بجهد متواصل وإخلاص كبير لمهنة الطب، تمكّن الطبيب "هاشم صقر" من نشر العديد من الأبحاث العلمية، والحصول على براءة اختراع عن إنجاز طبي هو الأول من نوعه في العالم؛ بتوصيل الأوعية اللمفاوية والأوردة بأشعة الليزر، ليكون الطبيب السوري الوحيد الذي يذكر اسمه مؤخراً مع الفريق الطبي الروسي حول هذا الإنجاز في مجلة محكمة، ويذكره التاريخ الطبي الروسي.

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "هاشم صقر" أستاذ جراحة الأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة "دمشق" في مكتبه بمستشفى "المواساة"، بتاريخ 20 كانون الثاني 2019، وعن دوافعه لدراسة اختصاص الأوعية الدموية يقول: «كنت من المتفوقين في دراستي الثانوية، لكنني رغبت بأن أصبح مهندساً، ثم تقدمت لبعثة إيفاد، وكان نصيبي دراسة الطب في "الاتحاد السوفييتي"، وكانت لدي رغبة في خوض تجربة حياة الغربة، وبالمصادفة فرزت إلى معهد الطب الأول في "موسكو"، وكانت دراستي الجامعية في هذا المعهد العريق جيدة، وبعد تخرّجي في المعهد قبلت في الماجستير بالجراحة العامة، ومررت على كل الأقسام الجراحية، ولفت انتباهي اختصاص جراحة الأوعية، لأنني عملت به أكثر من غيره، وفي عام 1985 زرت كلية الطب في جامعة "دمشق"، وقيل لي البلد بحاجة ماسة إلى اختصاصي بجراحة الأوعية، وكان عميد الكلية آنذاك الدكتور "جاك غزي"، وحينئذٍ اجتمع لديّ دافعان؛ محبتي لهذا الاختصاص، وحاجة بلدي الماسة إليه الدافع الوطني، إضافة إلى أنني وجدت أن هذا الاختصاص له علاقة بكل الاختصاصات الطبية، ففي كل جزء من جسم الإنسان هناك وعاء (شريان، وريد، وعاء لمفاوي)، وهو جديد نسبياً في العالم؛ لأنه كان يمثل جزءاً من اختصاص جراحة القلب والأوعية الدموية، وفيه آفاق واعدة، فبدأت وأنا في "روسيا"، أتعمق في القراءة عنه، وكنت متميزاً باللغة الروسية، وطموحي لا يقف عند حدّ معين».

يتميز الطبيب الأستاذ "صقر" بخبرته الطويلة والكبيرة في جراحة الأوعية، وإنسانيته وتعامله اللطيف مع المرضى، والتعامل بتواضع وأخلاق مع طلابه، أعرفه منذ خمس سنوات، وشاركت معه في عدد كبير من العمليات، أشرف علينا في عدد من الدراسات فيما يخص جراحة الأوعية، إلى جانب اهتمامه الكبير بالناحية العلمية، من خلال المحاضرات التي تواكب التطورات والدراسات العالمية كل يوم خميس في شعبة جراحة الأوعية بحضور المقيمين وطلاب الطب من مختلف السنوات

وعن دراسته في أكاديمية العلوم الطبية في "روسيا" يتابع قائلاً: «ذكر لي مرة أن هناك بروفيسوراً كبيراً "بكروفسكي"، وهو أبو جراحة الأوعية في "روسيا"، وبعد عدة محاولات التقيته، وطرح عليّ العديد من الأسئلة، وأخبرني أنه مرّ عليه طالب سوري متميز أثناء الدراسة هو الطبيب "أحمد باكير"، الذي قام لاحقاً مع زملائه بأول عملية زراعة قلب في "سورية" في مستشفى "تشرين" العسكري، وقال لي حينئذٍ: إذا كنت مثله يمكن أن تبدأ تجربة الدراسة في الأكاديمية لثلاثة أشهر. وكلما كانت تمر ثلاثة أشهر كان يقول لي: (لم تصل بعد، مطلوب أكثر)، وبقيت أدرس في الأكاديمية، وكان كلامه حافزاً لي لأقدم المزيد، حيث كنت أناوب ثلاث عشرة مرة خلال الشهر، فكان بيتي هو المستشفى، ولاحقاً صارحني بأنه كان يقول لي ذلك الكلام لأبقى على نفس الوتيرة، وأنه يفخر بأنه خرّج في الأكاديمية باحثاً لـ"سورية" وكنت الأجنبي الوحيد فيها، وأشعر بالفخر عندما يأتي المريض الروسي ويطلب أن أقوم له بالعمل الجراحي، ومنذ سنتين ونصف السنة تقريباً عندما قمت بزيارة "موسكو" مع وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور "عامر مارديني"، لتوقيع اتفاقيات حول التعاون في المجال العلمي والطبي والتجهيزات الطبية، وكنت حينئذٍ مديراً عاماً لمستشفى "المواساة"، رأيت أنه من واجبي الأخلاقي زيارة مكان عملي في الأكاديمية ولقاء أستاذي البروفيسور الأكاديمي "بكروفسكي"، وكان لقاء عاطفياً مؤثراً، وتركت لدي هذه الزيارة شعوراً عميقاً وانطباعاً هائلاً بعد غياب 25 عاماً، فقال لي: (كنت دوماً أتوقع لك مستقبلاً طبياً باهراً)».

