صاغ بقيثارته قصائده المفعمة بحب الوطن فلقب "بشاعر الجلاء"، شعره ونثره لوحات خالدة على مر الدهر والعصور لذا هو "رجل الصناعتين"، فهو واحد من كوكبة الشعراء الذين برزوا في بدايات القرن العشرين، إنه الشاعر "شفيق جبري".

عنه تحدث أحد تلاميذه الدكتور"نزيه العظمة" بالقول: «شفيق جبري شاعر المناسبات، شعره منبري فيه قيمة فنية وتاريخية مهمة، ساهم مع غيره من الشعراء في المعركة بسلاح القصيدة.

توفي "شفيق جبري" في 23 كانون الثاني 1980 عن عمر ناهز اثنين وثمانين عاماً ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق تاركاً إرثاً شعرياً كبيراً ومجموعة من الدراسات، وتقديراً له سميت حارة وشارع دمشقي باسمه إضافة لمدرج بكلية الآداب بجامعة دمشق ولا ننسى بيت جبري في حارات دمشق القديمة الذي مازال عنواناً للأصالة يرتاده سياح من مختلف أنحاء العالم

أعطى "جبري" ذاته للفن وأعطى الفن لشعبه، وإن الأحداث التي مرت على سورية آنذاك هي التي انطقته بالكثير من شعر المناسبات، وقد وجدت من خلال قراءتي لأستاذي إنه يعطي قيمة لموروثنا القديم فهو يعيد التراث ويستكشفه، وأن يأتي أستاذاً في الخمسينيات المبكرة ويطلب من تلاميذه ألا يأخذوا النصوص على ظاهرها وأن يستنطقوها تلك لعمري سابقة تحسب لجبري.

من المؤلفات

أحب "جبري" العزلة والبعد عن الناس، وفي شعره حلاوة اللفظ وصدق المشاعر وعفوية الصورة فهو يعبر بصدق وإخلاص عما تكنه لواعج نفسه وما تنطوي عليه سريرته من حبه للعيش وحيدا ورغبته في الابتعاد عن الناس».

"مدونة وطن - eSyria" التقت الباحث "محمد مروان مراد" والذي تحدث عن الشاعر "شفيق جبري" بالقول:

من مؤلفات الشاعر

«في حي الشاغور الدمشقي ولد "شفيق جبري" /1898/، حفظ القرآن بالكتّاب وحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة الآباء العازريين، تعمقت ثقافته وقويت لغته العربية من خلال قراءته لكتب التراث والشعر، تعددت رحلاته للعديد من الدول العربية والأوروبية مع والده خلال تجارته، ما أتاح له الفرصة لاكتشاف جمال الطبيعة وتفتح مواهبه الشعرية من خلال تأثره بآداب الغرب.

أول قصيدة كتبها كانت في رثاء صديق له نشرت في جريدة "سورية الرسمية" 1920، وتتالت محاولاته التي جعلت منه اسما يتبوأ طليعة أعلام الأدب في سورية في القرن العشرين.

من مؤلفات جبري

تنوعت موضوعات شعر جبري الذي عانى من ظلم الاستبداد وويلات الاحتلال الفرنسي فكان في شعره الوطني يشعل نار الثورة في النفوس، كان شعره الوطني ينزف دماً وحسرة على بلاد الشام وما أصابها من ظلم المستعمر الغاشم فكان بشعره يستنهض الهمم والعزائم لتفيق من كبوتها وتصحو من سباتها العميق وتنفض عنها غبار الهزيمة وقصيدته "نوح العندليب" مثالاً لشاعريته قائلاَ:

دع العندليب على غصنه يردد للغصن أحزانه

كتمت الشجون عن العندليب فراح يبثك أشجانه

أتبكي العنادل أوطانها ولا يندب المرء أوطانه

دعا لبذل الدماء وطرد الفرنسيين من أرض بلاده بقوله:

بللوا الأرض وأخضبوا وجهها الحر

فلا يشفي في اليوم غير خضابه

قسماَ بالحمى وأربابه حتى

يعود الحمى إلى أربابه

وفي دمشق التي يراها رمزاً لبلاد الشام وذرات ترابها يقول:

أفلا تحركني شدائد أمة

هانت فسلها هل تمس هوانا

وطني ولم أؤمن بغير ترابه

وأرى التراب يزيدني إيمانا

وللتأمل في شعر "جبري " نصيب فهو الأقرب لشخصه وطريقة حياته التي جمعت بين البحث والتعليم والشعر من أقواله:

يا أرض هل صدقت عن أهلك الكتب

ضج العراء ومارت في الدجى الشهب

هل اليقين استثار اليوم عزمهم

أم العزائم فيها الشك والريب».

