لم يدرس الحرفيُ "محمد سعيد كريمو" التّاريخَ ولم يبحث فيه لكننا نجده حافظاً لمعالمه وينقشه قطعاً جميلةً من الخشب، منها ما يخبرنا عن العهد العباسي، وأخرى عن الفاطمي، والأيوبي، والأيسري (القيصري) وغيرها.

التقت مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 6 أيلول 2019 الحرفي "محمد سعيد كريمو" وتناولت معه الحديث عن حرفة النقش والحفر على الخشب وكيف تعلّم أصول العمل بها وأتقن تفاصيلها فقال: «اعتدت منذ الصّغر التّردد المتكرر على ورشة والدي "محمد رجاء كريمو" كونها قريبة من منزلنا، بالإضافة إلى الإقامة الطّويلة فيها أوقات العطل المدرسية، وكما كل الأطفال كان الفضول يلازمني في العبث بأدوات العمل والخشب، وكان والدي يحذّرني من الاقتراب والعبث، إلى أن جاءت اللحظة التي طلبت فيها تعلّم أصول هذه المصلحة، فراقَ له طلبي بعد أن تأكّد من جدية نيتي في التّعلم، فكان أوّل الدّروس وهو الوقوف قربه والنّظر إلى ما يفعله، واستمر هذا الدّرس مدة خمسة عشر يوماً، وثمّ طلب مني الإمساك بالأزميل والبدء بالحفر على قطعة خشب وفق ما يحدد لي، وما كان مني إلا السّمع والطّاعة، وأخذت بحفر مربعات متتالية ومتعاكسة وأشطف واحداً على آخر وباتجاه سدى الخشب، لتعطي في النهاية جدلة، وأخذت أعيد الحفر وأكرره وأتلقى أساسيات الحفر وبقيت على هذه الوتيرة مدة ثلاثة أشهر لأتقنَ بعدها حفر الجدلات والأيسري».

النقش على الخشب موجود منذ وجود الحضارة السورية، وقمة إبداعه بدأت بالعصر الأموي وابتعد عن الرسوم الإنسانية والحيوانات وأخذ منحىً تطوّرياً فنياً وكذلك النقش العباسي، وتطور النّقش برسومه الهندسية والنباتية حتى الحفر الفاطمي ذي التّجاويف العميقة، ثمّ جاء الحفر الأيوبي الأغلى في كل أنواع النقش والحفر. لقد استطاع الحرفي "سعيد" تصنيع القطع الجميلة بمهارة عالية خبرها وورثها عن أجداده إلا أنّه لم يتقيد فيها بتفاصيل مدرستها، هنا وقعت على عاتقنا مهمة التوجيه بأن تكون لكل قطعة بصمة المدرسة التي هي منها وكان تجاوب "سعيد" ممتازاً وذلك بعد قناعته بأنّ قطعه تكتب التاريخ بطريقة مختلفة، وليس من الضروري أن نتبع الحداثة ونقتل تراثنا