مع البروفيسور "بكروفسكي"

فيما يتعلق بذكر اختراعه في مجلة طبية محكمة مؤخراً، يقول: «دخل اسمي التاريخ الطبي الروسي أواخر عام 2018؛ من خلال الموضوع الذي نشرته مجلة "الجمعية الروسية العامة لأمراض الأوعية الدموية وجراحتها"؛ حول دور المدرسة العلمية الأكاديمية للبروفيسور "بكروفسكي" في تطوير اختصاص أمراض الأوعية الدموية وجراحتها، والإنجازات العلمية التي حققتها مدرسته، حيث تمكنت أثناء تحضيري للدكتوراه في الأكاديمية الطبية "الاتحاد السوفييتي" سابقاً، من تحقيق إنجاز علمي لأول مرة في وصل الأوعية اللمفاوية، والأوردة بأشعة CO2 ليزر، وحصلت فيه على براءة اختراع عام 1988، إذ استمرت إقامتي في "موسكو" نحو أربعة عشر عاماً، وكنت الوحيد من طلابه الذين ذكروا إلى جانب أطباء عظماء في مجال الأوعية، حيث أفرد لي فقرتين في المقال».

وعن الإنجاز الطبي يتابع قائلاً: «تكمن أهمية الاختراع في لحام الأنسجة بأشعة الليزر، وهذا يتطلب اختيار المعايير الدقيقة للأشعة من (طول موجة وقوتها، زمن الومضة، والمسافة الفاصلة بين منبع الشعاع والنسيج)، حيث يتم في مرحلة من هذه المراحل التحام حواف الأنسجة بعضها مع بعض، وتختلف هذه المعايير من نسيج إلى آخر، مع ضرورة مراعاة الدقة في الاستخدام حتى لا يتضرر النسيج، أضف إلى ذلك أنه اشترك معي آنذاك معهد الفيزياء بـ"روسيا" الحاصل على جائزة "نوبل" الذي صنع لي موجهاً ضوئياً مرناً يسمح بتحريك أشعة الليزر بكل الاتجاهات والزوايا، (يتحرك مع حركة يدي أثناء الجراحة مثل القلم)، وعليه ذكرت أسماءهم معي في هذا العمل، ونالوا مثلي براءة الاختراع، وجاء هذا الإنجاز بعد ثلاث سنوات من البحث العلمي الذي قمت به، والتجارب العلمية على الحيوانات (30 كلباً)، حيث بلغت عدد مقاطع التشريح النسيجي بحدود 4500 مقطعاً تشريحاً، وبعد التأكد من العينات وسلوكية مجازات (وصلات) على مراحل زمنية مختلفة ومتباعدة، تمت الموافقة على تطبيقها، واعتمدت كطريقة جديدة في الجراحة المجهرية، وكذلك في علاج مرضى الوزمات اللمفاوية في بعض مراحلها، وقمت بتطبيقه على الإنسان لمدة سنتين في معهد "فيشنيفسكي" للجراحة التابع للأكاديمية الطبية في "موسكو"، ونشرت ما يقارب 14 بحثاً علمياً، وفتح هذا الاختراع آفاقاً علمية واسعة، فأصبح بالإمكان لحم الأوعية الدقيقة ذات الضغوط غير العالية بأشعة الليزر، من دون استخدام القطب التي تسبب تندب حواف الأوعية، وهو ما يعني إمكانية عالية لانسداد هذه الأوعية الدقيقة».