يتابع: «أما الرثاء فبشعره رثاء للراحلين الذين عرفهم ورثاء للزعماء الذين فقدتهم الأمة أمثال "سعد زغلول"، "هاشم الرفاعي" قارب رثاؤه المديح حيث تناوبت فيه مناقب الفقيد وتعداد محاسنه ومآثره، وفي رثاءه للراحلين المعاصرين فقد رثى عدداً من الذين عاصرهم "أحمد كرد علي"، "حافظ إبراهيم" وكانت معلقات طويلة.

ولأدب الرحلات نصيب في شعر جبري فقد كان يرقب يرصد يدون ويصف ويقدم لوحة رائعة لما رآه.

شخصيته تميزت بالنباهة والرهافة منذ نعومة أظفاره وحبه للثقافة والأدب، أتقن من اللغات العربية والفرنسية وألم بالإنكليزية، صقلت الأسفار مواهبه وفجرت الإبداع الشعري لديه فأصبح من الشعراء السوريين المشهورين في القرن العشرين، لجبري رأيه في الحرية حيث قال: «الأدب يتطلب الحرية التامة، اتمنى أن يأخذوا كل شيء ويتركوا لنا حرية الرأي وحدها».

تأثر بما قاله ابن خلدون واستفاد من قراءاته لكتب التراث للمتنبي والشريف الرضي والجاحظ وغيرهم، له اطلاعات على الشعر المهجري وبرأيه أن الشعر الحر هو شعر جديد لا قافية فيه، في شعره روعة الصورة ورهافة الحس والقدرة على استيحاء الألفاظ وتطويعها أبداً لأوزانه وقوافيه.

جمع "جبري" نتاجاته الشعرية في ديوان "نوح العندليب" لكنه لم ينشر في حياته، له كتابان عن تجربته الإبداعية "أنا والشعر" و"أنا والنثر"، وثلاث كتب عن أدب الرحلة "بين البحر والصحراء" و"أرض السحر" و"على صخور صقلية"، كما جمعت مقالاته في كتب من خمسة مجلدات بعنوان "أفكاري" وله دراسات أخرى.

تقلب "شفيق جبري" في عدد من المناصب الإدارية حيث عين أميناً لوزارة التربية في عام /1920/ وترأس المدرسة العليا للآداب وعميداً لكلية الآداب، وأصبح عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق 1926.

أطلق عليه الشاعر "أحمد شوقي" لقب "شاعر الشام" وذلك عندما زار شوقي سورية بعد نكبة دمشق حيث التقى مجموعة من الكتاب والشعراء وكان منهم "شفيق جبري" الذي تحدث بحضوره بشعر خجول ومتواضع حيث التفت إليه شوقي وقال: "أنت أيها الفتى شاعر"، فالتفت الشعراء الموجودون وقالوا "شاعر الشام"، كما لقب برجل الصناعتين لأنه كتب في الشعر والنثر، وشاعر الجلاء لأنه خصص أكثر أشعاره للقضايا الوطنية».

ويختم "العظمة" حديثه بالقول: «توفي "شفيق جبري" في 23 كانون الثاني 1980 عن عمر ناهز اثنين وثمانين عاماً ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق تاركاً إرثاً شعرياً كبيراً ومجموعة من الدراسات، وتقديراً له سميت حارة وشارع دمشقي باسمه إضافة لمدرج بكلية الآداب بجامعة دمشق ولا ننسى بيت جبري في حارات دمشق القديمة الذي مازال عنواناً للأصالة يرتاده سياح من مختلف أنحاء العالم».