يتابع الحرفي "سعيد" في قصة تعلمه الحرفة ويقول: «بعد ذلك جاءت مرحلة تعلم النقش على الخشب وهو الذي يحتاج مهارة ودقة أكثر وقد تهيبت هذا العمل، ولمس ذلك والدي، فعهد بي إلى أحد اصدقائه "ياسين المنجد" وبدأت العمل بدوام كامل أتعلم وأتلقى أسرار النقش بنهم، وكلفني هذا خمسة عشر يوماً لأكون بعدها من أسرع العمال وأكثرهم إتقاناً ومحلّ ثقة معلمي، وهنا جاء دور تعلم رسم النّقوش، وانحصر تعلمي هنا بالمراقبة وتكرار الرّسم فلا بدّ للحرفي المتمكّن من حفظ تصميم الرّسم وإتقان نقشه وحفره، فاجتهدت في ذلك وتعرفت على الحفر الفاطمي بزخارفه الإسلامية والإيسري بأشكاله الهندسية والعباسي و"نور الدين" بتكويناته التي تشبه ورق العنب إلى أن حققت هدفي وبشهادة أوّل من رسم النقوش "أبو رشدي" وكنت في ذلك قد حققت شروط والدي في استقلالي بعملي وبورشتي الخاصة وأنا بعمر التّاسعة عشر، ثم بدأت العمل بـ6 سكملات (طاولات) ثمّ الكراسي وتبعتها الأعمال وتلاحقت ليكون لها اسماً يُتداول بين الحرفين وتخطت حدود البلاد، ليأتيني طلبات خارجية باسمي ومنها فندق "جميرا ميناء السلام" بـ"دبي" وكذلك في "البحرين" فتوسعت أعمالي وتعددت ورشاتي وازدهر عملي وتطوّر، وتجمع معي ما يقارب 250 حرفياً إلى أن جاءت ظروف البلاد الصّعبة وتوقفت وتيرة العمل لتكون فقط ضمن البيت وبمساعدة زوجتي وأولادي ومن ثمّ انضممت للعمل في "بيت الشرق للتراث"، وبدأنا بإعادة إحياء هذه الحرفة».

قطع جاهزة للمرحلة النهائية من العمل

مديرة جمعية "الوفاء التّنموية السورية" "رمال الصّالح" تحدثت عن طبيعة العمل الذي جمعها مع الحرفي "سعيد كريمو" قائلة: «تحقيقاً لأهداف جمعيتنا في إقامة المشاريع التنمويّة، جاء إحداث "بيت الشّرق للتراث" ليضم 12 حرفياً سورياً متميزاً فقدوا ورشهم وأدواتهم وكذلك سوق منتجاتهم بسبب أزمة البلد، ويأتي احتواء هؤلاء الحرفين أحياءً للتراث الدمشقي الحامل الأكبر للهوية السورية ومن هذه الحرف حرفة النقش والحفر على الخشب وهي حرفة سورية متميّزة و"سعيد" من أوائل الحرفيين المهرة على مستوى القطر وله بصمته بهذه الحرفة التي أخذها عن والده وجده من قبله، لديه تفاؤل كبير، وطموحه أكبر، وقد جسّد أمله بالمستقبل بشكل عملي من خلال تعليمه أصول الحرفة لولده، فكان له كما كان لبعض الحرفيين في البيت، قدمنا له مقومات الدّعم للنهوض بهذه الحرفة بأسلوب منهجي وضمن خطة عمل واضحة».

دكتور التراث "خالد الفياض" يحدثنا عن تاريخ حرفة النّقش والحفر عن الخشب فيقول: «النقش على الخشب موجود منذ وجود الحضارة السورية، وقمة إبداعه بدأت بالعصر الأموي وابتعد عن الرسوم الإنسانية والحيوانات وأخذ منحىً تطوّرياً فنياً وكذلك النقش العباسي، وتطور النّقش برسومه الهندسية والنباتية حتى الحفر الفاطمي ذي التّجاويف العميقة، ثمّ جاء الحفر الأيوبي الأغلى في كل أنواع النقش والحفر.

السيدة رمال الصالح مديرية جمعية الوفاء التنموية

لقد استطاع الحرفي "سعيد" تصنيع القطع الجميلة بمهارة عالية خبرها وورثها عن أجداده إلا أنّه لم يتقيد فيها بتفاصيل مدرستها، هنا وقعت على عاتقنا مهمة التوجيه بأن تكون لكل قطعة بصمة المدرسة التي هي منها وكان تجاوب "سعيد" ممتازاً وذلك بعد قناعته بأنّ قطعه تكتب التاريخ بطريقة مختلفة، وليس من الضروري أن نتبع الحداثة ونقتل تراثنا».

"سعيد كريمو" من مواليد "دمشق" عام 1976.

الدكتور خالد الفياض