بصمة كبيرة تركها الراحل "موفق بغدادي" في قلوب كل من عرفه، وعلى الرغم من تخصصه في هندسة الديكور، وعمله مدرّساً ومحاضراً لسنوات طويلة، إلا أن ذلك لم يكن عائقاً أمام عشقه للفلك وعلومه، بل كان دائم التعمق والبحث في أدق تفاصيله.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26 آذار 2019، شقيقته المهندسة "زهرة بغدادي"، رفيقة دربه في كل نشاطاته، حيث قالت: «نشأ ضمن عائلة محبة للعلم، مؤلفة من ثلاث إناث وثلاثة ذكور، جمعتهم المحبة والمودة والاحترام المتبادل، والسعي لطاعة الوالدين، درس المراحل الدراسية الثلاث في مدارس حي "المهاجرين"، حيث كانت تقيم العائلة، ثم تابع تحصيله العلمي في جامعة "دمشق"، وتخصّص في هندسة الديكور، وأثناء دراسته الجامعية التحق بخدمة العلم، وخاض حرب "تشرين" التحريرية، وكان مقاتلاً في الخطوط الأمامية، تخرج في الجامعة عام 1974، ليبدأ حياته العملية كمدرس تم تعيينه في ثانويات "حمص"، تاركاً بصمةً جميلةً لدى طلابه آنذاك، علماً أنه لم يبقَ معهم إلا عاماً دراسياً واحداً، وفي عام 1975، وبعد وفاة والدنا، عاد إلى "دمشق" مدرساً أيضاً في مدارس حي "المهاجرين"، وقد كان المعيل لإخوة مازالوا حينئذٍ طلاباً في المراحل الإعدادية والثانوية، ولاحقاً انتقل ليصبح مدرساً في معهد إعداد المدرسين، القسم الفني، واستمر حتى نهاية خدمته عام 2007، بعد أن تجاوز سن التقاعد، أيضاً ومنذ عام 1975 حتى عام 2018 كان أستاذاً محاضراً في كلية العمارة في جامعة "دمشق"».

كان دائماً حريصاً على حضور جميع نشاطاتنا في المنتدى، ومشاركته الطيبة في الآراء والندوات كان لها وقعها الخاص في نفوس الحضور، كنا جميعاً ننتظره بشغف كي ننهل منه العلم في كل ما هو جديد وممتع

وتتابع: «في ستينات القرن الماضي، ومنذ أن كان في الثانية عشرة من عمره بدأت نشاطاته، والبداية كانت من المركز الثقافي العربي في "أبو رمانة"، الذي أقيم في عهد الوحدة بين "سورية" و"مصر"، فكان من الطلاب المثابرين الحاضرين لكافة النشاطات والندوات التي تقام فيه، هذا إلى جانب نشاطاته مع نخبة من أصدقائه الباحثين عن العلم والمعرفة. أما علاقته مع الفلك، فهي علاقة قديمة جداً تعود إلى طفولته المبكرة، ولطالما كان دائم التأمل في السماء والنجوم، مهتماً في كل ما يتعلق بهذا العلم، دائم المطالعة والقراءة، متعمقاً بأدق التفاصيل، ومنذ أن أسست "الجمعية الفلكية السورية"، أصبح من أبرز الحاضرين فيها، ومن المتابعين الدائمين لكل نشاطاتها، والظواهر الفلكية التي ترصدها في أي مكان وزمان، وقد كان من أول المشجعين لكي يمتد نشاطها خارج العاصمة "دمشق"، وهذا ما تم بالفعل، حيث رافقهم في عدة نشاطات بمناطق مختلفة، إلى جانب حضوره الدائم في نشاطات متنوعة ومعارض ومؤتمرات وندوات، كانت بصمته حاضرةً أبداً، منها معرض "دمشق" الدولي منذ دورته الأولى، وخلال مؤتمرات الاتحاد العام لنقابات العمال كانت تتم دعوته دائماً، وحضوره فيها كان مميزاً وغنياً، وله نشاطاته مع طلابه الجامعيين ضمن جولاتهم في الأحياء القديمة للعاصمة، وله بصمته في "الجمعية الجغرافية السورية"، كما يعدّ من قدامى الكشافة».

موفق بغدادي وشقيقته المهندسة زهرة

وتختم قولها: «أثره كبير في قلوب عائلته وقلوب كل من عرفه، متواضع جداً، فهو الأخ والصديق للصغير والكبير، محب للجميع ومتعاون في كل الظروف، عطاؤه لا حدود له، ولم يبخل يوماً في تقديم المعلومة والفائدة بمجرد حصوله عليها، وقد كان دائم السعي وراء المعرفة لتصويب أي خطأ وتصحيحه؛ وهذا ما جعله مصدر ثقة وأمان لدى الجميع».

أما الدكتور "محمد العصيري" رئيس "الجمعية الفلكية السورية"، فقد قال عنه: «عشق الأستاذ "موفق" الفلك، واهتم بالتعمق في دراسته، وله مساهمةً كبيرةً في تدريب الجيل الشاب على استخدام التليسكوبات، كما ربط بين الفلك والجغرافية، واهتم برصد الهلال، كثيرة هي ميزاته، فقد كان داعماً للشباب، والمشجع الأكبر على تأسيس "جمعية هواة الفلك السّورية"، التي تحولت لاحقاً إلى "الجمعية الفلكية السورية"، وقد رافقنا خطوةً خطوة، وفي كل نشاط كان يجتمع حوله الشباب ليشرح لهم مواقع النجوم، أمتعنا وأسعدنا بأسلوبه في شرح خارطة السماء، السماء التي أحبها فأحبته، وأحبه كل من أحبها».

"فاتنة خليفة" مديرة "المنتدى الثقافي العراقي"، قالت: «كان دائماً حريصاً على حضور جميع نشاطاتنا في المنتدى، ومشاركته الطيبة في الآراء والندوات كان لها وقعها الخاص في نفوس الحضور، كنا جميعاً ننتظره بشغف كي ننهل منه العلم في كل ما هو جديد وممتع».

يذكر، أن الأستاذ "موفق بغدادي" من مواليد "دمشق"، عام 1947.