لما كانت صناعة الطب من أشرف الصنائع وأربح البضائع، وبات علم الأبدان قريناً لعلم الأديان، وصناعة الطب بالمكان اللائق، والحاجة إليها في كل وقت وزمان، كان "ابن أبي أصيبعة" العالم والطبيب والمؤرخ ينجز كل ذلك بإتقان.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 تشرين الثاني 2018، التقت الباحث والمهتم بالتاريخ الإسلامي "عروة عبد الحميد العبد الحميد"، ليحدثنا عن هذا العالم الجليل والمؤرخ القدير، فقال: «هو "موفق الدين أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم الخزرجي"، الذي يكنى بـ"أبي العباس"، ويلقب بـ"ابن أبي أصيبعة"، وقد اكتسب هذا اللقب عن جدّه الحكيم الذي كان يعمل في بلاط "الناصر صلاح الدين"، وقد وُلِدَ في "دمشق" سنة 596هـ/1200م، وتوفّى في جبل "صرخد" إحدى مدن "جبل حوران" سنة 668هـ/1270م.

على الرغم من شهرة كتاب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، إلا أن لعالمنا الجليل مؤلفات عدة، لكنها لم تنل الشهرة، ومنها: "إصابات المنجمين وحكايات الأطباء في علاجات الأدواء والتجارب والفوائد"، كذلك على الرغم من انشغاله بالتأريخ، إلا أنه كان طبيباً بارعاً، واشتهر بطب العيون (الكحالة)، وتتلمذ على يديه أغلب أطباء "دمشق"، و"صرخد" في "جبل حوران"

درس الأدب والحكمة والعلوم على يد مشاهير عصره من العلماء في كل من "دمشق" و"القاهرة"، وتلقَّى الطب على يد والده الذي كان طبيباً يعالج الرمد في "دمشق"، وعمِّه الذي كان عالماً في العلوم الطبية، كما تتلمذ أيضاً على يد الطبيب الدمشقي المشهور "ابن الدخوار" 628هـ/1230م، وأخذ علم النبات والعقاقير من "ابن البيطار" 646هـ/1248م، وقد أتمَّ العلم في "المارستان الناصري" في "القاهرة"، الذي التقى فيه زميله "علاء الدين أبي الحسن بن النفيس" 687هـ/1288م، وذلك عندما رحل إلى "مصر"، حيث أقام فيها مدة عام كامل، عمل ودرس الطب هناك، وعلا شأنه فيها، ثم انتظم في خدمة الدولة الأيوبية».

صورة متخيلة لعمله الطبي

أما عن كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" الذي ذاع صيته وبات مرجعاً طبياً مهماً، فيقول "العبد الحميد": «وقد ألَّف "ابن أبي أصيبعة" هذا الكتاب بناء على طلب الوزير "أبي الحسن أمين الدولة بن غزال السامري" وزير "الملك الصالح" ابن "الملك العادل"، وبدأ تأليفه سنة 643هـ، وانتهى منه قبل وفاته بسنة واحدة، ويمتاز هذا الكتاب باعتماده في جمع مادَّته المعلومات التي حصل عليها من إنتاج الأطباء والمؤرخين الأوائل، إضافة إلى ما سمعه واكتسبه بنفسه. ومن الأمور التي جعلت كتابه يمتاز عن غيره من المؤلفات، وجعلته منبراً لعلم الطب حتى اليوم، قيام المؤلف بتحرِّي الدقَّة في ذِكْر سيرة الطبيب وأعماله العلمية، وأهم إنجازاته في مجال العلوم الطبية. إضافة إلى ذلك اهتمَّ بعرض معلومات رائعة عن الحياة الاجتماعية والعلمية في عصره بأسلوب سلس دقيق، وقد قال عنه المستشرق "ألدو مييلي": إن كتاب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، يُزَوِّدنا بأهمِّ المعلومات عن تاريخ الأطباء».

يقول عنه كذلك الدكتور "عامر النجار" محقّق الكتاب: «لعل أهمية كتاب "عيون الأنباء" تكمن في أن صاحبه حفظ لنا الكثير من النصوص، ونقل عن أعلام المؤلفين في الطب، حيث نقل عن "ابن المطران" في "بستان الأطباء"، ومختصر كتاب "الأدواء" للكلدانيين، ونقل كثيراً عن "أبي الوفا المبشر بن فاتك" في كتابه "مختار الحكم ومحاسن الكلم"، والشيخ "أبي سليمان المنطقي" في "تعاليقه" أو "صوان الحكمة"، وعن "عبد الملك بن زهر" في "التيسير"، وعن "ابن ملكا العبري" في "المعتبر"، وعن "أبي معشر البلخي" في "الألوف"، ونقل كثيراً عن "حنين بن إسحاق" في "نوادر الفلاسفة والحكماء"، و"ابن جلجل" في "طبقات الأطباء". ويبقى "ابن أبي أصيبعة" المثل والقدوة لكل من امتهن التأريخ للطب، وبات أحد المراجع التاريخية التي نفخر بها».

عروة عبد الحميد

أما الباحث "علي إبراهيم الهيبة"، فيقول: «على الرغم من شهرة كتاب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، إلا أن لعالمنا الجليل مؤلفات عدة، لكنها لم تنل الشهرة، ومنها: "إصابات المنجمين وحكايات الأطباء في علاجات الأدواء والتجارب والفوائد"، كذلك على الرغم من انشغاله بالتأريخ، إلا أنه كان طبيباً بارعاً، واشتهر بطب العيون (الكحالة)، وتتلمذ على يديه أغلب أطباء "دمشق"، و"صرخد" في "جبل حوران"».