كان للرواية السورية مكانة مهمة في الساحة الأدبية العربية، ولا سيما في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث مثّلت بعض الأسماء فيها عموداً أساسياً في هذا الجنس الأدبي الراقي، أما اليوم فتتعرض تلك المكانة للتأرجح مع صعود وهبوط أسماء جديدة بشكل مستمر.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 تموز 2018، الأديب والناقد "حسام المقداد"، في المركز الثقافي بـ"أبو رمانة"، حيث قدم لنا سرداً تاريخياً للرواية السورية، قائلاً: «مع "نهم" لـ"شكيب الجابري" التي صدرت عام 1937، وقبله بزمن وإن لم يعترف بعضهم بجودة روايتيه؛ وأعني "فرانسيس مراش"، وبسبب التأثر بذاك الجو المشبع بالألق في "حلب"، راحت الرواية السورية تتلمس الخطى بين أنواع الأدب لتشع شيئاً فشيئاً، فتكتب نفسها قوة ضاربة في الرواية العربية متأثرة بفن الحكواتي الذي لم تكن تشهده بقاع كثيرة في الوطن العربي مرتكزة على الموروث الشعبي والأسطوري للريف وحكايات البسطاء، وفي زمن المدينة علت أصوات روائية جديدة صار للرواية السورية معها حضور مهم على الصعيد العربي، فمرت شأنها شأن غيرها بمراحل تألق مقابل مراحل تراجع، وصعدت أسماء وهبطت أخرى، وتنوعت أساليب السرد وفق تطور عالمي لفن الرواية متأثرة بالغرب تارة، وبالواقع تارات أخرى وآيديولوجيات الفكر على تنوعه».

نستطيع القول إن الرواية السورية العالمية ماتت منذ زمن ليس بقليل، ونحن الآن نقرأ قصصاً من هنا وهناك لا أكثر

وأضاف: «سجلت أسماء روائية جادّة، مثل: "حنا مينا، وعبد السلام العجيلي، وحيدر حيدر، وهاني الراهب، وممدوح عزام"، وغيرهم. وفي مرحلة متقدمة ومع الحرب على "سورية" كان للرواية شأن كبير من حيث اتساعها الكتابي ولكونها تصلح لاستحضار المرحلة وقول ما لا يمكن في المكتوب الممكن».

حسام المقداد

"عبدالوهاب محمد"، شاعر وكاتب، يرى عكس ذلك تماماً، حيث قال: «الرواية السورية مازالت تسير في مدارات المحلية، والمحلية جداً أحياناً كثيرة، الرواية كالشعر هذه الأيام؛ مستسهلة، كمّ كبير من الإنتاج على حساب النوعية والمستوى، حتى إن من يكتب قصة من مئة صفحة، يسميها رواية، وكي لا نظلم بعضهم، نعم هناك إصدارات روائية جيدة تستحق القراءة، لكننا ككل نواحي الثقافة نعاني قلة الترويج الأدبي الصحيح، والنقد البناء، وهذه معضلة ليست جديدة».

وأضاف: «نستطيع القول إن الرواية السورية العالمية ماتت منذ زمن ليس بقليل، ونحن الآن نقرأ قصصاً من هنا وهناك لا أكثر».

نزار بني مرجة

"نزار بني مرجة" الناقد والأديب يضعنا أمام أمل للرواية السورية وخاصة بوجود أرض خصبة لذلك، حيث قال: «لا شك أن الرواية حظيت بقصب السبق من حيث الإقبال والانتشار، وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح السرد الروائي يمثل المجال الأرحب لذوي المواهب، بعد أن وفرت الوقائع المؤلمة التي عشناها ولا نزال مادة خصبة جداً، لأن الواقع أصبح أوسع من الخيال لجهة انتشار الفجائع والآلام، وانهيار منظومات القيم الدينية والاجتماعية، وارتفاع مستويات الموت على حساب مقومات الحياة؛ وهو ما يوفر دراما واقعية لا تحتاج إلا القليل من الموهبة ربما، أو القدرة على التوثيق، لنصبح أمام كمّ كبير من الإصدارات التي تحمل سمة الرواية، والنسبة قابلة للزيادة بالتأكيد خلال المرحلة القادمة».

وتابع: «ذلك يتطلب وجود مدرسة نقدية جادة مؤهلة لفرز الغث من الثمين؛ وهو ما صدر ويصدر من كتب تحت مسمى الرواية، وبعضها كما لاحظنا لا يعدو كونه مدونات شخصية تفتقر كثيراً إلى تقنيات السرد الفني، وأنا أجزم أن الأعمال الروائية الأكثر نضجاً وفنية ما زالت تعيش مرحلة المخاض، لأن العمل الروائي ليس مطالباً بأن يتحول إلى نشرة أخبار لأحداث دامية أو مؤلمة».

