صقل "وسيم عبد الحميد" خبراته التشكيلية وازدهرت كموهبة من صنع يديه وإبداع خاص به خلال السنوات الماضية؛ حيث حجز لنفسه مكاناً في عوالم فن التصوير الزيتي منذ عام 2003، ما جعله مدرّساً أكاديمياً محبباً لبعض الطلاب الشغوفين، بالإضافة إلى مواصلته ترسيخ مبادئ الثقافة.

اكتشف الخطوط وعرف طريقه للرسم عندما تعلّم كيف يصنع الرمز في تراقص الذاكرة على إيقاع اللون، لذا تكونت عنده بدايات الرحلة الفنية، وكان في صغره كأي موهوب يبدأ في رسم كل ما تقع يده عليه، ثم يتأمل كل ما هو حوله.

وبّين "عبد الحميد" لمدوّنة وطن أنه تعلّم قوة اللون وتأثير الضوء على الألوان. طفل يرسم الأشياء كما يشاء وليست كما هي بالضبط، انتقل فيما بعد إلى المدرسة التي لها أثر هام في الملاحظة والتجربة وترجمة المواد بأسلوب شخصي، لتصبح هذه المتعة حلماً يعيشه يومياً وعليه أن يحققه، ولذلك اختار الدراسة الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق".

في إحدى الفعاليات

الرمزية والخصوصية واضحتان في كل لوحاته، وتعدُّ الحركة الرمزية في الفن -حسب تعبيره- تياراً غير واضح الأطر كبقية المذاهب؛ فهو يكاد يقرّ بتوجهه للمدرسة التعبيرية الحديثة، لكن هذا التيار يتميز عنها بتقديم المحتوى على الشكل، والاهتمام بالفكرة على حساب القواعد الأكاديمية في الرسم، من خلال التأليف بين المحتوى والتجسيد الذي يخلق تكاملاً جمالياً قادراً على إظهار اللامرئي، من خلال البحث في معاني المرئي فيه.

يبني "وسيم عبد الحميد" لوحاته على منهج تعبيري قائم على التأمل والضبابية والرمزية الطاغية، عبر أشكال لونية مبعثرة ومن خلال خطوط تختزل المشهد لتشغل الفكر والروح، فدقة الشكل تذوب أمام الدقة المعبرة في بقعة اللون، يستخدم الألوان كي يعبر عما يريد التعبير عنه بالفعل، ويشكل في المخيلة طرحاً فنياً يمنح اللوحة فرصة التفاعل الشعوري للوصول إلى المعنى الخفي، وتحويل الفوضى -برأيه- من اللافهم إلى الفهم، ومن القراءة إلى السرد، معتمداً على عدة عناصر مثل المرأة، الحلم، الزمن، الطبيعة، عبر تفعيل رمزي يغوص في غموض الوجود والكون، من خلال العلاقات والتفاعل الثقافي بين الشعر والموسيقا والألوان.

من لوحاته

أساس مصدر الإلهام عنده النصوص الشعرية، مثل مشروع "أولاد المسافة" المتضمن لوحات متتالية مستوحاة من مجموعة شعرية للشاعر "وائل شعبو"، أو من مقطوعات موسيقية تأخذ الخيال إلى عوالم الأسطورة والواقعية الكلاسيكية المفرطة، من خلال تجسيد الشكل العاري للإنسان، ودمج العناصر البشرية والروحية مع الوجود والطبيعة والسرمدية، التي تحفزنا لكي نتخيل حياة أخرى، وهذا ما عبر عنه في آخر لوحتين شارك بهما "عبد الحميد" في المعرض السنوي؛ تحمل اللوحة الأولى اسم "سكرة مملة بين نيتشه والمسيح سالومي والمجدلية"، أما اللوحة الثانية فتحمل اسم "عن الحقيقة والأوهام بحس أخلاقي".

من جهة أخرى، يعمل الفنان "عبد الحميد" بشكل مستمر مع الأطفال في مدارس أبناء الشهداء منذ عام 2012 عبر إقامة ورشات عمل دورية وفنية لهم، بالإضافة إلى أنه يقوم بتدريس مادة الرسم في المعهد العالي للفنون التطبيقية، ويحضّر الآن لمعارض فردية جديدة، بالإضافة إلى مشروعه الخاص، كما يشارك بشكل دوري في المعارض السنوية والملتقيات الجماعية في سورية وخارجها، منها: ملتقى التصوير الزيتي الثامن 2020 "سورية جسر المحبة" الذي أقيم بالمتحف الوطني في "دمشق".

لديه العديد من الأعمال المقتناة في "سورية، قطر، لبنان، تونس، روسيا، أميركا"، نظم "وسيم" وشارك في العديد من الفعاليات الفنية والتطوعية لتعليم الرسم بكافة أشكاله وتقنياته للأطفال ولذوي الاحتياجات الخاصة، وحصل على عدة شهادات وجوائز تقديرية من محافظة "دمشق" ومشروع "بكرة إلنا" ومن وزارات الثقافة والتربية والدفاع واتحاد الفنانين التشكيليين.

تحدث الفنان التشكيلي "وضاح سلامة" عن تجربة "عبد الحميد" ومنهجيته الإبداعية في لوحاته الزيتية ذات الطابع الإنساني، ولا سيّما أنه يمتلك بحثاً فنياً خاصاً به ويعمل على منهجية مرتبطة بإحساس مرهف عالي المستوى، لوحاته تخاطب الروح، فهو يختار موضوعه بجرأة كبيرة، ويكسر جميع القيود بحرفيته العالية، ويجعل المتلقي شارداً في أفكاره، خطوطه مدروسة مشغولة بحرفية عالية جداً، أما ألوانه فهي مزيج بين الحار والبارد؛ حيث تحضر درجات البنفسجي الواسعة في بعض أعماله مع الألوان البرتقالية والأصفر، التي تمنح المتلقي شعوراً بالحركة والثبات في الوقت نفسه، نادراً ما يستطيع أحد القيام بهذا الطرح الفني، ولأنه يمتلك جرأة وثقة عالية بالنفس، فإننا نجد في جميع أعماله شخوصاً إنسانية موزعة ضمن الكادر الخاص به.

تمّ اللقاء بتاريخ 5 كانون الأول 2020.