بصوته الشرقي الثابت، وحسّ الطرب الذي تمتلكه شخصيته الموسيقية، استطاع الفنان "محمود الحداد" أن يثبت نفسه على المسرح بتقديمه أداء فنياً فريداً في كل ظهور.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 11 أيار 2018، مع الفنان "محمود الحداد"، ليحدثنا بالقول: «بدايتي في الغناء كانت عندما سمعني أبي وأنا طفل أغنّي أغنية "الرضا والنور" لكوكب الشرق "أم كلثوم"، فطلب مني أن أغنيها أمام العائلة، قمت بذلك وكسرت حاجز الخجل، فقال أبي عبارة: (أنتَ خليفتي)؛ تلك العبارة كانت الحافز الأول لي على الاستمرار في الغناء؛ لأنه كان يمتلك صوتاً جميلاً وعذباً. والحافز الثاني كان ردة فعل المستمعين من العائلة حين ابتسموا لي مستغربين، وسألوني: من أين تعلمت هذا الغناء الصعب؟ وكنت أجيب حينئذٍ إن السبب هو الاستماع الدائم إلى تلك الأغاني، وفيما بعد أصبحت أغني وحدي في غرفتي أو في دكان والدي، وفي عام 2010 كنت قد حفظت بعض الموشحات والمقامات والإيقاعات، وكنت أغنيها في اجتماعات العائلة وألقى التشجيع المحفز، والأمر الذي سهّل طريقي فيما بعد هو أنني قبل عام 2010 كنت أستمع إلى فخر الأعمال العربية والكلاسيكية».

أكثر ما يميز "محمود" قدرته العالية على ضبط صوته والتحكم بتفاصيل الأداء الغنائي، وهو على علم بما يغني، وهذه الصفة أهم صفات المغني المحترف، من خلال الحفل الذي قمنا به معاً في مجمع "دمر" الثقافي، استعرض "محمود" الألوان الغنائية الشرقية المتنوعة، وأعطى كل لون الطريقة المناسبة لأدائه، وأرجو في الأيام القادمة أن تحمل له تميزاً وظهوراً يليق بإمكانياته الاحترافية، ونحن نشجع كل من يشبهه

ويكمل: «الغناء العربي أو الشرقي يختلف اختلافاً كبيراً عن الغناء الغربي أو الأوبرالي، برأيي يكاد من المستحيل تعلّم الغناء العربي إذا غاب الفنان القدوة الذي نتعلم منه ونحاول تقليده، والتقليد هو أول ما قمت به حين أعجبت بقدرات منشد صوفي من مدينة "حلب" اسمه "حسن الحفار"، إضافة إلى استماعي الدائم لأغنيات "أم كلثوم"، وقد تحديت نفسي لأول مرة في أغنيتها "الأولى في الغرام"، التي تعدّ من أكثر أعمالها صعوبة.

المايسترو "نزيه أسعد"

اعتلاء خشبة المسرح هو حلم كل فنان، والظهور على مسرح ملتزم شغف لكل من يمتلك الموهبة، كل شخص منا لا يشعر بقيمة موهبته إلا على هذه المنصة، حتى لو كان قد حقق نجاحات في أماكن أخرى غير المسرح، والعمر ليس مشكلة للظهور، المهم اكتشاف الموهبة وصقلها وتطويرها، وامتلاك الثقة الكافية حتى تقدم عرضاً ناجحاً للجمهور الذي يتميز بذوق رفيع وإلمام مسرحي، وهنا يجب الحذر؛ فهناك خيط رفيع بين العرض المبهر والمخيب، ورأينا الكثيرين من الأطفال ممن لمعت أسماؤهم على المسارح، ليثبتوا أن العمر لا يحجب الموهبة أو يؤجل الكشف عنها، وما شجعني للظهور بمفردي في المرتبة الأولى تشجيع العائلة والأصدقاء، والثقة الممنوحة من أهل المسرح، وأساتذة عدة، أذكر منهم: الأستاذ "عدنان فتح الله" قائد الفرقة الوطنية للموسيقا العربية، والأستاذ "باسل صالح" مدرّس الغناء الشرقي في المعهد العالي سابقاً».

ويتابع "الحداد": «قلّما نجد فناناً لديه التميز الذي يجعلنا نطلق عليه لقب فنان مثقف، وهو الذي نسمع منه أداء مختلفاً وكلمات وألحاناً مناسبة، ومستوى فنياً عالياً، وبات من الواضح أمام الجميع الفرق بين الفنان المثقف وغير المثقف، المغني والعارض، المعلم وقليل الخبرة، واهتمام الفنان بلغته العربية ضروري وأساسي؛ لأنها أساس وجود الفن الشرقي، فمثلاً ثقافة "أم كلثوم" كانت تسمح لها بتغيير كلمات بعض أغانيها، وأنا أحرص على الاهتمام الدائم باللغة العربية التي تعدّ بحراً لا ينتهي اكتشافه من خلال قراءة النصوص الشعرية والأدبية، والعديد من النخبويين صرحوا أنهم غير سعداء من أمسيتي الأخيرة التي أقمتها على خشبة مسرح "أوبرا دمر" بسبب عدم غنائي لنخبة الأعمال العربية كما تعودوا، لكنني في الحقيقة حاولت أن أجد توليفة للحفل ترضي النخبويين كما ترضي فئة الشباب، خاصة أنني حالياً أتجه إلى فئة الشباب، وهمي الأول الاستمرار، مع احتفاظي بالإرث الذي حفظته وتربيت عليه، مرونة الفنان مهمة في حياته، وأنا أتمتع بمرونة كافية للاستماع إلى الأشخاص على اختلاف الآراء التي يطرحونها والمستوى الثقافي الذي ينتمون إليه، حتى إنني أتعلّم منهم، وأقوم بتغيير بعض الآراء التي اعتمدتها مسبقاً، لكن قد نصادف متكلماً غير منطقي، هنا أتجنب النقاش معه، وأكتفي بالاستماع. وقد شاركت في الغناء مع العديد من الفرق الأوركسترالية الوطنية الملتزمة بـ"دمشق"، وكان الظهور الأول كمغني صولو ومغني كورال مع أوركسترا نقابة الفنانين، وبعدها كنت محظوظاً أنني أصبحت مغني كورال في الفرقة "الوطنية السورية للموسيقا العربية"، وبعدها أخذت فرصة "مغني الصولو" بحفل التوشيح السوري، وأضافت إليّ العلامة الفارقة في طريقي الفني وهذبت أدائي الغنائي، وكانت لي مشاركات مع فرقة أساتذة معهد "صلحي الوادي" وأوركسترا "أورفيوس"، ونشاطي الفني مستمر بخطى ثابتة ومبشرة، وأسعى إلى أداء الحديث والمختلف بعيداً عن المطروق والمتداول».

المايسترو "نزيه أسعد"، عنه يقول: «أكثر ما يميز "محمود" قدرته العالية على ضبط صوته والتحكم بتفاصيل الأداء الغنائي، وهو على علم بما يغني، وهذه الصفة أهم صفات المغني المحترف، من خلال الحفل الذي قمنا به معاً في مجمع "دمر" الثقافي، استعرض "محمود" الألوان الغنائية الشرقية المتنوعة، وأعطى كل لون الطريقة المناسبة لأدائه، وأرجو في الأيام القادمة أن تحمل له تميزاً وظهوراً يليق بإمكانياته الاحترافية، ونحن نشجع كل من يشبهه».

يذكر أن "محمود الحداد" من مواليد محافظة "دمشق"، عام 1989.