها، قمت في هذا الألبوم بالتأليف الموسيقي وكتابة الأغاني والغناء مع المجموعة "رشا رزق، ديمة أورشو، نعمى عمران"، أنتجته شركة "In\ Out " التي أسسها "زياد" مع شركائه ولم تنتج سوى ألبوم "سلمى مصفي"، إلا أن ألبوم "شو قال.." لم يجد طريقه للتسويق إلى الآن بسبب إغلاق الشركة.. إلا أن شيئاً آخر كان ينمو في علاقتي مع "زياد" ، ففي العام /1999م/ سجلت لأول مرّة مع فرقة السيدة "فيروز" في ألبوم "مش كاين هيك تكون".. حيث عزفت في أغنية "سلملي علي" على آلة "العود"، وفي "مش كاين هيك تكون" على آلة "الجمبش" (آلة تركيّة)».

يتوقف "باسل" عند هذه اللحظات كثيراً ويصف لنا مشاعره كونه لأول مرّة يعزف في أغنية للسيدة "فيروز": «كان شعوراً رائعاً.. غريباً.. برغم أنني لم أرى السيدّة "فيروز" إلى العام /2000م/ عندما كنّا نستعد لحفلات مهرجان "بيت الدين"، حيث حضرت البروفات في الإذاعة اللبنانية، كل ما يمكنني قوله عن أول مرّة رأيت فيها السيدة "فيروز" أنه حينما دخلت الملكة، لم أسمع منها سوى كلمتين فقط، حيث سلمت عندما دخلت وعندما أنهت البروفة، والباقي كان غناءاً، وكأن هذه الملكة لم تخلق على الأرض سوى لتغني.. واستمرت مهرجانات "بيت الدين" مع السيدة "فيروز" إلى العام /2003م/، عزفت في ألبومها "ولا كيف" وآخر مرّة كانت مع الفرقة في مهرجان "ربيع الثقافة بالبحرين" عام /2008م/، طيلة تلك الفترة لم أتحدّث إليها أو أقترب منها، فالوجود في حضرة الملوك يفرض نوعاً من الأدب أعرفه جيداً..»

من نشوة الحديث عن الملوك نعود مجدداً "لزياد"، كيف بدأت الغناء معه في الحفلات؟

** «تعرف "زياد" على صوتي من خلال الألبوم الذي سجلّته بين "دمشق" و"بيروت" وكان هو والمرحوم"زهير سمهون" مهندسا الصوت والمكساج فيه، في عام /2004م/ طلب مني أن أؤدي بعض مقاطع الأغاني معه، ومنذ ذلك اليوم أصبح دوري كمغني يتنامى في حفلاته تدريجياً، وصولاً إلى حفلة "اليونسكو-بيروت" في العام/2007م/ وأخيراً في حفلات "دمشق"..»

سمعنا أنه كانت لك مشاركة خاصّة بك كمغني في مهرجان جريدة "الأخبار" اللبنانيّة/2007م/؟ حدّثنا عن هذه المشاركة والإطار العام لها

** «طلب مني "زياد" المشاركة في هذا المهرجان كمغني ضمن إطار فرقة خاصّة بي، لتكون هذه المناسبة فرصة لتقديم أغاني ألبومي لأول مرّة، ودعوة فرقة سوريّة أخرى للمشاركة، وكان ذلك بالفعل شكلت فرقة "بالذي منّو.." من خمسة عشر عازفاً وثلاث مغنيّات كما دعوت فرقة "إطار شمع" للمشاركة، وقدمت حفلة ناجحة في هذا المهرجان، كررتها في "دمشق".. ما حدث في "بيروت" أن "زياد" طلب مني إشراك ثمانية عازفين من فرقتي في حفلته الخاصة وكان منهم كمغنيّات "رشا رزق، نهى ظرّوف، ومنال سمعان" وكانت هذه المرّة الأولى التي يتعرف بها عليهن، وكان هذا المهرجان مقدّمة لاختيارهن كمكوّن أساسي للكورال في حفلات "دمشق"..».

