رغم تنوع النتاج الموسيقي والغنائي السوري في الفترة الأخيرة، إلا أن الصوت العالي كان للفن الذي يراعي ميزان الربح والخسارة، أو ما يذهب إلى تسميته البعض "الفن التجاري"، وهو ما جعل عقلية المنتج تتحكم بكل مفاصل هذه المسألة، ما أدى لطغيان موضوعات غنائية قليلة تتمحور فقط حول الحب وأحلامه ومتاعبه، متجاهلين موضوعات عديدة كانت تحفل بها نتاجات المطربين والفنانين قديماً، لذلك نسأل: أما حان الوقت للتجرؤ ومحاولة تأليف وتلحين نصوص عن مواضيع ليست مضمونة الربح، عن مشاعر لم تنل ما يكفي من الأغاني؟.

مدونة وطن eSyria سألت بتاريخ 15/1/2013 العديد من المهتمين والموسيقيين عن هذا الموضوع، وكان أولها مع الأستاذ "سمير جمول" المهتم بالموسيقا التراثية حيث قال: «أنا أرى أنه لا توجد مواضيع مضمونة الربح أو غير مضمونة، بمجرد ان تكون الكلمة صادقة واللحن نابعاً من روح هذه الكلمة سيرتقي الأداء إلى مستوى يمكن من خلاله التسويق بشكل جيد، ودليلي على ذلك الأغاني القديمة التي مازالت تغنى إلى الآن».

التطرق للمواضيع الجديدة كلياً قد يلاقي بعض الاعتراض لكونه خارجاً عن المألوف ولكنه سيلقى قبولاً جيداً فيما بعد

فيما يرى المهندس "وسيم أبو زينة" أن المواضيع الجديدة ستكون بشكل أو بآخر مصدراً للربح، ويضيف: «التطرق للمواضيع الجديدة كلياً قد يلاقي بعض الاعتراض لكونه خارجاً عن المألوف ولكنه سيلقى قبولاً جيداً فيما بعد».

ابراهيم مسلماني

أستاذ التربية الموسيقية "اياد شاكر" بيّن رأيه أيضاً بقوله: «نحن بحاجة لإعادة هيكلة الأغنية الوطنية، التي تتغنى بسورية، بالوطن، أنا أُصاب بقشعريرة لا مثيل لها حين تقول فيروز (وطني.. وحياتك وحياة المحبة.. عم أكبر وتكبر بقلبي.. إنت القوي وإنت الغني وإنت الدني يا وطني) فهي تغني للوطن كما تغني لحبيبها، بكل شاعرية العاشق، الأغنية الوطنية ليست بالضرورة أغنية للتحدي والحماسة».

ويشير "شاكر" إلى الأغنيات التي قدمتها الدراما السورية عبر شاراتها، حيث حققت معادلة المواضيع المختلفة عن السائد، والتي تحاكي في معظمها الهمّ الإنساني، وقد حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وهو ما يعزوه إلى المنبر الذي أتيح لها، ألا وهو منبر الدراما السورية.

القدود والتوافق بين الموسيقا والنص

"ابراهيم مسلماني" رئيس فرقة "نوا" الموسيقية يرى أن أي مشروع موسيقي جديد يعيش بشخص حمله على ظهره ولم يلتفت إلى الخلف، والأهم أننا لا ننتبه لذلك الشخص إلا بعد موته، وهذا ما يحدث غالباً. يقول: «نظريتي عن التجديد تقول انه لا يمكن التأسيس للابداع والانتاج المختلف إلا بوجود ظروف مناسبة، أولاً فنية؛ وثانياً مالية ترعى المواهب وتقدر ذلك الإبداع، ونحن في سورية لدينا تركة قديمة.. أي ما ورثناه عن الثقافات الموجودة، ولدينا موسيقا متأثرة بالفن المصري لسيطرة الاعلام وكل وسائله في فترة من الفترات.. وبعدها وضمنها أيضاً يعمل كل على حدة أي كل فريق يجد لنفسه اتجاهاً يرى انه الصحيح ونسينا هنا وتناسينا ما الذي يجب أن نعمل لأجله».

ويضيف "مسلماني": «أعتقد قبل العمل على إبداع موسيقا جديدة يجب علينا أن نوحد مناهج تأسيس الموسيقا في سورية، ومعرفة التركة القديمة لنا وتوثيقها ووضع جميع الوثائق بين أيدي الموهوبين والطلبة، عندها ستجد عدداً كبيراً من التجارب الجديدة التي- وكما ذكرت- تريد مساعدة اعلامية محترمة لتقدير موسيقاها الجديدة، ولكن المشاريع الفنية ذات الصبغة المختلفة عن السائد محكوم على أصحابها بأن يكونوا ضحية خياراتهم الفنية!! في ظل عدم توافر جميع ما ذكرت قبل».

أما الموسيقي "يامن الجذبي" فيقول: «يجب ان نعرف كيفية تقييم الوقت لبدء هذه المحاولات، هل من الناحية المقامية ومدى فهمنا لها واتفاقنا فيها؟ أم من مخزون سماعنا ومدى فطرتنا في التأليف والتلحين لهذه الأعمال؟».

إذاً هل يمكن بعد هذه الدراسة المقامية التي تحدث عنها "الجذبي" أن نصل لتصنيفات موسيقية قد تكون ملائمة لغرض شعري أو أدبي دون آخر؟ وبشكل آخر نسأل: هل التغيير هو تغيير شعري- موسيقي؟ أم إنه سيكون مقتصراً على أحدهما دون الآخر؟؟... وخاصة الشعري (النصي).

ولربما يمكن أن تكون فكرة (القدود الحلبية) مثار جدل في هذا الموضع... فكيف نقوم بتطويع لحن ما لأناشيد دينية إلى أغان عاطفية والعكس؟.. أليس هناك اعتبارات مقامية لحنية.. أو حتى نفسية؟.