من شهادات التكريم

وعن إنجازاته الطبية الأخرى ونشاطاته العلمية يتابع قائلاً: «في عام 1990 بعد عودتي الى "سورية" قمت بأول عملية إصلاح للشريان السباتي، وكذلك استئصال ورم جسم سباتي في مستشفى "الأسد الجامعي" بـ "دمشق"، وكنت من أوائل الأطباء الذين أدخلوا عملية (إصلاح أمّات الدم الأبهر البطني) إلى "سورية"، وفي عام 1991 قمت في مستشفى "المجتهد" بأجراء أول عمل جراحي لوصل أطراف مبتورة لمريض تعرض لانفجار لغم أدى إلى بتر طرفيه السفليين في "القنيطرة"، وعينت أول رئيس لـ"الرابطة السورية لأمراض وجراحة الأوعية الدموية" التي أسّست عام 1996، وترأست المؤتمر التأسيسي للرابطة، كما ترأست المؤتمرات السورية الفرنسية الطبية التي كانت تعقد سنوياً منذ عام 2003، حتى بداية الأحداث في "سورية"، وشاركت بتأسيس "الرابطة العربية لعلوم وجراحة الأوعية الدموية" عام 1999 في "مصر"، ونشرت معهم العديد من الأبحاث عن إصابات الأوردة، وفي عام 2001 ترأست "المؤتمر العربي الثالث لعلوم وجراحة الأوعية"، الذي أقيم في "دمشق"، وتم انتخابي رئيساً لـ"لرابطة العربية لجراحة الأوعية الدموية" لمدة أربع سنوات، كما ترأست جميع المؤتمرات الوعائية التي أقيمت في "سورية" منذ عام 1990 وحتى الآن، وحالياً أشغل منصب رئيس المجلس العلمي (البورد السوري) لاختصاص جراحة الأوعية الدموية في "سورية"، ورئيس شعبة جراحة الأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة "دمشق"».

من جهته الطبيب "أشرف محمد" من طلابه يقول: «أعرفه منذ أربع سنوات، منذ بداية اختصاصي في جراحة الأوعية الدموية، هو أستاذ كبير، ومن أوائل أطباء جراحة الأوعية في "سورية"، تظهر خبرته الطبية التي استمرت منذ أوائل التسعينات حتى اليوم، في التعامل مع المرضى، والتشخيص المرضي، والاستطباب. شاركت معه بالعديد من العمليات الجراحية كطبيب مساعد، بمعدل أربع عمليات أسبوعياً خلال السنوات الأربع الماضية، نتعلم منه التعامل الإنساني مع المرضى، كتقديم التسهيلات لقبولهم في المستشفى، ومساعدة غير القادرين مادياً عند الحاجة إلى إجراء عمل جراحي أو (شبكات) في القلب، ويتميز بصدره الرحب في التعامل مع الطلاب، وتشجيعهم على البحث العلمي، والتواصل العلمي الدائم، والمساعدة في التعليم العملي، ووضع الاستطباب الصحيح، وهو مثل أعلى لنا في هذا الاختصاص».

صورة جماعية من أحد المؤتمرات

الطبيب اللبناني "منتظر البذال" يقول: «يتميز الطبيب الأستاذ "صقر" بخبرته الطويلة والكبيرة في جراحة الأوعية، وإنسانيته وتعامله اللطيف مع المرضى، والتعامل بتواضع وأخلاق مع طلابه، أعرفه منذ خمس سنوات، وشاركت معه في عدد كبير من العمليات، أشرف علينا في عدد من الدراسات فيما يخص جراحة الأوعية، إلى جانب اهتمامه الكبير بالناحية العلمية، من خلال المحاضرات التي تواكب التطورات والدراسات العالمية كل يوم خميس في شعبة جراحة الأوعية بحضور المقيمين وطلاب الطب من مختلف السنوات».

يذكر، أن الطبيب "هاشم صقر" من مواليد "حماة" عام 1958، حاصل على شهادة الدكتوراه (اختصاص جراحة القلب والأوعية الدموية) من "أكاديمية العلوم الطبية"، "موسكو" عام 1989، عمل في مستشفى "المجتهد" ما بين عامي 1991-1994، وساهم بتأسيس شعبة "جراحة الأوعية الدموية" في وزارة "الصحة"، عيّن عضو هيئة تدريسية عام 1996 في كلية الطب جامعة "دمشق"، وفي عام 1997 عيّن رئيس شعبة "جراحة الأوعية الدموية" المحدثة في كلية الطب جامعة "دمشق" وحتى اليوم، وأسس شعبة "جراحة الأوعية الدموية" في مستشفى "المواساة" الجامعي، شغل منصب مدير عام مستشفى جراحة "القلب والأوعية الدموية الجامعي" عام 2014، ومدير عام للهيئة العامة لمستشفى "المواساة الجامعي" عام 2015، لديه العديد من الأبحاث المنشورة في دوريات ومجلات محلية وعربية ودولية، وتم تكريمه من أغلب الجمعيات العالمية في جراحة الأوعية، وحاصل على شهادات تقدير من مؤتمرات الأوعية في كل من "ألمانيا"، و"بلجيكا"، و"سويسرا"، و"إيطاليا"، و"فرنسا"، و"اليونان"، و"قبرص"، و"لبنان"، و"مصر"، و"الأردن"، و"السعودية" التي عمل فيها طبيباً زائراً في المستشفى "السعودي الألماني".