ولد الفن معها ومع عشقها للمقتنيات الأثرية، عبرت من خلال التشكيل والنحت عن حبها لنشر الحب والسلام؛ فالفنّ عندها حالة تأتي من دون استئذان.

مدونة وطن "eSyria" التقت التشكيلية "يارا متولي" بتاريخ 29 أيلول 2017، وتحدثت: «نشأت ضمن عائلة مثقفة محبة للعلم، كنت مشاغبة وفوضوية، أحب الأشياء القديمة والأثرية، لم تكن تجذبني الأشياء النمطية، ولم أكن أعلم أن هذا الشيء سيكشف بداخلي وجود شغف فني، علماً أنني كنت أهرب من حصص الرسم، لكن والدتي كانت مؤمنة بأن هذا الاختلاف سوف يخلق تميزاً يوماً ما. تحمل ذاكرتي من الأمور الكثير، وأهمها أول عمل فني لي حمل اسمي، عبّر عن الحروب التي يخوضها الإنسان بينه وبين ذاته، عن جميع الانتصارات والحروب التي لا نعلم بها، وكان بمنزلة التحدي لإثبات ذاتي، علماً أنني لم أكتشف موهبتي في وقت مبكر، وبدأت بها أكاديمياً، ومن هنا بدأت تتبلور وتأخذ طابعاً خاصاً بها».

لا أفرق بين أعمالي؛ فجميعها جزء مني، وكل واحدة منها تعنيني كثيراً وتأخذ مكانها، أطمح أن أكمل مسيرتي الفنية بأعمالي التي تأخذ طابعي الخاص، فكل عمل فني أنتجه يكمل الذي سبقه بالروح والأسلوب الفني الخاص بي

وتابعت: «أخصّ الوجوه في أعمالي، وأتعمّق بجمال وقبح الإنسان الذي يخبئ بمكنوناته سرّ الكون؛ فهو الجمال والقبح، والحب والعطاء، هو السبب والنتيجة، هو كون صغير داخل كون كبير، والكتل المراد نحتها أو تشكيلها (خشب، حجر، الصلصال) لا تعني لي شيئاً، لأن ولادة العمل لا تأتي بسهولة أبداً؛ فهناك هواجس يمرّ بها الفنان، والفن غير مرتبط بعمر معين، هناك ذاكرة بصرية، وتجربة فنية، وتحليل وتركيب، ودراسة للكتلة والفراغ، فالفنان عندما يقف أمام مساحة بيضاء أو كتل نحتية، يطلق العنان لذاته وروحه، وبالتأكيد هناك دراسة مسبقة للعمل الفني برسم "كروكيات"، وهنا يبدأ اللا وعي بحريته وشفافيته من دون قيد العقل والعرف».

إحدى لوحاتها التشكيلية

وأضافت عن فضاء اللوحة ونصوصها البصرية: «الفن حالة تأتي من دون إذن، عندما يشعر الفنان بأنه جاهز ليخوض ذلك الشغف يدخل إلى مرسمه ويبدأ، وذلك يعتمد مخزونه البصري في النحت والرسم. جميع أعمالي تندرج تحت المدرسة التعبيرية والتجريدية، أما بالنسبة لاقتناء اللون، فهذا مهم جداً؛ لأن لكل لون خاصيته وله دلالته النفسية؛ لذلك كل فنان له هويته الخاصة وبصمته، تأثرت كثيراً بلوحات الفنان "بيكاسو" وبكل الأعمال التي تخدم ذاكرتي البصرية لأعمالي المستقبلية».

وعن العلاقة بين عمر الفنان وقيمة اللوحة، قالت: «لعمر الفنان دور كبير في نضج العمل الفني ورؤاه له، لا يمكن أن يكون فناناً إلا بعد تجارب ودراسة، لأن الفن خلق ليكون نخبوياً لا يتجزأ بعمل جيد أو سيئ، بل ليكون عملاً فنياً يستحق المشاهدة والتعمق به، فقيمة المنتج الفني من قيمة الفنان لفنه وثقته بنفسه، لأنه انعكاس لما يجول بداخله وما يراه من محيطه ليترجمه؛ لذلك أعمالي هي أنا، عملي صنعي، إبداعي، هو لا يشبهني فقط، بل أنتمي إليه وينتمي إليّ، أغمض عيني للوحة عندما أكون بحاجة للوصول إلى المستحيل، واللوحة تغمض عينها عندما لا تجد من يقدرها، لكن الفنان هو قائد اللوحة بشغفه».

من بعض منحوتاتها

عن علاقتها مع الرسم والنحت، أضافت: «الفرق واضح بين النحت والرسم بأدواته وأسلوبه، فالنحت بحاجة إلى جهد عضلي مضاعف، خاصة عندما النحت على الخشب والحجر؛ لذلك أحببت أن أكمل منحوتاتي بلوحات تكملها، البرونز طغى على أعمالي؛ فأنا أحب التعامل معه لأنه يخدمني كثيراً بالفراغات، لدي أعمال خشب وحجر، قمت بها بملتقيات لأنها تحتاج إلى مساحة واسعة ومكان فارغ بعيداً عن المدينة، في المحصلة، أعمالي الفنية هي أنا، أجد نفسي في أي مكان أشعر به بالروحانية ويخدم الإنسانية والتنمية البشرية».

