شاهدت-أنا كاتب هذه السطور- السينما لأول مرة عندما انتقلت من قريتي في عام 1963 إلى منطقة "المالكية" لأبدأ مرحلة الدراسة الإعدادية، آنذاك قررت مع بعض الأصدقاء حضور ذلك المخلوق العجيب، وفي مساء يوم كان يميل إلى البرودة على اعتبار أن فصل الصيف كان يهم بالرحيل دخلنا الصالة الكبيرة المفتوحة على السماء.

همس أحدهم في أذني قائلاً: سترى شخصيات حقيقية على هذا الحائط الكبير المدهون بالأبيض، لحظات وبدأ الفيلم الذي أتذكره جيداً فقد كان فيلم "عنتر بن شداد" لوحش الشاشة "فريد شوقي"، وفي مشهد منه يظهر البطل على مساحة الشاشة وهو يمتطي حصانه شاهراً سيفه في تلك اللحظة كدت أهرب.

في منتصف الفيلم بدأت زخات المطر، انطفأت الشاشة وخرجنا جميعاً، بعد تلك الحادثة بحوالي عشرين عاماً انتقلت مع العائلة إلى دمشق بحثاً عن سبل العيش، دمشق كانت تعج بصالات السينما حينها، وقفت يوماً في طابور كبير أمام سينما "كندي" لأحضر فيلم "أحلام المدينة" لمحمد ملص، هكذا كان حال كل صالات السينما تعج بالحضور مع كل عرض.

صالة الكندي

يصف الصحفي "عادل نبي" أيام مهرجانات دمشق السينمائية في الثمانينيات بأنها ستبقى محفورة في الذاكرة، حيث كانت دمشق تحتضن شخصيات فنية وأفلاماً سينمائية من كل بقاع الأرض، وصالاتها الأساسية تستقبل أحدث الأفلام، ويتابع حديثه لمدوّنة وطن: «في الثمانينيات كانت صالات السينما في دمشق لا تزال في ألقها وجمالها من حيث المضمون، فمثلاً صالة "الكندي" التابعة لمؤسسة السينما الواقعة في حي "الفردوس" احتضنت نتاج المؤسسة وأفلام الجوائز وكانت مركزاً لرواد السينما الجادة، وهي لا تزال موجودة إلى الآن رغم صوت الهواء الذي يملأ صالتها الفارغة لدرجة تشغيل كل معداتها لشخص واحد أحياناً، وقبلها بشارع باتجاه ساحة المحافظة توجد صالتان هما "الفردوس" و"دنيا" اللتان خصصتا سابقاً لأفلام (الأكشن) والرومانسية، أما حالياً فهي متوقفة كغيرها عن العمل".

وأضاف: «أيضاً هناك مسرح وسينما "الزهراء" الكائنة جانب بناء مجلس الشعب، والتي استقبلت سابقاً العديد من نجوم المسرح العربي مثل فرقة "سمير غانم"، كما أنها كانت تعرض أحدث الأفلام العربية، وأذكر بأنني حضرت فيها فيلم "الأفوكاتو" لعادل إمام في سنة إنتاجه، اليوم أغلقت صالتها واكتفى أصحابها بالمقهى التابع لها، وسينما "دمشق" بمنطقة فكتوريا التي توقفت لمدة خمس سنوات للإصلاحات وتعدُّ اليوم الصالة الوحيدة التي تستقبل عروض افتتاح الأفلام السورية بعد تغيير اسمها إلى سينما سيتي، ولا ننسى صالتي "الشام" التابعتين لفندق الشام وقد عدّتا للطبقة المخملية لغلاء ثمن تذاكرهما منذ الثمانينيات، إضافة إلى بعض الصالات مثل "السفراء" في ساحة المحافظة"، "بيبلوس" في شارع رامي، "ديانا" ساحة المرجة، "إهرام" في شارع فكتوريا، وأوغاريت في منطقة الحجاز.

سينما دنيا

يعود بنا الكاتب والمسرحي "عارف حمزة" الذي شارك بدايات السينما السورية، وتحديداً في فيلم "وادي الأخضر" للمخرج "زهير الشوا" عام 1959، إلى السبعينيات من القرن الماضي متحدثاً عن صالات السينما بدمشق حينها، فيذكر سينما "العباسية" في منطقة فكتوريا التي تحولت إلى صالة 8 آذار "المسرح العسكري"، ويتابع: «أيضاً كان هناك سينما "سورية" لصاحبها "بهجت المصري" التي استقبلت كبار نجوم المسرح العربي مثل "محمود المليجي" و"لبلبة" ويحل مكانها اليوم نفق المشاة عند مدخل سوق الحميدية، وفي مبنى فندق الشرق في منطقة الحجاز كانت توجد صالة سينما "عايدة" وأعتقد أنها لا تزال موجودة إلى اليوم لكنها متوقفة عن العمل منذ أكثر من أربعين عاماً، إضافة إلى سينما "أمية" والتي حلَّ مكانها مرآب للسيارات بين فندق "عمر الخيام" والمستشارية الثقافية الإيرانية بالمرجة، وسينما ومسرح "فريال" في ساحة المحافظة التي تغير اسمها إلى "أمير" وهي أيضاً لا تزال موجودة إنما مغلقة منذ فترة طويلة، فضلاً عن سينما "غازي" التي تغير اسمها فيما بعد إلى "ديانا" وهي متوقفة أيضاً، مثلها مثل السفراء والخيام.

وأنهى "حمزة" حديثه بالقول: «أذكر جيداً نشرة الأخبار بصوت الأستاذ "صابر فلحوط" في أواسط الستينيات وبداية السبعينيات قبل بدء العروض السينمائية في أغلب صالات دمشق.

سينما فردوس