بدأت قصة هذه الطبيبة -غير المعروفة تاريخياً- الظهور مع انتشار صورة على شبكة الإنترنت مصدرها تدوينة لطبيبة أميركية قالت إنها وجدتها في أرشيف جامعة "دريسكيل" الأميركية.

يعود تاريخ الصورة كما هو مكتوب عليها إلى 10 تشرين الأول 1885، وقد وجدتها مصادفة الدكتورة "جايبرت فيردي ـ ديسي" أثناء إجرائها لبحث عن أمراض الأذن في القرن التاسع عشر في أرشيف كلية جامعة "دريسكيل" للطب في "كاليفورنيا" بـ"الولايات المتحدة"، وهي تضم ثلاث نساء، هنّ بالترتيب من اليسار إلى اليمين: "الدكتورة ثبات م. إسلامبولي" (دمشق ـ سورية)، وإلى جوارها اليابانية " كيكو أكامي"، أما التي في يسار الصورة فهي الهندية "آنانديباي جوشي".

هي من مدينة "دمشق" لعائلة "إسلامبولي"، وهذا الاسم من أسماء عائلات منتشرة في المنطقة منذ زمن الاحتلال العثماني لـ"سورية" والمشرق العربي، وتوجد حالياً في "حلب" و"دمشق" و"الأردن" و"لبنان"، وهي من أصول عربية، وكلمة "بولي" هنا تعني مدينة بالتركية والنسبة لها

السيدات الثلاث الواقفات بعظمة مميزات اللباس، كن طالبات في كلية الطب النسائية في "بنلسفينيا"، وقد التقطت الصورة في مكتب عميد الكلية، وكما يبدو فإن هذه الكلية التي نشأت عام 1850 تحت اسم "كلية الطب النسائي في بنلسفينيا"، ولم تسمح بدخول الرجال إليها إلا عام 1970، كانت المدرسة الأولى في العالم التي تستقبل النساء لتدريبهن على علاج مختلف الأمراض النسائية التي كان علاجها وللغرابة محصوراً على الرجال في مختلف أنحاء العالم.

اسمها في قرار التخرج

للسيدات الثلاث توثيق يختلف بين الواحدة والأخرى، فالطبيبة الهندية هي أكثرهن توثيقاً، وقد كتب عن حياتها الكثير وأنتج عنها فيلم حاز جوائز، وقصة حياتها مأساوية فعلاً، فقد تزوجت في العاشرة من عمرها، وتوفي طفل لها وقتما كانت في الرابعة عشرة من العمر، لكنها اليوم من رموز الهند التي كافحت كثيراً أمراض النساء التي كانت تقضي على كثيرات منهن.

الطبيبة اليابانية ذات توثيق مشابه تقريباً، فقد عادت إلى اليابان وعملت في مستشفى "طوكيو" العام، لكنها لم تكن أحسن حظاً، فقد رفض الإمبراطور الياباني أن يسلم عليها في المستشفى أثناء زيارته له لمجرد أنها "امرأة"؛ كما يذكر ذلك موقع جامعة "دريسكيل" الإلكتروني.

صورة للجامعة 1900

أقل هؤلاء النسوة توثيقاً هي طبيبتنا السورية، فلا أحد يعرف كيف وصلت الدكتورة "ثبات" إلى "الولايات المتحدة" للتعلم في هذه الكلية، ومتى وصلت وكيف، لكن وفق أكثر المصادر دقة، كما يقول الدكتور "يوسف نعيسة" المختص بتاريخ "دمشق"، وصاحب كتاب "تاريخ دمشق الاجتماعي والاقتصادي" في تصريح لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 تشرين الثاني 2015: «هي من مدينة "دمشق" لعائلة "إسلامبولي"، وهذا الاسم من أسماء عائلات منتشرة في المنطقة منذ زمن الاحتلال العثماني لـ"سورية" والمشرق العربي، وتوجد حالياً في "حلب" و"دمشق" و"الأردن" و"لبنان"، وهي من أصول عربية، وكلمة "بولي" هنا تعني مدينة بالتركية والنسبة لها».

ولدت هذه الطبيبة في "دمشق" في العقد السادس من القرن التاسع عشر، ومن الواضح أنها تنتمي إلى عائلة ثرية من عائلات "دمشق"، من خلال القفطان الذي ترتديه، والزينة التي تزينها، وقد درست في تلك الكلية حتى تخرجها، وتوضح وثائق الجامعة التي حصلنا على نسخة منها أنها حصلت على الدكتوراه في الأمراض النسائية عام 1890 بعد أن حضرت خمس سنوات من التعليم في تلك الكلية، حيث يرد اسمها في احتفالات الكلية السنوية (في الصور أحد النماذج)، كما يرد في سجل الخريجين في الكلية.

أما سرّ وجود آلة القانون في الصورة فهو أمر لم ينتبه إليه كثيرون، على أن مراجعة للوثائق أوضحت لنا أن الدراسة في تلك الكلية كانت تنقسم إلى جزأين مطلوب النجاح في كليهما، أحد هذه الأجزاء الموسيقا، والثاني هو الطب، أما المنهاج المطلوب للدراسة فقد كان يتنوع بين الكيمياء والأدوية والإسعاف، وغيرها من الأمور.

يشير موقع الجامعة إلى أن الطبيبة "ثبات" عادت إلى "دمشق" فور تخرجها ومارست عملها في تلك المدينة، ولا تذكر مصادر مطلع القرن المكتوبة في "دمشق" شيئاً عنها، ولعلها على الأرجح مارست عملها من دون افتتاح عيادة رسمية؛ حيث كان من الصعب جداً على النساء زيارتها في العيادة تبعاً لتقاليد ذاك الزمان.

الدكتور "نعيسة" قال تعليقاً على الموضوع: «لم تعرف "دمشق" المستشفيات العصرية حتى عهد "إبراهيم باشا"، حيث بقيت تعتمد على البيمارستانات القديمة، وفي عام 1831 بدأت طرائق العلاج الغربية الوصول إلى "دمشق"، بالتالي فإن وجود أطباء أو طبيبات كان ممكناً، لكن من دون توثيق وجود عيادات حديثة، والأغلب هو العلاج بالمنازل، حيث يزور الطبيب منزل المريض، وأغلب الأحيان يكون من العائلات الثرية؛ فالفقراء كانوا يلجؤون إلى البيمارستانات الحكومية، ولا يوجد توثيق لاسم هذه الطبيبة في سجلات "دمشق" مطلع القرن الحالي حسبما أعرف».

بعد وقت من عملها في "دمشق" انتقلت إلى "القاهرة" بعد الحرب العالمية الأولى، وتسجل وثائق من إدارة التمريض المصرية وجودها هناك كممرضة عام 1919، كما يسجل كتاب صادر عن كليتها عنوانها هناك عام 1926، لكن آثارها اختفت بعد ذلك حتى توفيت عام 1941، وحالياً هناك بعض من سلالتها يعيشون في "كندا" وفقاً للشاب "نجيب جرار" أحد المهتمين بالموضوع ويعمل حالياً على جمع توثيق وافٍ عن حياتها.