ما زال المسرح السوري يجول في الساحة الفنية العربية، وينال الجوائز، لكن بقي سؤال يفرض نفسه عن فحوى المسرح السوري إن كان هو ذاته كما كان زمن "فواز الساجر"، و"سعدالله ونوس" وغيرهما، عندما كان يضرب به المثل في الصحف العربية والعالمية، وهل تغير مضمونه وهيكليته؟

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 كانون الثاني 2018، التقت المخرج "مأمون الخطيب" في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأدلى برأيه قائلاً: «المسرح السوري ليس بأفضل الأحوال، بسبب عدم الاكتراث الحكومي لأهمية هذا الفن، وافتقار القائمين عليه إلى جدية الدفاع عنه تجاه ما يواجهه من مطالب واحتياجات لجذب المبدعين إليه، ومشكلاته أغلبها تأتي ممن يعملون به».

المسرح السوري ليس بأفضل الأحوال، بسبب عدم الاكتراث الحكومي لأهمية هذا الفن، وافتقار القائمين عليه إلى جدية الدفاع عنه تجاه ما يواجهه من مطالب واحتياجات لجذب المبدعين إليه، ومشكلاته أغلبها تأتي ممن يعملون به

وأضاف: «هناك تجارب مسرحية سورية مشرّفة قائمة من قبل المهتمين بالمسرح ومحبيه؛ لولاها لانساق إلى مسرح المناسبات الآنية والاحتفالية التي بدأت تظهر خلال الحرب على "سورية"، والتي كادت تعطي المسرح الطابع السطحي الذي يعي فقط بالحدث من خلال العمل على موضوع الأزمة من الجانب التوجيهي والدعائي. المسرح السوري في أزمة نصّ دائمة، وأزمة تعاطٍ معه كفن تنويري معرفي، أزمة اعتباره واجهة للمجتمع والبلد، يسهم في إعادة إنتاج الرؤى الثقافية والاجتماعية والروحية للمجتمع، إذاً هناك أزمة واضحة؛ وهي ليست جديدة».

مأمون الخطيب

وبعكس هذا الحديث يعرض "جوان جان"، كاتب ورئيس تحرير "الحياة المسرحية" نشاطات المسرح السوري خلال السنوات الأخيرة من دون التطرق إلى المشكلات، حيث يقول: «بعد عام مملوء بالنشاطات، ثمة عناوين عريضة متعددة يمكن تسجيلها فيما يتعلق بالراهن المسرحي السوري، وتحديداً خلال العام الأخير، أهمها استمرار مشروع دعم مسرح الشباب الذي ترعاه مديرية المسارح والموسيقا، وتوسعه باتجاه المحافظات، حيث تم تقديم أعمال مسرحية ضمن هذا المشروع بعدة مدن. كما يمكن أن نسجل من ضمن العلامات المسرحية المضيئة في عام 2018 اتساع مشاركة المسرح السوري في فعالية يوم الثقافة التي تقيمها وزارة الثقافة سنوياً، حيث شملت العروض معظم المحافظات "السورية" من خلال أعمال تُعرَض لأول مرة، ولا يمكن أن ننسى عروض مهرجان مسرح الطفل».

ويتقاطع رأي "نورس برّو" (إعلامي ومخرج) مع "الخطيب"؛ حيث قال: «يا للأسف بات المسرح السوري في عداد المفقودين من بين مسارح العالم بعدما كان رائداً على مستوى الشرق الأوسط والمنطقة في مرحلة ليست بعيدة، وذلك يرجع إلى عدة أسباب، منها: غياب المسرحيين عن الخشبة أمثال "فواز الساجر"، و"نضال سيجري" وغيرهما. إلى جانب ممثلين كبار على الخشبة كـ"فايز قزق"، و"غسان مسعود" وغيرهما، ممن اتجهوا إلى العمل في الدراما بحثاً عن لقمة العيش التي لا يوفرها المسرح. وأيضاً عامل الدراما التجارية الذي غزا الشاشات منذ عام 2000، الأمر الذي سرق وهج المسرح، فباتت الدراما حلماً للمسرحيين ودارسيه والمطالبين أولاً بإنعاش الحالة المسرحية لكونها لب الاختصاص لديهم، ولكونهم أول المعنيين بها، إضافة إلى افتقار البلاد إلى كتّاب يكتبون للمسرح وتوجههم لكتابة النصوص الدرامية لكونها تدر عليهم ربحاً مالياً مضاعفاً بعشرات المرّات عن قيمة النص المسرحي المادية، والكاتب هو الأساس في ظل وجود بعض الكتّاب القلائل الذين ما زالوا يحملون نفَس المسرح على أكتافهم مثل "جوان جان"».

