حبُّ البلد وعشقه يفرض علينا المحافظةَ على تراثه وهويته، ومن هذه النقطة بدأت فكرة بيت "الشرق للتراث" وبدأت مجموعةٌ من الحرفيين معهم جمعية "الوفاء التّنموية السورية" بإعادة إحياء هذه الهوية وإنعاشها.

كان لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 12 تشرين الأول 2019 جولةٌ في بيت "الشرق للتراث" تنقّلت فيها بين رياحين الياسمين والنانرج التي تملأ الباحة تشاركها الحضور قطعٌ جميلةٌ سوّاها حرفيو الشّام وأبدعوا في عملها، وعن قصة هذة الشراكة حدثتنا مديرة جمعية "الوفاء التّنموية السّورية" "رمال الصّالح" فقالت: «معرفتي بالحرفي "إبراهيم الأيوبي" أتاحت لي الفرصة الكبيرة للتعرف على عدد من حرفيي "الشام"، فقد جاءني يطلب مساعدته في نقل نول (البروكار) خاصته من "صيدنايا" إلى سوق "ساروجة" ووضعه ضمن إطار الجمعية، خوفاً من أي طارئ في هذه الفترة، وقد تمّ ذلك بمساندة بعض الجهات الحكومية المهتمة، وعاد للعمل عليه واجتهد في تدريب بعض الشّبان على استخدامه، وخلال ذلك تداولنا الكثير من الأحاديث عن "الشّام" وحرفيّيها، وظروفهم، وكثيراً ما بحثنا عن حلٍّ لهولاء الحرفين وأعمالهم، ووجدت في بيت كنت أتردد عليه في منطقة "الميدان" استثمره "الاتحاد النّسائي" سابقاً لأعماله من دورات ومعارض، وجدتُ فيه مكاناً يمكن أن يساعدنا في إيجاد الملاذ الآمن لبعضٍ من حرف البلد وحرفييها، وفعلاً أقلعنا في الجمعية بالعمل لتحصيل هذا البيت وبالتعاون مع الجهات المعنية كان لنا هذا في شهر أيار من 2018 وبدأنا بترميمه لأنّه من البيوت المهددة بالسقوط وكان حرصنا كبيراً على المحافظة على هويته التراثية، وقد شاركنا هذه الخطوات من بدايتها بعض من الحرفيين، مندفعين متشوقين للحظة الانتهاء وإقلاعهم بعملهم في هذا البيت فكان ذلك مع بداية عام 2019 فانتعش الجوُّ فيه ودبّت الروح بين ثناياه من جديد بحضور الشّباب وارتفاع أصوات أدواتهم تعمل وتنتج، وأخذ عدد الحرفين يزداد وتنوعت أعمالهم فتوطّنت في البيت 12 حرفةً ما بين (الفسيفساء، الصّدف، الموزاييك، الحفر على الخشب بأنواعه، الدّهان الدّمشقي، البروكار، الرّخام الشّامي، المقرنص، الخيط العربي، القيشاني) وبزمن قياسي انطلق مشروعنا، وركّز على هدف ثانٍ وأخذنا نعمل باجتهاد على تحقيقه وهو إيجاد جيلٍ جديد يأخذ أصول العمل بهذه الحرف من أهلها البارعين فيها، عبر اتفاق مع وزارة التربية وغيرها لاستقطاب المتسربين واحتوائهم وتدريبهم وتعليمهم حرف بلدنا، كما عملنا على إيجاد آلياتٍ لتسويق إنتاج مشروعنا».

عملت في الفسيفساء الحجري في عدّة ورشات وعانيت الكثير من الاستغلال لجهدي وما أنتجه من لوحات رآها الجميع جميلة ومتميزة، وكان للقائي مع الحرفي "إبراهيم الأيوبي" الفأل الجيد بأن قدمني إلى مديرة جمعية "الوفاء التّنموية السّورية" "رمال الصّالح" فاستحسنت عملي وأعُجبت به ومنحتني فرصة أن أكون أوّل من أقام في البيت، مبتعدة بذلك عن الاستغلال الذي عانيته وتأمنت لي كل ظروف العمل الجيد من مكان وأدوات وكذلك مواد من حجارة مقصوصة ملونة جاهزة للعمل بها وتكوينها لوحات أجد فيها كياني وقيمة لوجودي، تماماً كما بقية الحرفيين في هذا البيت الذي جمعنا واحتوى حرفنا واشتغل عليها ويعمل على تثبيتها وتطويرها من خلال الدورات التّدريبية والتّثقيفية التي تقام في البيت