علا جبر

"أسامة الماغوط" الإعلامي والشاعر، يرى معضلة الرواية السورية بتراجع الثقافة والفكر الثوري لدينا، وقال: «يمكن للقصيدة، وخاصة النثرية، أن تأتي بأسلوب فطري إبداعي، ويمكن للقصة أن تأتي أيضاً كذلك، لكن الرواية بالذات مشكلتها (عويصة)، فهي بحاجة إلى ثقافة شاملة لا ينتجها إلا أديب مثقف وصاحب رؤية واضحة، وهذه أزمة الرواية السورية، وهي تراجع الثقافة المترافق مع تراجع الفكر الخلاق الثوري الحقيقي نتيجة أسباب عديدة لا يمكن الإحاطة بها بهذه العجالة. ففي مراحل المد الثوري والتحرري نشطت الرواية وتألقت، وفي مراحل الجزر تراجعت؛ أي إن أزمة الرواية هي أزمة مثقف ومجتمع».

"علا جبر" الشاعرة والناقدة، تجد عقبات عديدة أمام الرواية السورية لعدم تجاوزها المحلية إلى الآن، تقول: «إذا ما سألنا القرّاء غير الأكاديميين عن الرواية السورية، سنجد أسماء معدودة تتكرر عند معظمهم: "حنا مينة، حيدر حيدر، غادة السمان، كوليت الخوري، عبد السلام العجيلي"، وعلى الرغم من شهرة هؤلاء الروائيين، غير أن أحدهم لم يصل إلى شهرة الكاتب البرازيلي "باولو كويلو" العالمية على سبيل المثال؛ وذلك لأن فن الرواية السورية مؤطّر ضمن حدود آداب ما بعد الكولونيالية، التي لم يستطع معظم الكتّاب تجاوزها، وأهم هذه الأطر، الآيديولوجيا السياسية، فكثيرة هي الروايات التي تحمل الفكر السياسي للكاتب، وتطرحها بطريقة تحليلية وثائقية، متناسية أن فن الرواية هو فن متعة بالدرجة الأولى. أدب المرأة، وهو الأدب المحصور بفترة كانت فيها المرأة تعاني من المجتمع الذكوري، فتكون الرواية مكرسة للدفاع عن قضية حقوق المرأة. دوامة المنحى الجنسي الموظف أو غير الموظف، الذي يقع فيه الكاتب بفخ دفاع عن فكره الذي اتخذ من الجنس ستاراً مهلهلاً له في أغلب الأحيان. وأيضاً هناك أدب البيئة، وهو من مميزات أدب ما بعد الكولونيالية، وذلك لأنه يركز على خصوصية البيئة نتيجة التغريب والانزياح المكاني الذي أحدثه الاستعمار».

وأضافت: «كل ذلك يقولب الرواية السورية، ويجعلها حبيسة لغة وطنية هرمة، تسير نحو الشيخوخة والانطواء في غياهب الأدب. قد تكون الرواية السورية الآن بحالة تكاثر انشطاري -إن صحّ التعبير- وذلك لفقدان مبدأ الانتقاء في النشر، وذلك قد يؤدي بالرواية لا إلى النسيان فحسب، وإنما إلى بعثرة ورقيّة على الأرصفة لا غير».

بدوره يؤكد الشاعر والكاتب "طلال سليم" أن الرواية لدينا تراوح في مكانها، من دون تقديم أي جديد، قائلاً: «الرواية السورية اليوم لم تكسر النمطية التي تأسست عليها، بل سارت تماماً على نهج الماضي إلا ما ندر منها، باستثناء بعض الروائيين الذين كسروا التابوات، مثل: "حيدر حيدر، وعلي محمود"، تبقى الرواية السورية رهينة قواعد لم يستطع أغلب الروائيين الخروج منها، حيث سارت على نهج انعكاس أو واقع، أو متخيل أو التاريخ، ولم تخرج من هذه الأطر، لدرجة تظن حيناً أن الرواية السورية قد كتبت بنفَس واحد، وتكاد تخلو من الروح الشاعرية والكثافة والحلم، تقريرية يبقى الأنا ظاهراً واعظاً كأنك تدرس كتاباً سماوياً، أيضاً اللغة لغة صحافة، لا تكسر روتين القارىء، بل تؤسس للنمطية التي نعيشها منذ سبعين عاماً، ومن هنا أقول إن الرواية السورية ليست بخير».