"معلولا" تحمل إرثاً حضارياً غنياً يمتد لآلاف السنين، وهي منطقة لها خصوصيتها من حيث الاحتفالات في المناسبات المختلفة التي تقام فيها، وتجمع المحبة والألفة بين أهلها؛ وهو ما جعل لكل مناسبة فيها نكهة مختلفة، ومن أبرز هذه المناسبات الأعراس.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 25 نيسان 2019، مع "أميرة ميلانة" ربة منزل من سكان مدينة "معلولا"، لتخبرنا عن العادات والتقاليد المتعلقة بحفل الزفاف في المدينة، فقالت: «كان مبدأ الزواج يغلب عليه الطابع العائلي، ومن شدة القرب والمحبة بين العائلات، كان كبار العائلات يختارون للصغار الأنسب، وتبدأ مرحلة التمهيد والتهيئة يمهد فيها الأب والأم لابنتهما عن العائلة التي ستعيش معها، ومدح الشاب وأهله أمامها بأخلاقه واحترامه لأبيه وأمه، وهذه نقطة أساسية مبدئية، ولم تكن هناك شروط، بل كانت تقتنع ببيت أهل الزوج؛ فهو بيت أهلها الجدد، وبعد مرحلة تهيئة الابنة لهذا الزواج، تبدأ قناعة الابنة بأن أهلها اختاروا لها الرجل والعائلة المناسبة، وتبدأ الاندماج معهم، وعلى مبدأ أن العشرة تولد المحبة، ويبدأ كل من الشاب والفتاة التقرب أحدهما من الآخر حتى ينضج الموضوع،

من العادات الهدية "النقوط"، كان في الماضي مبلغاً من المال يقدم هدية للعروسين. أما هدية أهل العروس، فهي عبارة عن لحاف ووسائد مطرزة، وعادة تنقل ملابس العروس إلى بيت العريس ضمن (البقج) المطرزة بألوان وأشكال يتم التباهي بها، وتحمل على رأس قريبات العروس إلى بيت العريس، ولم يكن يوجد مهر أو مقدم ومؤخر، والذهب عبارة عن قطعة صغيرة مقتصرة على العائلات الغنية فقط

ثم تبدأ مرحلة الطلب؛ أي يأتي والد العريس وعمه وخاله (جاهة) ويطلب يد الفتاة لابنه، وهناك جمل متعارفة في هذا المجال، مثلاً: "يا ميت أهلا وسهلا ونحنا منعتز فيكن"، "ضمن هذه اللمة الحلوة، يا جماعة قبلتوا فينا نحنا راغبين هالعرق يكون في بيتنا أو هالعنقود عنا"، وغيرها من الجمل التي تقال في هذه المواقف».

صورة من أحد حفلات الزفاف في معلولا

وعن تحضيرات الزفاف، قالت: «تبدأ مرحلة التحضير للزفاف، ويجب أن تكون المدة مقبولة، كي يجهز العروسان والغرفة الخاصة بهما، وهي عبارة عن سرير كبير عليه شراشف بيضاء مزينة من الجوانب والوسائد كذلك، وتسمى غرفة العروس "الحمامة البيضاء"، ويتم التفاخر بالمصنوعات اليدوية، مثل: زينة الطاولات والسرير، وكان في الماضي الزفاف سبعة أيام؛ كل يوم يأتي الزوار إلى منزل أهل العريس، وخلال هذه المدة يمتنع العريس عن رؤية العروس مدة أسبوع لحين الزفاف، وفي كل يوم تجتمع النساء لتحضير الطبخات وأهمها (الكبة) وتجهيز الخراف من أجل القيام بواجب المدعوين، وكل يوم من أسبوع التحضير للزفاف توجد سهرة يتم خلالها تقديم القمح والجوز والتين والزبيب إلى جانب النبيذ، لأنها من العادات القديمة التي باركها السيد "المسيح"، وخلال هذه المدة تأتي الصبايا لزيارة العروس ويرقصن ويدبكن مشاركة لها بفرحتها».