ولحضور الحرفية "وفاء حسان" في بيت "الشّرق للتراث" جولة حدثتنا عنها فقالت: «عملت في الفسيفساء الحجري في عدّة ورشات وعانيت الكثير من الاستغلال لجهدي وما أنتجه من لوحات رآها الجميع جميلة ومتميزة، وكان للقائي مع الحرفي "إبراهيم الأيوبي" الفأل الجيد بأن قدمني إلى مديرة جمعية "الوفاء التّنموية السّورية" "رمال الصّالح" فاستحسنت عملي وأعُجبت به ومنحتني فرصة أن أكون أوّل من أقام في البيت، مبتعدة بذلك عن الاستغلال الذي عانيته وتأمنت لي كل ظروف العمل الجيد من مكان وأدوات وكذلك مواد من حجارة مقصوصة ملونة جاهزة للعمل بها وتكوينها لوحات أجد فيها كياني وقيمة لوجودي، تماماً كما بقية الحرفيين في هذا البيت الذي جمعنا واحتوى حرفنا واشتغل عليها ويعمل على تثبيتها وتطويرها من خلال الدورات التّدريبية والتّثقيفية التي تقام في البيت».

لوحة الفسيفساء بيد الحرفية وفاء حسان

وعن مشاركة دكتور التّراث "خالد الفياض" في العمل على إقامة بيت "الشرق للتراث" ووضعه في ساحات الضوء، قال :«منذ زمن لم تفارقني فكرة إقامة حاضنات للتراث ومجلس أعلى للتراث يضم كل الفعاليات. وتقدمت بطرح في هذا السياق للجامعة لتعليم الحرف ليكون خطوة نحو إقامة نواة لمعهد عالي للتراث، ضمن النشاط الثقافي الذي كان يجمعني مع "رمال الصالح" التقت مساعيها مع الأفكار التي لدي، وأقلعنا بالعمل فبعد استلام البيت بدأنا وبإمكانيات بسيطة بترميم البيت ودرسناه من الناحية الأثرية فكشفنا عن رسومه ونقوشه التي أخُفيت سابقاً وأزلنا عنه كل ما هو محدث وأعدنا القديم التّراثي، ودعمنا جوانبه وجدرانه بالحديد، أعدنا البحرة وزرعنا ما حولها، وأتممنا كل احتياجات البيت من مطبخ وماء وكهرباء وكذلك انترنت وسميناه ببيت "الشرق للتراث" لنثبّت شعور الانتماء لدى كل رواده، ثم استقدمنا الحرفيين المهرة المأمّنين على الحرفة حتى في تعليمها، وعملنا في البيت على إعطاء بعدٍ تاريخي للحرفة من خلال دمج ما لدى الحرفي مما تعلمه عن أبائه وأجداده، والشّرح عن الحرفة وعمقها التّاريخي، وتمكّنا من تفعيل إنتاج (الأغباني) في "دوما" واتسعت بوادره الإنتاجية، ونعمل الآن على إقامة مكتبة تراثية على مستوى الشّرق الأوسط تعنى بالتراث السّوري وتراث بلاد الشّام ومقرها في "ساروجة" ونجمع لها حالياً كتب التّراث لتكون بعد الافتتاح للعامة».

يعمل أهل بيت "الشرق للتراث" من خلال جمعية "الوفاء للتنمية السورية" على تجاوز عقبات العمل واستمرار هذا المشروع حيث تمّ عقد اتفاق مع "اتحاد الحرفيين" من إجل منح شهادات حرفية للمتدربين، وهناك جهود للتشبيك مع العديد من الوزارات مثل السياحة وغيرها، لإيجاد حلٍّ لتسويق إنتاج البيت وتأمين أحد أبواب استقراره وتطويره.

الدكتور خالد الفياض
من إنتاج بيت الشرق للتراث