جوان جان

وأضاف: «هي حالة متشعبة متصلة منفصلة تضع المسرح السوري في عداد المفقودين؛ بحاجة إلى غرفة إنعاش مرعية من قبل القطّاع الخاص بالدرجة الأولى، وتسويقها بمستوى تسويق الحالة الدرامية، وهنا لا بدّ من التحية إلى بعض الأسماء الكبيرة التي ما زالت تحمل همّ المسرح على الرغم من نجوميتها وتوليها مقاماً عالياً في أعمالها، كالفنان "أيمن زيدان" الذي لم يغب عن الخشبة حتى اليوم».

ويتطرق "أحمد جحجاح" وهو مخرج مسرحي إلى الحالة المسرحية خلال الأزمة، ويجدها متطورة وتعدت نصوص الأزمة وقدمت صورة جميلة للمسرح، حيث قال: «بمراقبة بسيطة للحركة المسرحية، سنجدها تمر بأطوار استقرار وأزمات بحكم وجود "سورية" بمواجهات كبيرة مع استعمار قديم جديد منذ فترة مؤسس المسرح في سورية "أبو خليل القباني"، وعروض موسيقا "السفرجلاني"، والصعوبات تعترض طريق المسرح إلى أن نجح "القباني" باستقطاب الجمهور إلى المسرح الغنائي، وبحكم الحضارة السورية استمر نهج "القباني" بالتطور، من خلال عروض عربية وأعمال مترجمة عالمية».

أحمد جحجاح مع فرقته المسرحية

وأضاف: «منذ بداية الأزمة لم يغب المسرح، بل تسابقت العروض بكثافة أعلى وتيرة مما كانت عليه قبل الأزمة، ودمج فني بين الصورة والمسرح و"توليفات" بصرية جديدة، وتكوّنت فرق بأعداد كبيرة، وانفتح باب المسرح إلى ما أعدّه نهضة حقيقية للمسرح المعاصر، بزيّ جميل، ولم تلتزم الحركة النهضوية للمسرح بمسرح الأزمة فقط، بل تجاوزته إلى الطرح الناقد حتى في ظل الأزمة، وهذا يدل أن (أبو الفنون) بخير على الرغم من الصعوبات المادية التي تجابه الفرق بقساوة، ومن هنا أوجه رسالتي إلى المعنيين لدعم هذه العيادة الأخلاقية، والنافذة المطلبية الراقية، ومرآة النبض الحقيقي للشارع السوري وآلامه».

يشار إلى أن "مديرية المسارح والموسيقا"، قدمت في السنوات الأخيرة الكثير من العروض الشبابية والمخضرمة؛ ففي عام 2018 أنتجت ما يقارب أربعين عرضاً مسرحياً بتوقيع أسماء مختلفة، نذكر منهم: "غسان مسعود، أيمن زيدان، زيناتي قدسية، مأمون الخطيب، لؤي شانا، كفاح الخوص، إسماعيل خلف، مأمون الفرخ، علي صطوف، أسامة غنم، رائد مشرف، سهيل عقلة، غسان الدبس، نضال حمود، وانيس باندك"، وغيرهم. إضافة إلى مهرجانات مسرحية، منها: "مهرجانين لمسرح الطفل، ومهرجان المونودراما، مهرجان الحسكة المسرحي، مهرجان اللاذقية المسرحي"، والكثير من الفعاليات الأخرى.