وتابعت: «آخر ليلة قبل الزفاف هي ليلة "الحنة"، تُجبل الحناء في بيت كل من العريس والعروس، ويكون عند العريس أصدقاؤه وأهله وتكون جمعة نساء ورجال. بينما عند بيت أهل العروس تكون الأغاني والزغاريد، وتأتي أم العريس وأخواته إلى منزل العروس من أجل صبغ يديها بالحناء، وتكون صحون الحناء مزينة بالريحان المعلولي و"الملبس" والزبيب، إضافة للورد المعلولي الصغير، وكل ذلك يترافق مع الأغاني والأهازيج المناسبة للحفل، وتكون الأغاني عن الفراق، وتبكي العروس وأمها، وتكون البداية للصوت الأجمل، ثم تغني الفتيات، ويتم تقديم الضيافة من أهل العروس بالزبيب والجوز واللوز للقيام بواجب أهل العريس، وكانت العروس تضع العصبات على الرأس والفستان المعلولي والزنار و"الزعابيب" المتدلية من تحت العصبة، وتلبس العروس الذهب الذي أهداه إياها خطيبها متباهية به، وفي الماضي لم يكن هناك "مكياج"، بل يقتصر على القليل من الكحل العربي.

الباحث محمد فياض

وفي اليوم التالي تتم مراسم الزواج؛ ويمسك كبير العائلة يد العروس ويصطحبها من بيت أبيها إلى الكنيسة، ويركب العروسان حصانين مزينين، وما قبل الكنيسة بقليل ينزل العروسان ليدخلا الكنيسة مشياً على الأقدام، وتتم مراحل التتويج والإكليل ومباركة الأب، ثم التوجه إلى بيت العريس».

وتتابع: «تستمر الأفراح في بيت العريس لمدة أسبوع، ويتم التوجه إلى الكنيسة في أول يوم أحد بعد الزواج، وبعدها يدعو أهل العروس أهل العريس والعروسين إلى بيتهم؛ ويتم الاحتفال بهما، وهذه تعرف بـ"ردّة رجل"، وكانوا في الماضي يذبحون الخراف لإطعام أهل الزوج والجيران ولمة الأصدقاء، إضافة إلى الأكلات التي يدخل فيها اللبن و"الآورما"، والتي تعدّ أصنافاً رئيسة على المائدة، ثم بعدها تلتزم العروس ببيت أهل الزوج».

من مراسم الزفاف في الكنيسة

وأضافت: «من العادات الهدية "النقوط"، كان في الماضي مبلغاً من المال يقدم هدية للعروسين. أما هدية أهل العروس، فهي عبارة عن لحاف ووسائد مطرزة، وعادة تنقل ملابس العروس إلى بيت العريس ضمن (البقج) المطرزة بألوان وأشكال يتم التباهي بها، وتحمل على رأس قريبات العروس إلى بيت العريس، ولم يكن يوجد مهر أو مقدم ومؤخر، والذهب عبارة عن قطعة صغيرة مقتصرة على العائلات الغنية فقط».

الباحث في التراث الشعبي "محمد فياض الفياض"، قال: «تمثّل دورة الحياة في الأتراح والأحزان للمجتمعات كلها مسرحاً مهماً انبثقت من فروعه عادات وتقاليد شعبية تجذرت في ثنايا مناسباته، كما تعززت قوة هذه العادات في نفوس أبناء المجتمع مع تكرار هذه المناسبات التي أصبحت مع مرور الزمن تمثّل النمط الأقوى في قوة هذه المجتمعات، ونتيجة الثقافة الشعبية التي حفرت في ذاكرة هذه البيئة، كان لأهل هذه المنطقة هوية خاصة وتقاليد مميزة قد تلتقي بيئات أخرى في بعض جزئياتها، وقد تختلف في جزئيات أخرى، فالتاريخ العميق لهذه المنطقة واللغة الآرامية المستخدمة كونت معاً عوامل ثراء لطقس العرس الشعبي من حيث الأهمية والخصوصية، وقد استخدمت في هذه المناسبات العديد من الطقوس الفريدة التي تركز في كل مفرداتها على نوعين من الفنون: فن الأداء الموسيقي، والفن الحركي المتعلق بالرقص بطرائق متعددة؛ وهذا ترسيخ لجوانب الثقافة غير المادية المهمة للشعوب قاطبة، وللزواج عند كل شعب عادات وتقاليد تميزه عن سائر الشعوب، وهنا تكمن الأهمية والخصوصية، وهذه العادات تحكمها قوانين دينية واجتماعية متوارثة تضفي الصفة الشرعية والرضا على قران شريكين متلازمين مدى الحياة، مع وجود تشابه في كثير منها عند شعوب العالم كله، ومراسم الأعراس تختلف باختلاف الأزمان والبلدان والحالة الاقتصادية والثقافة السائدة، ولا تقتصر الاحتفالات على الأعراس التقليدية، بل هناك الكثير من الطقوس الشعبية والدينية، مثل: "عيد الصليب، عيد القديسة تقلا والقديسين سركيس وباخوس"».