وتتابع عن أعمالها الفنية وطموحاتها: «لا أفرق بين أعمالي؛ فجميعها جزء مني، وكل واحدة منها تعنيني كثيراً وتأخذ مكانها، أطمح أن أكمل مسيرتي الفنية بأعمالي التي تأخذ طابعي الخاص، فكل عمل فني أنتجه يكمل الذي سبقه بالروح والأسلوب الفني الخاص بي».

إحدى شهادات التقدير الممنوحة لها

أضافت عن مشاركاتها: «لي مشاركاتي بالعديد من الملتقيات والمعارض داخل وخارج القطر، ومنها ملتقيات النحت على الخشب، منها: "إبداعات شبابية" "دمشق" عام 2013، "أغافي" في "اللاذقية" عام 2013، "سورية أنت الأجمل" في "طرطوس" عام 2014، "تحاور بين جيلين" في "دمشق" عام 2015، كما شاركت بمعرض "الربيع" السنوي ما بين الأعوام 2013-2017، وتم اقتناء أعمالي، أما مشاركاتي بمجال التشكيل، فكانت بعدد من المعارض، منها: "بدايات" بصالة "دار الفنون"، ومعرض تكريمي للفنان الراحل "زياد زكاري"، وكانت لي مشاركات خارج القطر في "بيروت" و"مصر"، كل هذه المشاركات عرفت الآخرين بأعمالي، وساهمت في فسح المجال أمام التجمع الفني للأعمال الفنية لمختلف المشاركين من أجل التعارف».

وعن رسالتها الفنية، قالت: «الفنان مرآة ما يحدث من حوله؛ فهو يقوم بدوره كإنسان وفنان بالمجتمع الذي يحيط به، يعلمهم كيف يرون القبح جمالاً، ويزينون السواد بداخلنا بنجوم متألقة، لكن الظرف الذي يعيشه بلدي جعل من بعض الفنانين تجار حرب نقلوا هذه الصورة بطريقة ملأى بالحقد؛ لذلك صمّمت أن أبقى في بلدي لأقول بفني إن رائحة الياسمين ما زالت وستبقى حاضرة في أعمالنا».

وعن تعريفها للتكريم، تقول: «التكريم هو دافع معنوي للفنان؛ أي أنه موجود، وعندما أكرم أشعر بأن هناك من يشاهد فني ويقدّره، ولا يأخذه بمنحى تجاري؛ لأن التكريم المادي آخر شيء يفكر به الفنان، وخاصة التكريم بهذه الظروف تكون قيمته مضاعفة؛ لأن الفن لا تغتاله الحروب، وقد تم تكريمي بكافة الملتقيات والمعارض التي اشتركت بها».

لها تجربتها بالعلاج عن طريق الفن، قالت: «الفن علاج للكثير من الضغوطات، ومهرب من محيطنا؛ لذلك سلطت الضوء على هذه الشريحة من المجتمع، كالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة. التعامل مع الأطفال موضوع حساس، وخاصة من يخلق ولديه وضع خاص، أو من فقد والديه، فهم يجدون صعوبة بالبوح عما يجول بداخلهم؛ لذلك قمنا بمساعدة المشرفين النفسيين بهذا الموضوع، حيث يتم طرح موضوع معين على الأطفال، وهم يبدؤون الرسم واختيار الألوان، وهنا يبدأ العلاج وتسيير مخيلتهم، وهكذا نساعدهم على تحسين نفسيتهم ومعنوياتهم».

عنها قال التشكيلي الدكتور "سهيل بدور": «ما يميز تجربتها، إقدامها بجرأة على الكتلة من كل الجوانب لإيجاد حلول أكثر فعالية في المعالجة النحتية والبحث عن رشاقة معينة، في تجربة الوجوه تبحث عن هوية تميزها، الكثير من الجمال في التلخيص في الوجه مع الاستطالة كي تقدم دفئاً خاصاً له، هي تجربة شابة مجتهدة تحاول البحث بجدية عن مكان كنحاتة سورية».

التشكيلي والناقد "أديب مخزوم"، يقول: «في أعمالها تبرز مظاهر التنويع التقني وحالات التنقل بين التشكيل اللوني والنحت الفراغي للوصول إلى التأثيرات البصرية المعبرة عن أحاسيسها وانفعالاتها الداخلية، والنفاذ إلى أبجدية تشكيلية ناتجة عن اختبارات تقنية متنوعة، قوامها اللمسة التلقائية والعفوية والاختزال».

يذكر أن "يارا متولي" من مواليد مدينة "دمشق" عام 1994، تحمل دبلوم فنون تطبيقية وتشكيلية، اختصاص نحت‏.