بما أنك تحدّثت عن ظروف التقاء "زياد" بالمغنيات السوريّات.. ماذا عن العازفين السوريين؟

** «منذ بدأت علاقتي بـ"زياد"، تأسس نوع من العلاقة بينه وبين العازفين السوريين حيث حرصت دائماً على تقديم زملائي له، ليعتمد عليهم فيما بعد في كل حفلات السيدة "فيروز" وفي حفلاته الخاصّة، وإن كان ذلك بأعداد متفاوته وصولاً إلى حفلات "دمشق" التي شارك فيها ثمانية وعشرون عازفاً سورياً، وعازف أردني "فادي حتّر" على آلة "التشيلو" هو أيضاً ممن درس الموسيقا في المعهد العالي "بدمشق"، وهذا يؤكد على قوة مستوى العازفين السوريين، وإصرارهم على تطوير أنفسهم، خاصّة عندما شعرنا أننا نواجه تحدٍ من نوعٍ خاص في وجودنا جنباً إلى جنب مع عازفين محترفين عالمين من"أرمينية وفرنسا..." »

ماذا عن حفلات "دمشق" كيف وجدت هذه الحفلات؟، وما الذي لمسته من صداها لدى "زياد"؟ وهل كان من المقرر أن تغني بهذه الكثافة في هذه الحفلات إضافة إلى عزفك على آلة "العود"؟

** «من المبكر جداً أن نتحدث عن هذه الحفلات لأننا مازلنا نعيش سحر الحالة، لكن في مطلق الأحوال كانت حفلات رائعة، وقد أعلن "زياد" في أكثر من مناسبة أنه لأول مرّة في حياته يواجه مثل هذا الحجم من الجمهور في حفلاتٍ خاصّة به، أنا شخصياً كنت مرتاحاً جداً، أما بالنسبة للغناء فلم يكن مقرراً أن أغني، إلى أن قرر "زياد" ذلك ظهر الجمعة 15/8/2008م، أي يوم الحفلة الأولى ولم أقم بإجراء أية بروفات، وأكثر من ذلك قبل الحفلة الأولى بدقائق طلب مني أن أغني مدخل أغنية "عايشة وحدا بلاك" دون معرفة المايسترو أو فتيات الكورال بذلك، مما يجعلهم يلتفتون لي جميعاً بطريقةٍ لا شعوريّة عندما بدأت بالغناء وكأنني اقترفت خطأً، والذي حضر الحفلة الأولى لاحظ ذلك، إلا أن الأمور في النهاية سارت على نحوٍ رائع، وكنّا سعداء جداً بنجاح هذه الحفلات، وهذه فرصة لشكر هذا الجمهور المحب والذوّاق، الذي أتى من كل المحافظات السوريّة ومن بلدانٍ مختلفة، يحرّكه حبه "لزياد" والتزامه بالفن الذي يحترمه»

أخيراً.. ماذا عن مشروعك الموسيقي؟ سمعنا أن العروض بدأت تنهال عليك بعد حفلات "دمشق" من شركات الإنتاج؟ .. ضحك "باسل داود" قائلاً: « إي والله تذكروني..» وأضاف: «بالفعل تلقيت عدّة عروض لتسويق ألبومي "شو قال" وأنا بصدد دراستها، وأنا أشكرهم جزيل الشكر لأن فيهم من يعرف تماماً قيمة الفن الذي أقدّمه، أما عن مشروعي الموسيقي الخاص فأنا أحرص على كتابة أغنية سوريّة بكل ما تعني الكلمة من معنى، بعيداً عن القوالب التراثية المعتادة –على أهميتها- أريد أغنية سوريّة معاصرة، تنتمي إلى بيئتنا وحياتنا اليومية وتعبر عن همومنا في هذا الزمن، لم لا أعتقد أننا قادرون على ذلك، فالكلمة السورية سوقت بنجاح من خلال الأعمال الدراميّة، فلماذا لا تشهد الأغنية نفس النهضة في ظل الإمكانات المميزة للعازفين والمؤلفين الموسيقيين السوريين، والتي أثبتت وتثبت جدارتها يوماً بيوم.. أعتقد أن هذا الأمر ليس بعيد المنال، ويتطلب الإرادة فقط..»