بقي الفنان "عبد الله بصمه جي" وفياً لريشته الساخرة وجمهوره العريض الذي شعر بلوحاته العابرة للحدود، فكان الفنان الذي لا يمكن سجن أفكاره في قفص، وعمل مع كبرى الصحف والمجلات العربية، ولم يتنازل عن حلمه في التعبير والرسم، حتى غيّبه الموت بعد معاناة مع المرض.

عن قصة الراحل الكبير مع فن "الكاريكاتور"، يروي الإعلامي "ماهر عزام" الذي عاصره لمدة طويلة، كما قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 شباط 2018: «في سن العاشرة، وبالتحديد في بداية السبعينات، عمل مع والده في دكان صغير، وكان في المحل المقابل تلفاز، وعلى ما يبدو أن وجوده كان نادراً عند الجميع، فكان والده يتركه في المحل للبيع، ويذهب إلى الجيران ليشاهد "توم وجيري"، ويعود غارقاً في الضحك، بينما يُحرم الطفل من المشاهدة. وهكذا تكونت لديه الرغبة في إنجاز رسوم متحركة تضحكه أولاً، وتدهش والده تالياً، وهكذا ولد "بصمه جي" الفنان».

في سن العاشرة، وبالتحديد في بداية السبعينات، عمل مع والده في دكان صغير، وكان في المحل المقابل تلفاز، وعلى ما يبدو أن وجوده كان نادراً عند الجميع، فكان والده يتركه في المحل للبيع، ويذهب إلى الجيران ليشاهد "توم وجيري"، ويعود غارقاً في الضحك، بينما يُحرم الطفل من المشاهدة. وهكذا تكونت لديه الرغبة في إنجاز رسوم متحركة تضحكه أولاً، وتدهش والده تالياً، وهكذا ولد "بصمه جي" الفنان

أما عن دخوله عالم الكاريكاتور، فيتابع: «كان "بصمه جي" لاعب كرة سلة، ويتابع المباريات، ويراسل صحيفة "الموقف الرياضي"، ويرسم لها رسومات مرافقة أيام ظاهرة المراسل الشعبي، فانتبه إليه رئيس تحرير صحيفة "الثورة" السورية "محمد خير الوادي"،

أحد أعماله

فأرسل في طلبه، وقدم له فرصة توظيفه رسمياً، وللمفارقة لم يوافق "عبد الله بصمه جي" على العرض، وطلب وقتاً للتفكير، فنهره "الوادي" قائلاً: (العالم تحلم بفرصة للنشر، وصحيفة الثورة تعرض عليك فرصة من ذهب وتتريث؟ فعلاً إنك مجنون، لكنني أحب هذا الجنون.. جنون فنان حقيقي، خذ وقتك، وبانتظار الرد). وبالفعل تم توظيفه ليرسم في الصفحات الداخلية.

بقي في جريدة "الثورة" من عام 1982 حتى عام 1988 عندما غادرها لظروف كثيرة، على الرغم من دعم رئيس التحرير الكامل له، فعاش لفترة فقراً شديداً، لكنه لم يستسلم، فعمل في تصوير حفلات الأعراس، فأبدع وتميز على مستوى "جرمانا"، وكان الأفضل لسنوات، وعُدّ على مستوى مدينة "دمشق" من الثلاثة الأوائل في هذا العمل.

من رسومه في صحيفة الوطن السعودية

إلى أن جاءت فرصة العمل مع صحيفة "الوطن" السعودية، فكان من المؤسسين لها، فرسم فيها من الأعداد الأولى ويومياً، متخصصاً في الكاريكاتور الثقافي، وغادرها بعد ذلك مكرهاً. وتنقل في عدد من المجلات، وبرع في مجلة "الناقد" التي ميزه صاحبها الصحفي "رياض الريس" عن غيره حتى بالأجر؛ لإعجابه الشديد بفنه».

