الإمكانيات المادية الضعيفة التي تمتلكها يجب ألا تكون عائقاً أمام طموح مشروعها؛ فالحلم مهما صغر أو كبر بالإصرار يتحول إلى حقيقة، والنجاح سيكون حليف المشروع الذي يكبر خطوة خطوة، لكن كل هذا يحتاج إلى قلب مؤمن بذاته وقدراته على الوصول إلى الخطوة الأخيرة.

"صبحية" على سبيل المثال؛ السيدة التي تحدثت عن مشروعها بلهفة، وشرحت كيف باشرت العمل به، وأنها أصبحت اليوم سيدة منتجة تساعد بناتها في مصروفهن الجامعي، وتقدم ما تستطيع لابنها ذي الاحتياجات الخاصة للالتحاق بدورات تدريبية، ومع أن الخجل من عمرها الذي قارب الـ50 عاماً كاد أن يكون عائقاً أمام اتخاذها الخطوة الأولى في مجال العمل؛ ألا وهي التدريب، إلا أن الجو الذي قدم لها الدعم المعنوي كسر هذا الحاجز، إضافة إلى تفكيرها الدائم بالحاجة إلى مردود مادي ولو كان بسيطاً يساعد أسرتها التي عانت ويلات الحرب على مدى سنوات مضت.

تعلّمت "صبحية" في مركز المساحة الآمنة التابع لجمعية "تنظيم الأسرة السورية" مبادئ حلاقة الشعر النسائية، وكانت من بين المتدربات المميزات في إتقان الفنون الأولية لتلك المهنة، وشغفها لتأسيس عمل أو إتقان مهنة كان الدافع الأكبر لذلك، فجعلها تنسى المسافة التي تقطعها من منزلها في حيّ "تشرين" إلى "مساكن برزة" مشياً على الأقدام، لتكون أولى الواصلات إلى الحصة التدريبية، تستذكر ما قدمته المدرّبة لهن في الدرس السابق، وتعود إلى منزلها بكل ما أوتيت من حب وقوة، تطبق ما تعلّمته على بناتها وجاراتها ومن ترغب من السيدات مجاناً، فإصرارها الكبير على خوض تجربة مثل هذه يتطلب منها أن تبذل قصارى جهدها لتحقق النجاح الذي تسعى إليه، خاصة مع عدم وجود الدعم المادي لها من قبل أي جهة تمكّنها اقتصادياً لتستمر في مشروعها الصغير.

جزءٌ صغيرٌ من غرفة ضمن منزلها المتواضع خصّصته لعملها الخاص بالحلاقة، وأصبحت تستقبل زبائن بعدد يعدّ قليلاً، حتى إن كان المبلغ الذي يدفعه بعضهن لا يذكر، إلا أن "صبحية" مؤمنة بأن عملها الخاص سيكبر يوماً ما، والليرة التي تجمعها اليوم ستتحول إلى أضعاف بالجهد والمثابرة، وتفاصيل التجهيزات التي قامت بها لبدء هذا المشروع، وهي شراء ثلاث أدوات بسيطة فقط، وهي: (مقصّ، ومشط، و"طاقية صبغة") ستزداد في كل عام، ليتحول هذا الركن الصغير إلى صالون حلاقة كبير يضمّ جميع التجهيزات الحديثة، إلا أنها اليوم بهذه الأدوات الثلاث تضع حلمها وحلم عائلتها التي تبني آمالها على مستقبل أفضل بعد أن أصبح في الأسرة فرد عامل جديد.

الحلم مشروع، والمشروع الصغير سيكبر، وعلى الرغم من كل الإمكانيات البسيطة ستجد "صبحية" وغيرها أحلامهن تتحقق مهما كبرت أو صغرت بالإصرار والحب والعزيمة.