تبقى الطّبيعة حنونة معطاءة؛ فبعد ما لحقت بنا الظّروف الصّعبة، بدأ البحث عن مصادر أخرى للطاقة، وظهرت -ولو بخجل- معالم مشاريع الطاقة الشّمسيّة، لتلحق بها مشاريع الطاقة الريحيّة، فالطاقة الحيويّة.

وضمن فضاء تزايدت فيه الأحاديث عن موارد نظيفة للطاقة، وكثر العمل في البحث عن هذه الطّاقات لتكون المعين على ما آلت إليه الحال، وما فرضته الظروف، كان لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 كانون الثاني 2017 حديثها مع الدّكتور "يونس علي" المختص في مجال الطّاقة ومدير "المركز الوطني لبحوث الطّاقة"، فقال: «في تسعينيات القرن السّابق ظهر التّوجه العالمي نحو الطّاقات المتجددة من طاقة شمسيّة وريحيّة وحيوية ومائيّة، وطاقة المد والجزر، وأخذت تتبلور عملياً في "قمة الأرض" التي جرت في "البرازيل" عام 1992، وضمن "اتفاقيّة الكيوتو"، حيث تقرر ضرورة وضع برامج ورؤى حقيقيّة في التّوسع باستخدام الطّاقات المتجددة كخيار، وأحد عوامل التّنميّة المستدامة في مجال الطّاقة والبيئة، وبدأت الدّول المتقدمة التي تمتلك خيوط التّكنولوجيا والقدرة الماليّة تتوسع بمشاريعها في الطّاقة المتجددة، وترسم سياسات الأمن الطّاقي، فالطاقات الأحفوريّة التي نعتمد عليها حالياً قد تنضب، وهي في طريقها لذلك، وبدأ العمل بالطّاقات المتجددة في منطقتنا عام 2000، وحصلت وزارة الكهرباء السورية من الاتحاد الأوروبي على منحة مشروع حفظ الطاقة، ثم جرى العمل على مشاريع الطاقة المتجددة، فأحدث "المركز الوطني لبحوث الطّاقة" عام 2003، ثم تمّ إعداد الدراسة الفنيّة لتقييم "الكمون الشمسي"، وجُهزت خارطة الكمون عام 2006.

تعدّ "سورية" من البلدان التي تمتلك كموناً ممتازاً من الطّاقة الشمسيّة، فلدينا 5000 واط بالساعة على المتر المربع في اليوم، حيث سطوع الشّمس متوافر بكل الأماكن وعلى مدار السّنة تقريباً، إضافة إلى اعتدال درجة الحرارة

بعد ذلك جرى العمل على التّشريعات والقوانين المشجعة للمضي بمشاريع الطاقة المتجددة، وصدرت مجموعة منها، كان آخرها الذي شارك القطاع الخاص بإنتاج الطّاقة وتوزيعها، فكان مشروع الكهرضوئي لتوليد الكهرباء من الطّاقة الشّمسيّة في محطة "دير علي"، إلا أن الأولويات تغيرت وتقلصت مشاريعنا إلى الصغير منها من دون إهمال الكبير منها».

الدّكتور يونس علي

ويتابع الدّكتور "يونس" موضحاً ما لطبيعة بلدنا من مميزات تؤهلها للعمل في مشاريع الطّاقة الشّمسيّة، فيقول: «تعدّ "سورية" من البلدان التي تمتلك كموناً ممتازاً من الطّاقة الشمسيّة، فلدينا 5000 واط بالساعة على المتر المربع في اليوم، حيث سطوع الشّمس متوافر بكل الأماكن وعلى مدار السّنة تقريباً، إضافة إلى اعتدال درجة الحرارة».

وتحدث مهندس الطاقة "ياسين البنّي" عن عمله في هذا المجال، ويقول: «انطلقنا عام 2003 للعمل في الطاقة الشّمسيّة بمشاريع خجولة، وذلك بحكم تكلفتها العاليّة في ذلك الوقت، إضافة إلى دعم الحكومة للكهرباء. إنما الآن وفي ظل ظروفنا الحالية ومع ارتفاع فواتير الطّاقة، ازدادت حاجتنا إلى البدائل، وتُرجم الوعي إلى أهميّة استخدام هذه البدائل، فظهر التّوجه الجاد على مستوى الحكومة والأفراد، حيث ارتفعت وتيرة الطّلب عليها لتصل نسبة الإقبال على استخدام سخانات الطّاقة الشّمسيّة تقريباً إلى 40%. أما الطّاقة الكهرضوئيّة، فاستخدامها أقل ومن قبل أصحاب الأعمال والشّركات وأصحاب المشاريع الصّحيّة، وغيرهم. وانتشرت مشاريعنا على مساحات لا بأس بها، مثل: "مساكن برزة"، و"مشروع دمر"، وشارع "خالد ابن الوليد"، وفي بعض المحافظات، مثل: "حلب"، و"حمص"، و"درعا"، حيث اكتفينا بتوريد النّظام من "ألواح اللواقط"، و"أنفيرتر"، وبطاريات من دون التّركيب».

تجهيزات مجموعة الطّاقة الشّمسيّة في مدرسة جودت الهاشمي

ويضيف "ياسين" موضحاً ميزات وفوائد استخدام الطّاقة الكهرضوئيّة: «هذه الطّاقة نظيفة، وصديقة للبيئة، لا تنضب، وآمنة، وليس لها مشكلات كالتي نواجهها عند استخدام الطاقة الحاليّة، والصّيانة تكاد تكون معدومة، وينطبق ذلك على التّجهيزات الكهرضوئيّة، والسّخانات الشّمسيّة. ويجب التّوضيح أنه وعلى الرّغم من كون التكلفة الأوليّة لمشاريع كهذه كبيرة، إلا أنها مدفوعة لمرة واحدة، وبها تستغني عن كل المدفوعات التي يفرضها استخدامنا لمصادر الطّاقة الأخرى، ومع توسيع أفق التفكير بهذا المنحى، نرى أن الطّاقة الشّمسيّة باستثماراتها هي مشاريع رابحة؛ لأنها يمكن أن تضخ الكهرباء بالشبكة العامة بقيمة مدروسة تعمل عليها الآن الحكومة لتبدأ تطبيقها مع المشاريع المنجزة لدى القطّاع العام».

الجدير بالذكر، أن مجموعة من المشاريع الكهروضوئية تنتشر على سطوح عدد من الأبنيّة الحكوميّة، مثل: وزارة الإدارة المحليّة، وزارة البيئة، وزارة الزراعة، وفي خمسة مراكز تحويل كهربائيّة في "دمشق"، ومشروع ضخ المياه في "المزرعة"، ومستشفى "ابن الوليد" في "حمص"، ومنذ مدة تمّ الانتهاء من مشروع مدرسة "جودت الهاشمي".

إنارة الطرق بالطاقة الشّمسيّة في اللاذقيّة