عمل "بصمه جي" في عدد من أشهر المجلات والصحف المحلية والعربية، وأبدع في نقل الصورة الحقيقية للناس، وتصدى للمظاهر السيئة والفساد بجرأة وإبداع بعيداً عن المباشرة، وعدّت رسومه مواضيع صحفية متكاملة، يقول فنان الكاريكاتور "فيصل الحسين" عن الأماكن التي قدم فيها الراحل أعماله: «كان الراحل يمتلك فكراً خلاقاً وحاضراً بأسلوب مدهش، وأغلب المطبوعات الورقية تتمنى أن يبصم على صفحاتها، وما ميزه تلك الجرأة التي فتحت أمامه أبواباً لعدد من المطبوعات الكبرى، وأغلقت أخرى لعدم تحمل أصحابها تكلفة هذه الجرأة والحرية في التعبير. وقد عمل في الصحف والمجلات التالية: صحيفة "الثورة" السورية ما بين عامي 1982-1988، صحيفة "الموقف الرياضي" ما بين عامي 1986-1988، مجلة "الأسبوع الضاحك" اللبنانية عام 1988، الشركة الشرقية للمطبوعات اللبنانية عام 1988، مجلة "الكفاح العربي" اللبنانية ما بين عامي 1990-1992، مجلة "سامر" اللبنانية قصص مصورة للأطفال ما بين عامي 1990-1991، مجلة "هزار" اللبنانية قصص مصورة للأطفال ما بين عامي 1990-1992، مجلة "الناقد" اللندنية ما بين عامي 1990-1992، صحيفة "الوحدة" الإماراتية ما بين عامي 1992-1994، صحيفة "الكفاح العربي" اللبنانية مرة أخرى ما بين عامي 1997-1999، صحيفة "الوطن" السعودية».

يقول الراحل في إحدى مقابلاته عن فن "الكاريكاتور": «يعدّ الكاريكاتور من أصعب الفنون، إنّه السهل الممتنع؛ لأنّه يتطلب مواصفات عديدة، ومن الصعب أن تتوفر في شخصٍ واحد، ولهذا السبب هم قلّة ليس في "سورية" فقط، ولا الوطن العربي، بل في العالم أجمع، ويشبهونه باللآلئ النادرة. وأضيف أنّه يجب أن تتوفر مواصفات عديدة، أهمّها: أن يجيد الفنان الرسم، وهو وسيلة لإيصال الفكرة. وأن يكون صاحب فكر، لأنّ الفكرة هي الغاية، وهي التي ستحمل الرسالة. والأهم مما سبق الحسّ الساخر، وهذا الحسّ نابع من الداخل، لأنّ الكثيرين من الناس يظنون أنّ رسام الكاريكاتور شخصية مرحة، ودمه خفيف، وصاحب نكتة، لكنّهم لا يعلمون أنّ السخرية تنبع من داخله بسبب الألم. ولماذا التركيز على السخرية؟ فأقول لأنّه الفنّ الساخر فنّ التهكم والنقد اللاذع. نرى الكثيرين يمتلكون صفتي الفكر والسخرية، لكنّهم لا يمتلكون صفة الرسم، بل صفة الكتابة؛ لذلك ندعوهم كتّاباً ساخرين، أو قد يمتلك صفة الشعر فيسمون شعراء ساخرين، مثال على ذلك "محمد الماغوط"، ولو أنّه امتلك صفة الرسم، لأصبح أعظم رسام كاريكاتور».

يذكر أن الراحل من مواليد عام 1958 في "حلب"، كان قد درس الأدب الفرنسي، ويتقن الإسبانية لكونه عاش مع والديه في "أميركا اللاتينية" حتى بلغ العاشرة من العمر، قبل أن يستقروا في "سورية"، وقد شجعه الفنان "عبد اللطيف مارتيني" على خوض غمار هذا الفن بكل ما فيه، وقدم لما يقارب 35 عاماً بين الريشة والفكرة، ورحل عنا بتاريخ 2 شباط 2018 في "دمشق".